أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا (تالا جابر):

مجازاً يمكن أن نسمي هذا المكان المفتوح بـ “المطبخ”، فهو عبارة عن أربع مواقد حطبية، وأربعة أوعية كبيرة للطبخ، وجهود فردية لناشطين، يقومون بالطهي مرتين في الأسبوع بإمكانياتهم المتواضعة.

أما مقادير وجبة اليوم في مطبخ حرستا فهي 100 كغ بطاطا 100 برغل 20 ليتر زيت أبيض 10 كغ لحمة مع العظام، بهارات وملح وثوم وكزبرة خضراء، وبكلفةٍ إجمالية تصل إلى 153 ألف ليرة سورية “حوالي 1020 دولار”، كافية لتغطي حاجة 150 عائلة محاصرة تعاني الفقر والجوع وغلاء الأسعار.

  • سلاح الجوع

“نتحدى النظام بطريقةٍ سلمية”، هكذا تعتبر فاتن الناشطة القائمة على هذا المشروع، فالرسالة التي تريد إيصالها هي أن “النظام يريد قتلنا جوعاً لكننا سنسعى من أجل البقاء على قيد الحياة، نتحداه سلميا وبدون سلاحٍ ودم”.

ولم يعد يخفى على أحد أن النظام يستخدم أكثر الأسلحة فتكاً في المناطق الثائرة وهو الحصار والتجويع حتى الموت، حيث وثق المكتب الحقوقي الموحد في الغوطة الشرقية 51 شهيد منذ الشهر العاشر لعام 2013 حتى 20-02-2014 قضوا نتيجة الجوع، وكان عدد الشهداء للشهر الأول وباقي الأيام من الشهر الثاني قد بلغ 41 شهيدا أي بمعدل شهيد كل يوم معظم الشهداء من الأطفال. كما وثق المكتب الحقوقي الموحد عدد الشهداء الذين استشهدوا أثناء محاولة جلب الطعام لأبنائهم وأهلهم  68 شهيداً منذ الشهر العاشر لعام 2013 حتى 20-02-2014.

ومن أجل البقاء على قيد الحياة ونتيجة الفقر الشديد في المناطق المحاصرة وغلاء الأسعار انطلقت فكرة مطبخ حرستا حيث تشير فاتن إلى أنه “قام على تبرعٍ سخي من معارضين في محافظة السويداء لذلك تمت تسميته بمطبخ أحرار السويداء، وأتى كفكرة مشابهة للمطبخ المقام في مدينة جرمانا لإطعام العائلات المهجرة”.

  • أسعار ملتهبة

ومع وصول سعر كيلو الأرز في الغوطة الشرقية إلى 1100 ليرة، وسبق وأن وصل إلى 12 ألف ليرة مع شحٍ كبيرٍ في تواجده، وهذا حال معظم المواد الغذائية الأخرى التي بدأت تتوافر منذ شهرين تقريباً لكن بأسعارٍ مرتفعة لا يمكن للعائلات الفقيرة، وهنا تقول فاتن: “لم يعد بالإمكان الحديث عن عائلات فقيرة وأخرى غير فقيرة، فالجميع هنا أصبحوا فقراء جداً، لذلك نوزع الطعام على العائلات بشكلٍ عشوائي، نذهب إلى أحد الأحياء ونوزع الطعام فيها، لكن عموماً يمكن أن نعتبر العائدون من النزوح هم الطبقة الأشد فقراً، فهناك كثيرون خرجوا من حرستا عند اشتداد المعارك، لكنهم لم يقدروا على تحمل تكاليف النزوح ففضلوا العودة رغم الدمار الكبير في حرستا وغياب الخدمات”.

وخلف تفاصيل المشروع تكمن المشكلات والعوائق، فليس من السهل إقامة مشروع إطعام في مدينةٍ محاصرة، باتت تفتقر لكل مقومات الحياة، وأحياناً يتمكن الناشطون من تنفيذ طبختين في الأسبوع وأحياناً طبخة واحدة بسبب التمويل الضعيف نسبياً، حسب ما تؤكد فاتن، التي تشير إلى الغلاء الكبير في أسعار البضائع، وفي بداية المشروع لم تكن المواد الغذائية متوافرة نهائياً، وغلاء هائل في الأسعار، أما الآن هناك بضائع تدخل عن طريق التهريب، والأسعار تتفاوت بين الصعود والهبوط.

وليس صعباً ملاحظة استخدام المطبخ للحطب كبديلٍ عن الغاز الذي وصلت أسعار الأسطوانة الواحدة في الغوطة إلى 32 ألف ليرة سورية “حوالي 200 دولار”،  وضمن تكاليف المشروع يدخل أيضاً البينزين المخصص لسيارة “السوزوكي” التي تقوم بتوزيع الطعام، فكلفة الليتر الواحد من البنزين تصل إلى “3000 ليرة”.

  • صامدون هنا

التجربة ما زالت خاصة بحرستا لكن تشير فاتن إلى أنها تتمنى تعميم التجربة في كامل الغوطة الشرقية المحاصرة.. أبو محمد رجل مسن في الستينات من العمر لم يرض الخروج من حرستا رغم كل ويلات الحرب والحصار، وهو أحد المستفيدين من المطبخ يقول: “نعيش حالة الحصار والغلاء، ولا يوجد عمل منتج يمكن أن نقوم به، وحتى المساعدات الإغاثية قليلة جداً، لكن الوجبات الأسبوعية التي يقدمها المطبخ يمكن أن تساعدنا بعض الشيء، لا سيما أنها تحتوي على عناصر مغذية، بعد أن مرت علينا أيام نعيش على الملفوف أو الحشائش، ونصنع من العلف والشعير خبزاً، صحيح أننا لا نستفيد من الوجبة كل أسبوع لأن هناك عائلات أخرى أيضاً بحاجة، لكن أفضل من أن لا نأكل أي شيء مغذي”.

“أبو وليد” ناشط في الغوطة الشرقية، يشير إلى أن “حال الغوطة عموماً وحرستا بشكلٍ خاص، أفضل هذه الأيام من الحال في السابق، فلم يكن بالإمكان إقامة مطبخ بسبب عدم توافر المواد وعدم وجود جدوى فعلية، فالغلاء في السابق كان سيخفض عدد المستفيدين من الوجبات لأقل من الربع، لكن الآن الوضع أفضل، فرغم كل ما يحاول النظام فرضه علينا من الموت جوعاً إلا أننا صامدون”.