دبي، الامارات العربية ،8 يناير،2014، آسية عبد الرحمن، أخبار الآن –
المتابع للتطورات المتلاحقة في كل من سوريا والعراق، سيتبادر إلى ذهنه سؤال محوري عن التناسق الزمني والمكاني في نشاط ما بات يعرف بدولة العراق والشام أو “داعش” كما اختصرها من اكتووا بنارها في البلدين.
ولأن الاسم حديث الظهور مثل من يطلق عليهم، سيدور في ذهن القارئ سؤال محوري آخر عن سر التركيز الإعلامي على هذا التنظيم المتطرف في هذا الوقت بالذات بعد ثلاث سنوات من الثورة السورية، وقبل ثلاث أشهر من انتخابات العراق، وبعد أربعة أشهر من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ونجاته بأعجوبة من ضربة آميركية كان العالم ينتظرها بين الحين والآخر.
المصالح وصناعة الأعداء
وهناك سؤال آخر يطرح أيضا في هذا السياق، وهو من له المصلحة في انتشار تنظيم متطرف مرتبط بأكثر التنظيمات في العالم ملاحقة، لا بل وتوسعه بشكل لافت لدرجة تجعله يطلق على نفسه اسم الدولة ويتصرف على أساس ذلك.
وللإجابة على ذلك السؤال يمكن إبراز نقطتين هامتين:
الأولى هي ظروف النشأة التي اكتنفت ظهور التنظيم في سوريا والعراق، والمعروف أن قادة التنظيم في سوريا أفرج عنهم جميعا النظام السوري من سجونه، بعدما اعتقلهم حين انتهت مهمته منهم أيام كان يشرف على توصيل المقاتلين إلى العراق في ظل الوجود الأميريكي، ولا يخفى الهدف من ذلك، فنظام الأسد دأب منذ اندلاع الثورة التي بدأت سلمية ضده حتى قبل أن تتحول إلى ثورة مسلحة إلى اتهام المتظاهرين بأنهم إرهابيون، ولم يكن ليفوت الفرصة على نفسه حين تحولت الثورة إلى السلاح لينشر عناصر داعش في الأماكن التي خرجت عن سيطرته.
وعلاقة النظام بتنظيم داعش لم تعدد مما يمكن انكاره، ولا أدل على ذلك من أن التنظيم لم يصب منه فرد يوما في جبهة قتال، يقوم عمله على تولي إدارة المناطق المحررة في الوقت الذي ينشغل فيه الثوار بتوسيع سيطرتهم على أماكن أخرى.
والمتابع لبيانات وتصريحات الائتلاف الوطني السوري الذي يمثل الواجهة الشرعية للثورة سيجد الكثير من الأدلة بالأسماء والصور على ذلك.
كما أن فورة نشاط التنظيم بالعراق كانت حين أطلق سراح المئات في حادث وصف بالفرار من سجني أبو غريب والتاجي لتكشف قبل أيام تصريحات لوزير العدل في حكومة المالكي أن ذلك الهروب كان مخططا سلفا من جهات ترغب في تخفيف الضغط على النظام السوري الذي كان مختنقا بعد الردود الدولية القاسية إثر جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطتين.
ولأن التنظيم لا يسعى للتخفيف من معاناة الناس ولم يأت للمشاركة في القتال في ضد نظام الأسد فقد استطاع بتصرفاته المتطرفة أن يصنع أعداء، إن لم يكن بيئة معادية له بالكامل، فالإيديولوجيا المتطرفة التي يروج لها التنظيم وحدها كانت كافية لتنفير الناس منه، وقد زاد على ذلك بارتكاب جرائم قتل الأطفال واختطاف المدنيين العزل، وفرض رويته المتطرفة على حياة النساء.
ليضيف إليها في الآونة الأخيرة رفع السلاح في وجه من يفترض أنهم رفاق الدرب والهدف.
والظاهر أن هدفين مرحلين أنيطا بهذا التنظيم المتطرف كاد أن ينجح فيهما:
الأول تقديم صورة عنيفة عن الثوار لسكان المدن التي خرجت من تحت سيطرة النظام حتى يتمنوا أن يعود النظام إليهم، وهو ما يدل عليه خروج المظاهرات المناوئة للتنظيم في كل المدن التي سيطر عليها، ومواجهته لتلك المظاهرات بالطريقة ذاته التي يواجه بها النظام معارضيه.
أما الثاني فيتمثل في فتح جبهة قتال أخرى للثوار تشغلهم عن هدفهم الحقيقي المتمثل في اسقاط النظام، والدليل على ذلك مواجهات حلب الأخيرة، وريف إدلب.
حلم تحقيق الاسم
يحلم قادة التنظيم المتطرف بإقامة دولة للقاعدة في مكان استراتيجي بعد خسارة التنظيم الأم لأهم ثلاث مناطق كان يحلم بإقامة دولة فيها، وتلك المناطق هي أفعانستان التي خسرها بفعل الحرب العالمية عليه، وشمال إفريقيا بين مالي وموريتانيا والجزائر، والتي خسرها بفعل التدخل الفرنسي، وكذلك محاولته إيجاد موطئ قدم في اليمن، ولكن الحزم اليمني والسعودي وطائرت البنتاغون ضيعت عليه تلك الفرصة.
ولأن هذا التنظيم ينتظر دائما فرصته بعد انتهاء المعارك، فقد رأى أن دولة بين العراق وسوريا ستكون مناسبة، وقد اعتمد في ذلك محاولة تأجيج الصراع الطائفي حتى يقدم نفسه في بذلة المنقذ، ولا أدل على ذلك من تركيزه على أربع محافظات اثنين في العراق وهما الأنبار ونينوى واثنين في سوريا وهما الرقة والحكسة، ويحاول جهده للتوسع في دير الزور وحلب، بذلك يكون له حيز جغرافي متصل يمكنه من توفير معسكرات تدريب في غفلة من العالم.
غير أن نشاط العشائر العراقية التي اكتوت لسنوات بجمر هذا التنظيم كان لذلك الحلم بالمرصاد، كما أن وعي الثوار السوريين بحقيقة المعركة التي يخوضونها وقدرتهم على تحديد الأوليات سيكون كفيلا بوأد حلم دولة للعراق والشام تحت ظل القاعدة، وإن الخوف يبقى دائما قائما من فوضى تبقى آثارها لسنوات، فحيث ما حلت القاعدة كانت هناك قاعدة للخراب.