معرة النعمان، ريف إدلب، سوريا، 21 فبراير، (علي أبو المجد، أخبار الآن)
مع بدء الثورة في سوريا ومع توسع رقعة المظاهرات السلمية في المناطق المناهضة للنظام، حاولت قوات النظام جاهدة دخول تلك المناطق لوأد الحراك الشعبي فيها آنذاك، فاتخذت من المباني العالية والحساسة نقطة لأفرادها وجعلت من التجمعات والأسواق هدفا لرصاصها وقذائف مدفعيتها لترويع الناس ومنعهم من التظاهر والتجمع قدر الإمكان، فأصبح لكل حاجز اسم مقرون بالمكان الذي يتواجد فيه، وأصبح أيضا لكل شارع أو ساحة قصة، أو حتى اسم جديد، مثل (ساحة الحرية – ساحة الشهداء – مقبرة الشهداء، طريق الموت .. الخ).
المعرة تحت قبضة النظام ..
دخلت قوات النظام معسكر وادي الضيف بريف إدلب في الأيام التي تلت جمعة العشائر (10-6-2011) ووقتها كان الحراك السلمي هو المسيطر في الثورة، ثم دخل تدريجيا إلى مدينة معرة النعمان الواقعة غرب المعسكر بمئات الأمتار، وتمركز في عدة نقاط استطاع من خلالها رصد معظم المفارق الرئيسة واستهداف كل من يتحرك ضمنها بالإضافة إلى استهداف بيوت المدنيين بالأسلحة الثقيلة بين الفينة والأخرى، وقليلة هي الأيام التي مرت على المدينة ولم تقع فيها ضحية إذ بلغ عدد ضحاياها حتى اليوم حوالي 1300، وهو ما أجبر الأهالي على تجنب طرق القنص الذي كانت المقبرة القديمة هي واحدة من أهدافه.
مقبرة الشهداء ..
بتاريخ 28-3-2012 كنت برفقة الناشط (محمود الحسون) وعند مرورنا في إحدى الساحات، لاحظت وجود ست قبور كان لا يزال ترابها رطبًا ونديًا، سألته عن قصة دفن هذه القبور في هذه الساحة، أجاب: “إن جميع مفارق الطرق المؤدية إلى المقابر هي مكشوفة للقناصين الذين احتلوا أماكن تطل معظمها على النقاط الحيوية، وأثناء التشييع الأخير لأحد الشهداء تعرض الجمع لإطلاق رصاص مما اضطررنا لدفن شهدائنا في هذا المكان كنقطة بديلة ومؤقتة وهؤلاء الشهداء كانوا ضحية القصف الأخير من وادي الضيف على المدينة منذ أيام“.
وبعد أكثر من سنة ونصف مضت، أدهشني منظر المكان نفسه، مئات من القبور زادت على القبور الستة توزعت بشكل منتظم وقبور أخرى كانت قد جهزت لاستقبال ضحايا جدد. أبو عبدو جاء لزيارة ثلاثة من أفراد عائلته قضوا في إحدى الغارات الجوية ودفنوا في هذا المكان، يقول: “لم تتحرر معرة النعمان إلا وكان عشرات الشهداء قد دفنوا هنا .. وحتى بعد تحرير المدينة من قوات النظام وتأمين الممرات إلى المقابر لازلنا ندفن ضحايانا في هذه الساحة التي أطلق عليها فيما بعد مقبرة الشهداء“.
إن وقوع هذه المقبرة بالقرب من أحد الشوارع الرئيسية جعلها قبلة معظم سكان معرة النعمان ممن بقوا في منازلهم أو ممن عادوا إليها بعد نزوح دام أشهر طويلة. وكثيرة هي الأوقات التي تجد فيها أعداد من الناس يقفون أمام قبورها، وما أعطاها خصوصية أكبر هو أن كل من دفن في ثراها هم من ضحايا الثورة، لتكون شاهدا على تضحيات الشعب في سبيل حريته.