نواكشوط، موريتانيا، 15, فبراير, 2014 , (آسية عبد الرحمن –أخبار الآن) —
لم تشفع لها سنواتها التي بالكاد تجاوزت العشر بسنتين، ولا إعاقتها الجسدية التي حرمتها القدرة على الفرار من الوحش البشري، فهمي مشلولة الأطراف، ولا حتى إعاقتها الذهنية، فهي خرساء، لا تستيطع الحديث ولا تسمعه، فلم يكن بمقدروها إبلاغ حجتها، ولا التبليغ عن المجرم الذي اغتصبها بوحشية، وهي طفلة لا تعرف عن العالم شيئا، ولم تكن بنتها الجسدية الضعيفة لتوحي لأمها أن تلك البطن التي بدأت تكبر قليلا قد تكون أول ما يدخل هذه الطفلة البرئية والمريضة عالم النساء.تلك بإيجاز قصة الطفلة “خديج بنت سيدي” التي تلفتها يد محسنيين من جمعية “بسمة للعناية بذوي الاحتجاجات الخاصة” وهي تصارع الموت لتجلب إلى هذه العالم روحا معذبة أخرى في مدينة ازويرات بأقصى الشمال الموريتاني.
اغتصاب يضاعف المعاناة
ولأن الطلفة متخلفة ذهنيا فهي لا تستطيع رواية مأساتها، غير أن لقاء خاصا جمع موفدة أخبار الآن إلى نواكشوط آسية عبد الرحمن مع والدتها ورئيس جمعية بسمة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة” نقل إلى العالم أول مرة حقيقة قد يصعب تخيلتها.تقول رئيسة الجمعية أم كلثوم بنت العابد في حديث أمام الطفلة وأمها، أن جمعيتها أبلغت بوضعية الطفلة التي كانت اسرتها تعاني الفقر المدقع فأبوها كان يعاني مرض السرطان، ليفارق الحياة ويترك الطفلة المعاقة وأمها، وكان دور الجمعية تقديم الرعاية للأسرة الفقيرة، إلا أن اتصال في أحد أيام 2012 كان بداية تكشف المأساة.”اتصلت والدتها وهي تستغيت وتقول إن ابنتها في قسم الولادة.. لم أصدق ذلك، وحين جئت وجدتها قد أنجبت قطعة لحم لا تزن كيلوغراما واحدا، ولكنها طفلة مكتملة الأعضاء وولادتها طبيعة، صعقت من المشهد، ولم أجد ما أقول.. كان مشهدا مفزعا، ففضلا عن كونها طفلة، فهي معاقة ذهنيا وجسديا، ولا تدرك أي شيء عن العالم الذي تعيش” تقول أم كلثوم في حديث لأخبار الآن.
رعب من المولود و الوالد
الألم الذي عانته “خديج” وهي تنجب ابنتها “نفيسة” جعلها تعاني رعبا حقيقيا ومنها، وعلى الرغم من بلوغ الطلفة عامها الثاني، إلا أن أمها ترفض الاقتراب منها، وتعاملها بكل قسوة، ولا تقبل أن تلمس جسدها، وهو ما جعل جدة الطفلة المولودة مرغمة على العناية بطفلتين في وقت واحدة، إحدهما فقدت السند لعجز الأخرى” تقول والدة الطفلة “خديج” وهي تشرح لأخبار الآن المأساة التي تعيشها.العجز البدني والذهني لـ”خديج” هو ما استغله الجاني ليرتكب جريمته من دون أن يكشفه أحد، لكن الأيام قد تكون كفيلة بذلك، فوالدة الضحية تشتبه بشخص كان الوحيد الذي يتردد على العائلة في تلك المدة، كما أن صداقته مع والد الضحية كانت مبررا كافيا لتأمنه على ابنتها المعاقة حين تخرج وتتركها وحيدة في البيت.وتستدل والدة الضحية في الاشتباه بهذا الشخص لأمرين “أولهما أن الطفلة المولودة تشبهه، والثاني أن الطفلة المغتصبة تصاب بحال من الذعر وتبدأ الصراخ وتختبيء خلف أي شيء بمجرد رؤية هذا الشخص” لكنها مازالت ومعها جمعية بسمة للعناية بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة” عاجرة عن ملاحقته قضائيا لأنه لا تملك دليلا يدينه، وإمكانياته المادية المحدودة لا تسمح لها بتحمل التكاليف المادية للإجراءات القانونية المتربتة على بطلان الدعوى لو لم يثبت تورطه في الجريمة.
ضعف الطالب والمطلوب
الطفلة “خديج” تعيش الآن في حي شعبي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، تقطن في بيت مؤلف من غرفة واحدة مع حمام ومطبخ صغيرين وهو على ضئالته أحسن من الكوخ الذي كانت الأسرة تعيش فيه، وقد بني البيت على نفقة أحد المحسنين وفق ما أوضح “الشيخ الخليل ولد المصطفى” المسؤول الإعلامي للجميعة، معتبرا أن عناية جمعيته بحالة “خديج” تدخل في إطار نشاط الجمعية الذي يركز على توفير الصحة والتعليم والترفيه للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.خديج ضحية أخرى من ضحايا غياب الأمن وضعف العدالة في موريتانيا، والوحش البشري الذي اغتصها يعيش حرا طليقا بعد أن منعته إعاقتها من التعرف إليه، وحمته العادات الاجتماعية والخوف من الفضحية.ووحدها خديج تتجرع كل ليلة مرارة القهر واليأس، وربما تحدث العالم بصمتها عن مأساة ما كانت ليكون كلامها لو وجد قادرا على وصفها.