أن تمرض الآن في سوريا يعني أنك تدخل في متاهة لا تنتهي، لاسيما مع تحوّل الكثير من عيادات الأطباء في دمشق إلى سوق تجارية أكثر منها أماكن للعلاج.
الطبيب .. الحكيم
ارتبط اسم الطبيب دائماً بقيمة اجتماعية كبيرة لدى الناس في سورية، فهو صاحب العلم والأخلاق والدليل الشافي من الأمراض. ولهذا فقد درجت تسميته بـ(الحكيم). وإلى فترة ليست بالبعيدة تغيرت تلك الصورة بسبب وجود عدد كبير من الأطباء غير الأكفاء الذين يتلقون تدريباتهم في مستشفيات الدولة الذائعة الصيت بإهمالها والتجاوزات التي وصلت حد التندر بها من قبل الأهالي. فتخرّج منها جزء كبير من الأطباء غير المسؤولين الذين ينقصهم الدافع الإنساني والوازع الأخلاقي لمهنة الطب العظيمة.
عيادات .. مستشفيات
لم تخرج المستشفيات الحكومية عن أداءها المتدني في تقديم الخدمات الصحية المختلفة، لكن الأمر الأغرب هو تحوّل عدد من عيادات الأطباء لما يشبه المستشفى المصغّر، ليجد المريض كل متطلباته لكن بأسعار وتكاليف باهظة الثمن لا يقدر عليها المواطنون ذوو الدخل المنخفض والمتوسط بشكل عام.
يقول(أبو سمير) وهو موظف حكومي: “أن تمرض يعني الله يكون في عونك، مصاريف وتكاليف والنتيجة غير مضمونة .. لا طبيب ولا أي شخص عم يرحم الناس”.
مراجعة الطبيب .. الأمراض المستعصية
يعيش المواطن السوري، عموما، في وضع اقتصادي ومعيشي منخفض جدا، فغلاء أسعار المواد الأولية وتأمين القوت اليومي للأسرة يجعل مراجعة الطبيب من الأمور المترفة. لكن حال المستشفيات الحكومية وعم قدرتها على تلبية الاحتياجات الصحية، يدفع المريض إلى مراجعة الأطباء لاسيما في حالة الأمراض الصعبة غير المحتمل السكوت عنها. فقد ارتفعت معاينة الطبيب إلى (1500) ل.س كحد متوسط تقل وترتفع حسب مكان العيادة وتقدير الطبيب وأخلاقيات التعامل مع المرضى في الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه البلاد، هذا غير ثمن الدواء الذي ارفع بشكل كبير تجاوز الثلاثة أضعاف وأكثر.
يقول طبيب الأمراض الداخلية “م.ج”: “أجرة معاينتي للمريض لا تتجاوز 700 ل.س وفي حال المراجعة لا آخذ أية نقود .. بدنا نراعي أوضاع الناس”.
لكن حال الغالبية الكبرى من الأطباء ليس كذلك، فهم يرون أن هنالك عيادات حكومية شبه مجانية وليس على المريض اللجوء إلى العيادات الخاصة ما دام وضعه المادي غير مناسب للعلاج الخاص.
الطبيب .. البديل
بسبب الظروف الصعبة التي يعانيها المواطن فإنه يلجأ بشكل عام إلى الصيدلاني القادر على توصيف بعض الأمراض والدواء المناسب لها، دون أن يكون العلاج ناجعاً في كثير من الأحيان. ورغم الحاجة إلى مراكز طبية متنوعة يبقى الطبيب الخاص أكثر كفاءة في عيادته مما يكون عليه في المشفى الحكومي أو العيادات المختلفة، وهو بذلك يسهم في تدني مستوى الخدمات العامة لحسابه الخاص، متناسيا ما ينصّ عليه قسم الطبيب في تغليب الجانب الأخلاقي في علاقته مع المريض على حساب الجانب المادي.