دبي، 27 ديسمبر، 2013 ، آسية عبد الرحمن ، أخبار الآن –
جئن وهن يحملن في قلوبهن حسرة على بيوت هدمت وأطفال يتمت ونساء رملت، وأحلام وئدت، وبقايا أمل في أن يكون ذلك البلد الصحراوي الوادع ملجأ لهن.
فور وصولك مطار نواكشوط الدولي، تستقبلك طفلة كالحة الوجه، بائسة الملامح، تتعلثم وهي تحدثك عن مأساة أسرتها، وعن ليل الشتاء الطويل.. ذلك الليل الذي كان قبل ثلاثة أعوام يمر من غير أن تشعر به، على الرغم من وصول درجة الحرارة فيه إلى ما تحت الصفر.
كانت في الشتاء قبل ثلاثة أعوام، تلاعب أترابها بكرات الثلج يصنعن منه رجلا قصيرا على قدر قامتهن، يلبسنه في عنقه ذلك الوشاح الأحمر، يتسابقن لتفقد حاله في اليوم الموالي، يعدن ترميم ما أفقدته الليلة السابقة، ويحلمن بأن يستمر الشتاء ثلاثة أعوام.
لكنها اليوم في نواكشوط، أكره ما تكره أن يأتي عليها الشتاء.. لا ثلج في نواكشوط،.. ولا رجلا يسدي معروفا كانت وصديقاتها قدمنه قبل ثلاثة أعوام لرجل ثلج قصير..
في ملامح الطفلة التي تصطك أسنانها من برد الصحراء اللافح، تقرأ حسرة كبيرة على ذلك الوشاح الأحمر الذي كانت تلبسه لرجل الثلج.. ترى في عينيها أمنية بسيطة أن يكون ذلك الوشاح معها الآن.. لتلفه على عنقها الرقيق الشاحب.. لكن هيهات .. فالوشاح – كما رجل الثلج – التهمته نيران الحرب.
تتجاوز مطار نواكشوط ببضعة كيلومترات لتجد عند أول تقاطع طرق وجها سوريا آخر، لكنه لا يحلم هذه المرة، طفل في شهره الثاني، تلفه سيدة ثلاثينية بطرف ثوبها، تتسول بعينيه البراقتين شطيرة خبر، وكأس حليب.. تراودك كل الشكوك، لا تصدق للوهلة الأولى، أنك أمام طفل سوري، لكن لكنة شامية لا تقبل التأويل تقطع شكك.. وحين تتوقف لتسمع ما تقول تصدم .. “أنا أم لثلاثة أطفال.. قتل أبوهم في الحرب.. وصلت هنا بصعوبة.. وتنسدل من عينها عبرة.. “
تتساءل وأين بقية أطفالك..؟
لكن قبل أن تكفكف السيدة الثلاثينية دمتعتها لتجيب.. يلتف حولك طفلان كانا يسابقين أقرانهم من أطفال الشوراع إلى أيادي المحسنين في إشارة المرور الموالية..
جاءت النساء السوريات إلى موريتانيا بحثا عن الأمان، لكنهن أخطأن الطريق.. والأخبار المتداولة في المواقع الإخبارية الموريتانية تكشف مرارة أن تأتي امرة إلى هنا بحثا عن الأمان.
“اختطاف لاجئة سورية في شارع المقاومة”.. آآآخ.. ألم يجد ذلك الوحش البشري شارعا آخر.. ألم يجد ذلك الموقع الألكتروني الذي أورد الخبر اسما آخر للشارع.. لماذا يصر الوحش البشري أن يقتل تلك السيدة عشر مرات قبل موتها، ألا يكفيها أنها نجت من الموت في “أرض المقاومة”؟. وتسللت خفية بين وحوش “نظام المقاومة”؟ .. ألهذا الحد تكره “المقاومة” النساء السوريات..؟ تلاحقهن حتى في شوارع نواكشوط.. نواكشوط التي يقول النظام الذي يحكمها أنه يقف مع “المقاومة”.
عنوان آخر.. “الحكومة الموريتانية تفتتح مخيما للاجئين السورييين” وتفاصيله أن خمسين خيمة مجهزة بالأثاث اللازم، داخل سور مشدد الحراسة تخصصها الحكومة لخمسين عائلة سورية في العاصمة..
هل جاءت تلك العائلات إلى أقصى بقعة في الوطن العربي بحثا عن مخيم.. ألم يكن مخيم الزعتري والبقاع أقرب إليهن، ألم يكن في اللجوء إلى الأردن ولبنان والعراق ومصر ملاذ لهن لو كن يبحثن عن مخيم..
وفي عنوان آخر” شباب موريتانيون يتزوجون سوريات مقابل مائة دولار”.. يا عيب الشوم.. كما يقال في أرض الشام.. يا عيب .. إنهن أيها الذكور.. – نعم أنتم ذكور ولستم رجالا – إنهن ما جئن إلى هنا إلا فرار من فتاوى الاستعباد، ما جئن إلى هنا إلا خوفا على أعراضهن من وحوش الذكور.. ما قطعن خمسة آلاف كلومتر إلا للنجاة من زواج المتعة وجهاد النكاح.. لكن النزعة الشهوانية الذكورية لا تعترف بحدود سايكسبيكو ..
حتى من بني جلدتهن لم تجد اللاجئات السوريات في موريتانيا يدا رحيمة، فهولاء السوريون الذين يملكون كبرى الشركات وأشهر المطاعم هنا، لا يريدون من ينازعهم مكانتهم… ترمي مطاعمهم مئات الأطنان سنويا من بقايا الطعام كل يوم، ولكنهم يرفضون أن يطعموا الأطفال السوريين.. بل ليتهم امتنعوا عن إطعامهم وسكتوا.. ففي حوار مع إحدى القنوات الموريتانية يصر أحدهم أن هؤلاء ليسوا سوريين، ويناشد الموريتانيين التوقف عن مد يد العون لهم، مؤكدا أنهم من الغجر الذين يمتهنون التسول.
لتجد النساء السوريات اللاجئات إلى موريتانيا أرض المليون شاعر أن البيت الوحيد الذي سيحصلن عليه هنا هو بيت قديم من الشعر يقول:
المستجير بعمرو عن مكربته.. كالمستجير من الرمضاء بالنار.