سعاد نوفل – ساحة الرأي | أخبار الآن
البعض منها مشدود على خشبة علم او صورة لسيادته، ترتجف قلوبنا، تنبح حناجرنا والكل بصوت واحد: “بالروح بالدم نفديك يا حافظ” .. “إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الاسد” .. وكل معلم بين تلامذته يشجّعهم على رفع صوتهم، وهو يقبض كفّه وذراعه ترتفع إلى الاعلى والكل يصرخ: “أقوى أقوى”.
هذا الإصطفاف يمتد لاكثر من خمس ساعات احيانا حتى يتم الحشد الأكبر فمن خلاله يظهر مقدار الولاء للقائد الرمز، كلنا كالألف المدودة وحتى القرفصاء لا يسمح لنا بها لنصل أحيانا للأغماء ومناسبتنا التي نُحيي ذكراها هي حرب تشرين، ميلاد “البعث”، “عيد الجلاء” وما اكثرها من مناسبات وطنية.
للصيف قصة اخرى فالعرق يتصبب من راسنا حتى اخمص قدمينا وشمس الجزيرة تكاد تُذيب شحمة الرأس، كل هذا التهليل يُقتطف منه لقطة هي المرور امام المنصّة التي يعتليها المحافط وأمين الفرع والأعضاء بالطقوم الرسمية.
تصفيق شديد مع اغان وطنية والمحظوظ من يناله محط قدم ليتشرّف برقصة امام عليّة القوم وبها يعبّر عن مطلق ولاءه للقيادة الحكيمة وطبعا لاشيبته ولا مكانته تتناسب مع الرقصة الغبيّة.
نعود إلى المدرسة وكل منّا يشحط رايته مع آخر نفس تبقّى في صدره ونشاهد الجرارات وصناديقها مليئة يُشحن بها من اتوا بهم من الريف. لا ادري ما اقول وانا ممن تربّى على هذا الفكر الأجوف الذي لا يعترف إلّا بذات القائد المقدّسة.
نفّذ ثم أعترض
ونحن طلاب بالمرحلة الإعدادية، مدرّب العسكرية والمدرّبة التي هي غالبا من غير محافظة يحرسون باب مدرسة حميدة الطاهر الثانوية. حميدة هي طالبة ثانوية تقرّب بها النظام مع كثير من الشباب وتم تجنيدها لتفجّر نفسها في الأراضي اللبنانية لترسيخ كذبة الممانعة والمقاومة وأغنية “سوا ربينا”. والمكآفئة كانت تسمية المدرسة بإسمها ومعه لقب شهيدة.
اول فعل للمدربة هي نزع حجاب الطالبة وحرقه ببرميل القمامة الشامخ على الباب وهنا تشعر بالإنتصار، استطاعت سحق شخصية الطالبة بفكرها المشوّه. ويبدأ التفتيش وكل منهم يحمل سلاحه قطعة خرطوم أو كبل كهرباء.
بدأً من الحذاء الأسود والجورب وانتهاءً بالسيدارة التي كانوا يسمّونها شرف الطالب والويل لمن ينسى شرفه في البيت. وتبدأ حفلة العقوبات بباحة المدرسة، تزحيف على البطن، مشية البطّة أقلّها وياما مشيتها هالمشية. إياك والدفاع عن نفسك، نفّذ ثم اعترض مع سيل من السُباب. بعض الاحيان ينفجر احد الطلاب ويمتنع عن التنفيذ لتبدأ الركلات تأتيه من كل صوب ويتم فصله من المدرسة وبعد الوساطة التي يحضرها وبحسب ثقلها يتم تخفيف الحكم عليه.
حماة الديار عليكم سلام
امام السارية والعلم يرفرف والكل يقطع النَفَس والحركة تعني كف يأتيك من الخلف او من جهة اليمين او اليسار فحولك يقف منكر ونكير. سنوات قضيناها ونحن كالمسمار والنتيجة؟! حماة الديار قتلونا وقصفوا أطفالنا وشرّدونا بالخيام واطعمونا لحم الكلاب والقطط، وجحدوا وقوفنا إجلالا وإكراما لهم.
الأب القائد هو الرب
من الطُرف المضحكة المُبكية، عندما ألتقط تلميذ امامي صورة للقائد من الارض كانت قد ارتمت ولم يكن لينتبه عليها احد بعد، سارع إلى حملها وبخوف شديد وهو يتلفّت حوله ويُقبّلها ويضعها على رأسه لاكثر من مرّة، وهو يقول يا حرام يا حرام يا انسة.
هو ذاك الفكر الاسود الذي شربناه من عشرات السنين وتم تخريب جيل كامل، فالمؤسسة التعليمية والعسكرية تم تدجينها بشكل كامل ومنذ أنطلاق الشرارة الاولى للثورة السورية، سطّروا على الجدران “الأسد أو نحرق البلد” في محاولة لإبقاء “سيادتو”، هو القائد الرمز ولا شئ سواه ومن دونه نتحوّل إلى كفّار والتقديس فرض وفرض وفرض دائم أي إلى الابد.
هي عبودية ما بعدها عبودية، لكنّ القيد انكسر وثارت روح الشباب ولم تخف عصا الجلّاد المستبد. لم أعي حقيقة كذبة الممانعة والمقاومة إلّا قبل سبع سنوات تقريبا والبيئة المحافظة والإنغلاق والأكتفاء بالكتاب المدرسي، هو السبب الرئيس في ذلك. اعترف بذلك وقلّة من لديه الجرأة، قلتها لأبنائي التلاميذ ومن بداية الثورة: “الوطن لا يمثله شخص أيّا كان، الوطن هو أنتم وكل الشعب”.