دبي، الإمارات العربية المتحدة، 26 يناير 2014،( آسية عبد الرحمن، أخبار الآن) –

هل أكتب حزنا أم أكتب قهرا، أم أكتب استجداء، هل يطعم الحرف طفلا يبيت الطوى ليال متواليات ما وجد حتى ماء يغلى في قدر لإيهام نفسه، وهل مازال الماء يوهم الأطفال؟
آكل  ورقا، سامحوني .. ليس ورق عنب ولا ورق سلطة على مائدة يرمى نصفها في الزبالة من موائدكم، أنا أكل ورق الكرتون، الكرتون الذي حوى ذات يوم طعاما، أو زيتا، وحين لم يعد فيه ما يسكت جوع أخواتي السبع وأمي العجوز، استحييت أن أعود به خاويا، فأكلته، لا تسخروا مني، فوالله لو وجدت غيره ما أكلته لكن أن آكل ورقا كرتونيا خير لي من الموت قهرا، وأنا أنظر عيون النساء الشاخصات إلي آئبا إليهم مساء، خالي الوفاض.
نجوت من الموت خلال ثلاثة أعوام، حين أشعل أطفال بمثل عمري الثورة قبل ثلاث سنوات كان عمري سبعة أعوام، أنا الآن أودع عقدي الأول، ولا توحي المؤشرات أني سأقطع خطوات معدودة في العقد الثاني.
لم أمت في قصف بلدتي بالصورايخ، ونجوت من البراميل المتفجرة، ومن الرصاص الطائش، ومن المداهمات، واستبقاني قدري لأطل عليكم هنا، عارضا عليكم أن تشاركوني مائدتي، لدي كيس كامل من الورق المقوى، قد يكفي لنا جميعا، تفضلوا، جمعوا ريقكم فالورق يحتاج ريقا فائضا، فالماء معدوم.
أنا لا أخجل مما أقوم به، أن آكل ورقا وأحدق فيكم، خير من أن أموت جوعا، أو أموت متخما مثلكم.
هل تعرفون لماذا لا أخجل؟
لأن الحشيش الذي كنت أتشاركه مع الدواب، لم أعد قادرا على شرائه، رزمته الواحدة باتت أكثر من دخلي الشهري، والبقرات العجاف التي كنت أطعمها قضت في القصف، لا أعرف لم تطالب منظمات الرفق بالحيوان بمحاسبة من يقتل البقر بالقصف، ولا ينظر البشر إلي.
أيها العالم أنا لا أخجل من أكل الورق، فلم أشارك في دخول موسوعة غينس للأرقام القياسية بأكبر صحن تبولة أو أكبر صحن كبسة، لم أرم فائض مخزوني من القمح في البحر مخافة أن تنخفض أسعاره في السوق، أنا حتى لم أر الخبر منذ أشهر، كنت أرى صورته في التلفزيون فأمني به نفسي، ونحن بلا كهرباء منذ ستة أشهر.. هل ما زال الخبر موجودا؟
أنا لا أخجل من أكلي الورق، فليس لدي حساب بنكي مضاعف الفوائد، لا أسكن في فندق خمس نجوم وأتحدث عن حق الجوعى، أنا أعيش هنا نهارا على هذا الرصيف، وفي المساء أعود إلى بقايا بيت تهدمت ثلاثة أرباعه.
أنا أيها العالم لم أمت في القصف الكيميائي، ربما لو مت حينها أو أصبت ما كانت لتتاح لي فرصة لأحرجكم بهدا المشهد، ولكنت حظيت بدفن لائق، والتقطت صوري لتستخدم دليلا في محكمة المجرمين المنتظرة. ولكن لم أمت.
حتى أصدقائي الذين تأففوا عن أكل الورق، وتقرحت أفواههم من أكل الحشيش، ثم ماتوا، لم تلتقط صورهم، لم تطالب القوى الكبرى بتوثيق موتهم، لأنهم ماتوا بسلاح غير كيميائي، السلاح الذي قتلهم لم يكن في يد شخص آخر، إذا فلن يحاسب أحد على موتهم.
لا تخجلوا… تفضلوا الشارع يسعنا جميعا، ووجبة الورق الواحدة تكفي الاثنين.. تفضلوا شاركوني وجبتي..ربما تكون فيها فيتامين الكرامة.