اشتهرت المائدة السوريّة بسخائها وتنوّع أطباقها، ولكن في ظل كل ما مرّ على سوريا من تغيّرات، كان لا بدّ أن تتأثر تلك المائدة. ففي ظلّ غلاء الأسعار والحصار الخانق تحوّلت المائدة السورية إلى طبق متواضع مهمته سدّ الرمق لا أكثر، وكان على السوريين التكيّف مع الوضع الجديد باستخدام حيلٍ مطبخية، يوهمون بها أنفسهم وأطفالهم بأنّ شيئاً لم يتغيّر، كأن يستبدلوا طبخة مكلفة بأخرى أقلّ تكلفة، تشبهها قليلاً بالمذاق وتختلفُ عنها كثيراً بالقيمة الغذائية.
إحدى هذه الوصفات البديلة على سبيل المثال (الفرّوج الطائر) .. وهي بديل عن (الفروج المشوي مع البطاطا في الفرن)، وطبق الفروج الطّائر عبارة عن بطاطا مقشرة ومقطّعة وبصل وملح وقليل من الزيت والليمون والثوم وبعض البهارات التي توحي بوجود الفرّوج كالكاري مثلاً .. في هذا الطّبق يختفي الفرّوج، إلّا أن المذاق شبيه بالطبق الرئيس، حيث أصبح كيلو الدجاج بـ (500) ليرة سوريّة، ولم يعد من الممكن إطعام عائلة مكوّنة من عشرة أفراد أو أكثر وجبة من الدجاج.
طبقٌ آخر سريع بديل عن (البروستد) أي الدجاج المقلي .. وهو طبق (بروستد البطاطا) .. تقوم سيّدة المنزل بتقشير البطاطا وخلطها مع الملح والدقيق والكاري وقليها بزيت ساخن جداً .. لتكتسب البطاطا القشرة الذهبية المطلوبة، للإيحاء بطعم البروستد.
وفي ظلّ غلاء (الطحينة) بات من الصعب تناول الحمّص بالطحينة المدلّلة بزيت الزيتون، وهنا تقوم سيّدة المنزل باستبدال الطحينة بالزيت .. فتخلط الحمّص مع قليل من الزيت والملح والكمّون، حيث يساعد الزيت في اكسابها القوام الكريمي المطلوب.
تقول إحدى سيّدات المنزل .. وتدعى أم أحمد: “فرحة أولادي لا تقدّر بثمن حين أخبرهم أني حضّرتُ لهم البروستد مع الحمّص بطحينة لهذا اليوم .. متحايلةً عليهم و على نفسي بالمكوّنات: وتضيف: “يعلمُ أطفالي جيداً أن الطعام مغشوش، إلّا أنّ المذاق يروق لهم تماماً”.
أمّا الحلوى الشرقيّة والغربيّة التي تكاد تختفي من الموائد السوريّة بسبب أسعارها الخيالية، والتي ارتفعت مع ارتفاع أسعار المكوّنات الأساسية كالبيض والفستق الحلبي والدقيق والسّكر والحليب، فقد وجد السوريون بعض الأطباق البديلة أيضاً.
طبق (يا مال الشّام) المكوّن من الخبز المقلي المرشوش بقليل من السّكر والقرفة الناعمة .. وطبق (كعك الجزر) المكوّن من الجزر المطبوخ مع السكر على طريقة (المربّى) والمرصوص في وعاء مع رشة كبيرة من جوز الهند.
يقول أبو أحمد: “لن يكون يوماً مذاق (يا مال الشام) كمذاق البقلاوة .. إلا أنها بديل لا بأس به (لتحلاية الفم)، خاصّةً بعد طبق البروستد ذاك .. و يضحك.
ويبقى كل ما ذكرتُ من بدائل محصوراً بالطّبقة الوسطى فقط، وهي الطبقة التي لا تزال تنعم ببعض مؤشرات الحياة .. أمّا المحاصرون في المدن المنكوبة فيحلمون بالخبز وقد لا يجدونه.