دبي، 19 فبراير 2014، (نهاد الجريري، محمد صلاح، جواد العربيني)، أخبار الآن- 

 كانت من المرات النادرة التي يبدو فيها الناشطون على صفحات الثورة السورية غير عارفين أو واثقين ممّا يحدث في مكان ما من سوريا. في النصف الثاني من نهار الاثنين 17 فبراير 2014، انشغل الناشطون بالسؤال عمّا كان يحدث في ببيلا؛ إحدى بلدات ريف دمشق الجنوبي. في ذلك الوقت انتشرت صور يظهر فيها مقاتلو المعارضة في البلدة يتبادلون أطراف حديث “ودّي” على ما يبدو مع مذيعي قناة موالية للنظام. بعد ذلك، ظهر في وسط البلدة محافظ ريف دمشق، حسين مخلوف، وسط البلدة برفقة قائد الدفاع الوطني فادي صقر وضباط من الجيش السوري والحرس الجمهوري. مخلوف ومن التقاهم من “ممثلي” البلدة كانوا يعدون الناس بدخول المعونات الغذائية خلال ساعتين بموجب ما أسماه البعض “هدنة” وما أسماه آخرون “مصالحة وطنية،” وما اعتبره آخرون “خيانة.”

هدنة ببيلا وفرصة إعادة الحساب

ما الذي حدث في ببيلا؟
لم تكن ببيلا الأولى التي تعقد هدنة مع النظام. ولم تكن وحدها؛ فكان معها بيت سحم ويلدا وعقربا. وسبقتها المعضمية (جنوب غرب) وبرزة (شمال) ومخيم اليرموك (جنوب). لكن ما ميّز ببيلا هو أن النظام استثمر في الحدث إعلامياً إلى حدّ اتضحت معه معالم استراتيجية اتبعها النظام منذ فترة.

هدنة ببيلا وفرصة إعادة الحساب

مطلع العام، وعندما عُقدت هدنة المعضمية، جنوب غرب دمشق؛ تساءل الجميع عن السبب الذي يدفع النظام إلى عقد هدنة مع بلدة يحاصرها ويمنع عنها الدواء والغذاء ولا ينفك يقصفها، حتى بالكيماوي. عندها نشرنا في أخبار الآن تقريراً، نقلنا فيه معلومات عن مصادر في الخارجية السورية تفيد بأن النظام السوري تلقى تعليمات من موسكو بضرورة إخضاع أكبر قدر من مناطق ريف دمشق من خلال عقد مصالحات وذلك بعد اتباع سياسة مزدوجة من التجويع والقصف.
وهذا ما يحدث بالضبط. حصار وتجويع وقصف.
في المقابل، لم تعد كتائب المعارضة قادرة على الرد لا بقصف مواقع النظام ولا كسر الحصار. فالكتائب محاصرة أيضاً. منذ ربيع العام الماضي، تعاظم الحصار وتوقفت حركة السلاح الداخل إلى الغوطة عندما سيطرت قوات النظام على المعابر القريبة من الضمير شمال شرق دمشق. هذه المعابر كانت عصب السلاح القادم من الشمال. فبات الوصول إلى الغوطة من الشمال أو الشرق أمراً مستحيلاً. وكذلك الجبهة الجنوبية محاصرة فليس سهلاً إدخال السلاح من درعا بالنظر إلى حشود النظام القريبة من مطار دمشق الدولي. وطبعاً الجبهة الغربية محسومة بالنظر إلى قوات حزب الله هناك. وهكذا باتت الكتائب عاجزة عن الحركة.
ليس هذا فحسب، بل إن الأشهر الأخيرة شهدت هدوءاً مريباً على جبهات القتال في الغوطة. حتى باتت الجبهات أكثر أمناً من المناطق المدنية، بحسب وصف ناشطين على الفيسبوك.

هدنة ببيلا وفرصة إعادة الحساب

أمام هذا الوضع، تأتي “لجنة مصالحة” تعرض شروطاً مغرية مثل رفع الحصار بالكامل، وعودة المدنيين، وإطلاق المعتقلين. فإذا وافقت البلدة المستهدفة، كان بها. وإلا يقوم النظام بقصفها.
مطلع الشهر، جاء وفد “مصالحة” إلى بلدة المليحة، جنوب شرق دمشق، وعرضوا “تسهيلات” على الأهالي والثوار. في اللحظات الأخيرة فشلت الهدنة بسبب تدخل جبهة النصرة. بعد ساعات، قام النظام بقصف البلدة.
الحال ذاتها يشهدها أهالي داريا (جنوب غرب) وعربين (شرق) اللتين يحاول النظام منذ ستة أشهر تقريباً إدخالهما في هدنة.

هدنة ببيلا
هذا مجمل ما وصلنا من بنود. شروط النظام:
–    رفع علم النظام على المباني الحكومية
–    تفعيل الخدمات الحكومية بإشراف السلطة السورية (المحكمة، البلدية، المدارس)
–    السماح للقوات النظامية بوضع حواجز على مداخل البلدة (بالاشتراك مع الكتائب من أبناء البلدة)
شروط أهالي البلدة:
–    إطلاق سراح المعتقلين
–    تسوية أوضاع المطلوبين
–    إصلاح البنى التحتية والمنازل وعودة الخدمات للبلدة
–    إدخال الطعام والمؤن وفك الحصار
–    وقف القصف وعمليات الاقتحام
–    وضع حواز مشتركة مع جيش النظام لمنع المسلحين الغرباء من دخول البلدة

ردود الفعل
كان واضحاً أن بعض أهالي ببيلا لم يرضوا بالهدنة. في هذا الفيديو تظاهرة ضد دخول محافظ ريف دمشق البلدة.

–    أما الكتائب التي وقعت على الهدنة فاعتبرت أنها أجبرت على الهدنة، مراعاة لشؤون الناس هناك.
أبو وسيم، قائد مجموعة في كتيبة اسود التوحيد، يقول لـ أخبار الآن: “الهدنة فرضت علينا في ببيلا لعدة أسباب فقد تركت ألوية وكتائب الجيش الحر جنوب دمشق يئنّ تحت وطأة الحصار حتى مات أطفاله جوعا دون أن تحرك ساكناً أو تحاول فتح طريق إمداد لآلاف الاهالي هناك .. ومع استمرار الضغط الشعبي على الجيش الحر الذي كان عاجزاً عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة بل كان يعاني ما يعانيه الجميع كان لزاماً عليه القبول بشروط الهدنة.”
أبو وسيم لم يعتبر ذلك خيانة لدماء الشهداء التي سالت ، فحقن الدماء خير من إسالة المزيد منها وكما قال “الحي أبقى من الميت “.
وهذا تسجيل لأحد عناصر الجيش الحر من كتائب الحسن والحسين، يعتبر الهدنة استراحة محارب.

–    بعض الناشطين حاولوا تفهم الأمر بالنظر إلى الوضع الإنساني السيئ في ببيلا وغيرها من البلدات المهادنة.

هدنة ببيلا وفرصة إعادة الحساب

–    آخرون غضبوا وهددوا بالرد. الجبهة الإسلامية بقيادة زهران علوش أصدرت بياناً استنكرت فيه هدنة ببيلا ووصلت في استنكارها حدّ التهديد بملاحقة أي جهة تطالب بعقد هدنة مع النظام.

هدنة ببيلا وفرصة إعادة الحساب

–    أما النظام، فابتهج بما حدث وكانت “الهدنة” مادة دسمة لإعلامه بمختلف وسائطه.

معركة دمشق
يبدو صعباً النظر إلى استراتيجية المهادنات من دون وضعها في إطار الصورة الكبرى المتعلقة بنقل قوة المعارضة العسكرية من الشمال إلى الجنوب استعداداً لمعركة دمشق. النظام والمعارضة يستعدان على ما يبدو لهذا الحدث.
فالنظام يحاول تأمين جبهتي دمشق الجنوبية والشرقية من خلال الاحتواء. فهذه مناطق فيها بيئة مواتية لممارسة حرب استنزاف وعصابات. لن تنحسم المعركة لأي طرف في ظل الظروف التي تطرقنا إليها سابقاً وسيظل الثوار هناك شوكة في خاصرة دمشق العاصمة. الهدنة حل مناسب في هذا الوقت. في الأثناء، يسعى النظام إلى تأمين الجبهتين الغربية والشمالية من خلال الحسم العسكري. وهنا تأتي أهمية معركة يبرود المعقل الأخير للثوار في المنطقة الواصلة بين دمشق وحمص.
أما المعارضة فنقلت ثقلها العسكري من الحدود الشمالية مع تركيا إلى الحدود الجنوبية مع الأردن. الشمال لم يعد فاعلاً في إعداد العدة لمعركة دمشق. المعارضة هناك مشغولة بقتال داعش. وداعش لن تفكر في الزحف باتجاه دمشق. فلن تترك مواقعها التي استحوذت عليها، وسيكون زحفها على دمشق تحت رحمة طيران النظام. ربما توانى النظام عن قصف داعش في الرقة، لكنه لن يسمح بعبورها إلى دمشق.
الجبهة الغربية محسومة بسبب تمترس حزب الله هناك.
إذا، هي الجبهة الجنوبية التي ستكون منطلق هجوم محتمل على دمشق.
من هنا، تبدو منطقية إقالة رئيس هيئة أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس، واستبداله بالعميد الركن عبدالإله البشير الذي شغل منصب قائد المجلس العسكري في القنيطرة.
وبغض النظر عن شكل هذا الهجوم المحتمل –أرتال من الدبابات تزحف على دمشق، أو قصف صاروخي من طائرات أو قاذفات أرضية، أو حتى انشقاقات من الداخل على مستوى غير مسبوق – يبدو أن القرار حُسم بتوجيه الضربة القاضية.