دمشق، سوريا، 29 مارس، (سوزان أحمد، أخبار الآن)
انفصلت عن زوجها مع بداية الثورة لتكمل مشوار حياتها برفقة طفلين، وانخرطت في صفوف الثورة لتساهم بداية بتوثيق أسماء الشهداء والمعتقلين وتدير بعض الصفحات الإخبارية، ثم لتعمل على تأمين مساعدات مالية للمهجّرين ومستلزمات طبية للمصابين.
ليال، هو اسم مستعار لشابة حمصية في أوائل العشرينات فضّلت استعماله لتحمي عائلتها التي ماتزال تقطن دمشق من الاعتقال والتعذيب. فلطالما ساعدها والدها في مساعدة المحتاجين، كما شاركتها والدتها في مواجهة خطر الاعتقال بتقاسم المهام الإغاثية معها.
لا تنسَ ليال يوم الخميس ذاك حين كانت عائدة من زيارة لبعض العائلات اللاجئة في دمشق، حين أوقفها رجلان من قوات الأسد فوق جسر الرئيس في البرامكة وسط العاصمة دمشق وطلبا هويتها، ولم يتوانيا عن إهانتها عندما رفضت. وبعد أخذهما الهوية إضافة إلى هاتفها المحمول، طلبا من العناصر الموجودة عند حاجز سانا احتجازها.
“صُدمت، صرخت، قاومت، لم يحرك أحد من الشارع المكتظ ساكنا؛ بل اكتفوا بمشاهدتي أتعرض للإهانة وأتلقى الصفعات على وجهي حتى تمكنت من الفرار. ركضت لا أدري بأي اتجاه حتى حاول رجل مسن أن يخبأني خلف ظهره، إلا أنني خفت عليه منهم فتابعت الركض”. تقول ليال بصوت متهدج.
ركضت ليال على أمل أن يطلقوا النار عليها فيقتلوها، إلا أن خاطرا أوقفها لتستسلم لركلاتهم وإهاناتهم، فقد خافت ألّا تموت وأن تعتقل وهي مصابة ما قد يضاعف من عذابها عشرات المرات.
وتضيف ليال لأخبار الآن: “لم أتمالك دموعي أمام دموع سيدة انهمرت لرؤية مشهد اعتقالي، عندها أدخلوني إلى الغرفة بالقرب من الحاجز وانهالوا علي ضربا بكل ما أوتوا من قوة، أنا وشاب آخر كان قد اعتقل من نفس المنطقة، حتى أتت سيارة واصطحبتنا إلى فرع الأمن العسكري في كفرسوسة”.
وبدأت رحلة العذاب والمعاناة في ذلك الفرع، حيث تم إدخالها إلى غرفة وضربها على رأسها مرارا وتكرار بعد أخذ ما كانت تحمل من نقود بزعم أنها تساعد أهالي “الإرهابيين”. ليلقوا بها في نهاية المطاف وراء ستارة حيث كانت تقف سيدة مسنة وهي تبكي بحرقة.
“تذكرت أني أحمل “فلاشتين” (ذاكرة رقمية محمولة) مسجل عليهما كل تفاصيل المشاريع الإغاثية التي أشارك بها وأسماء العائلات النازحة، إضافة إلى ورقة كتب عليها قصيدة شعرية لأم الشهيد. لم أجد سبيلا للتخلص منهم سوى أن أقوم بابتلاعهم؛ وفعلا كسرت إطار الفلاشتين وابتلعت القطع المعدنية وتقاسمت مضغ الورقة مع السيدة”. تقول ليال مبتسمة.
لم تكن تعلم ليال أن موعد التفتيش قد حان، فأرغموها على خلع كافة ملابسها، وتم تحويلها بعد ذلك للتحقيق حيث حاول الضابط التحرش بها فضربته بقدمها، ليقوم بتكبيلها وضربها بسلك كهربائي نحاسي على رجليها حتى انهارت من شدة الضرب والتعذيب ومن ثم تم نقلها إلى المهجع.
تتنهّد ليال وتضيف: “بقيت خمسة أيام أرفض الأكل والشرب علّني أموت، ولكني عدلت عن الفكرة لاحقا. وبدأ التحقيق معي باتهامي بتنفيذ التفجير الذي حصل في منطقة القزاز بدمشق. وتم تهديدي بأطفالي وأهلي وبنشر صور لي إذا لم أعترف بذلك؛ وانتهى الأمر بعد أيام من التعذيب والانهيار بأن أرغموني على أن أبصم على أوراق لا أعرف محتواها، ومن ثم تم تحويلي إلى فرع الأمن العسكري في حمص.”
وهناك تكرر سيناريو التعذيب والإهانة والتحرش بل والشبح مرارا لساعات طويلة انتهت بأذية دائمة في الكتف مع إضافة عدد من التهم الجديدة.
رأت ليال النور مجددا في التاسع من كانون الثاني/يناير 2013 بموجب صفقة تبادل الضباط الإيرانيين لتغادر البلاد بعد ذلك حفاظا على حياتها وخوفا من تكرار تجربة الاعتقال؛ إلا أن هناك العديد من أمثال ليال شابات وشبان غيبتهم ظلمات سجون الأسد.