دمشق، سوريا، 5 مارس، (هلا البلخي، أخبار الآن) –
لطالما حمل الريف الدّمشقي على عاتقه استيعاب العدد الأكبر من سكان مدينة دمشق، ممّن ليس بمقدورهم ماديّاً امتلاك منزلٍ في أحد أحياء العاصمة، إذ بتميّز الريف بانخفاض أسعار البيوت فيه نظراً لبعده عن مركز مدينة دمشق، فتوزع أهالي دمشق منذ سنوات على كلّ من حرستا ودوما وداريا وغيرها من مناطق الريف، و انخرطوا مع أهالي تلك المناطق حتّى في أدقّ التفاصيل كالعادات و التقاليد.
أمّا اليوم، و بعد الحملة العسكرية الشرسة على ريف دمشق الثائر، عاد الدمشقيّون مع أهالي الريف إلى العاصمة، ولكن بصفة نازحين، منهم من استأجروا منازل بأسعار مضاعفة في ظلّ التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلد وبسبب استغلال التجّار الوضعين السياسي والاقتصادي السيئين، ومنهم من سكن مع أقاربهم في العاصمة باعتبار أنّ ( الناس لبعضا ) !
ولأنّ كثيرًا ممنّ نزحوا من الريف، كانت أعمالهم ومحلّاتهم التجارية موجودة في مكان سكنهم، فالجدير بالذكر أنهم قد فقدوا عملهم بعد نزوحهم مباشرةً، فضاق الحال الماديّ عليهم وباتوا يبحثون عن أعمالٍ بديلة يقومون بها في العاصمة وقد تكون أعمالاً لم يمارسوها من قبل، ومن هنا جاءت فكرة السكن الجماعي للتخفيف من تكاليف المعيشة، فتقوم عدة عائلات باستئجار منزلٍ واسع، فتحظى كلّ عائلة بغرفةٍ واحدةٍ فقط وتنعدم الخصوصية، بل و تبدأ الشجارات !
أم ربيع سيّدة في العقد الرابع، نزحت مع عائلتها من مدينة دوما ليقوموا باستئجار منزلٍ في حيّ ركن الدين في قلب العاصمة مع عائلة زوجها، تشتكي أم ربيع من ضيق الحال الماديّ و المعنوي فتقول: “بدنا نتحمّل بعض، يلي معه يساعد يلي ما معه، والله اختنقنا”. تضيف أم ربيع أنّ الضيق المعنوي وفقدان الخصوصيّة هو همّها الأكبر، و أن السكن الجماعي قد يكشف عيوباً في الآخرين كان الجميع بغنىً عن كشفها !
أما وليد وهو شاب في العقد الثالث من العمر، متزوج وأب لولدين، يشتكي من سوء العلاقة بين زوجته و والدته فيقول: “أصطحب زوجتي كل يوم مساءً إلى المقهى القريب، فقط لأستمع إليها تشتكي من سوء معاملة الآخرين في المنزل .. ولكن ليس باليد حيلة، ومن غير الممكن حالياً أن أحظى بمنزل لي ولعائلتي فقط، لذا أكتفي بالاستماع إلى زوجتي و تصبيرها على الوضع القائم !”.
في شوارع دمشق مساءً، و حتّى في الليالي الباردة، ترى النساء في الطرقات جالساتٍ على الرصيف تتحدّثن بصوتٍ عالٍ و بانفعالية عن تصرفات شركائهنّ في السكن، و تواسي إحداهنّ الأخرى.
لم يؤثّر النزوح على الوضع الاقتصادي السورية للعائلات فحسب، و إنّما أثر بصورةٍ أكبر على الوضع النفسي والاجتماعي للعائلات النازحة، فبعد أن اعتاد الجميع على الانفراد بعائلته تحت سقف منزلٍ بذلوا الغالي في سبيل امتلاكه، أتت قذيفة الهاون لتهدم أحلامهم بالحميميّة ولتحشرهم مع أناسٍ آخرين مختلفين عنهم في منزلٍ واحد وربّما في غرفةٍ واحدة، في مكانٍ آخر.