تل أبيض، الرقة، سوريا، 12 ديسمبر، (رمال نوفل، أخبار الآن)

‎أثناء جولتي في مدينة تل أبيض وصلني في وقت متأخر عن وجود طفل رضيع من ذوي الإحتياجات الخاصة في إحدى مدارس النازحين بحاجة إلى حليب وحفاضات وهي غير متوفرة في المنطقة بسبب الغلاء ونقص السلع.  

حاولنا تأمينها من بعض الأصدقاء وسارعت إلى هناك حاملة إحتياجات الطفل الصغير ولدى دخولي المدرسة انقطع التيار الكهربائي عن المدينة بأكملها بسبب ضعف خطوط الكهرباء واشتداد الضغط عليها، ساد الظلام للحظات ثم بدأت تتعالى أصوات سكان المدرسة لإشعال الشواحن الكهربائية أو الشموع أو حتى ثمار البطاطا التي يتم قطعها إلى نصفين وإشعال فتائل المحارم (المناديل الورقية) بها لمن لا يمتلك القدرة المالية على شراء الشموع أو الشواحن الكهربائية. 

أُضيئت بعض زوايا المدرسة وبدأ النازحون بالاقتراب من بعضهم البعض يضيؤون ظلامهم بشموعهم ويدفؤون بتآلفهم برد الليل القارس.

أثناء دخولي إلى بهو المدرسة وجدت إحدى المجموعات تضم جميع الأعمار يوقدون النار في علبة من التنك يجتمعون حولها يضعون إبريق الشاي فوقها ويترقبون غليانه. 

مررت بهم وألقيت التحية عليهم وعلى الرغم من تعالي ضحكاتهم إلا أن عيونهم تبرق أمام هذه النار بالحزن، ناولت الحفاضات والحليب لوالدة الطفل المحتاج وهممت بالخروج وعند مروري من أمامهم قام بعضهم بدعوتي إلى الجلوس معهم واحتساء كوب من الشاي يُسكن بردي على أمل أن تأتي الكهرباء فلا أضطر للخروج في ذلك العتم بمفردي. 

قبلت دعوتهم بكل سرور راغبة في سماع قصصهم جلست واستمعت لأحاديثهم منها ما يبكي ومنها ما يضحك ومنها ما يحتار الإنسان أمامه فتختلط المشاعر، كانوا مؤمنين بأن الأمل باق يضيئ درب الحرية التي عانوا ما عانوه من أجلها كما تضيئ هذه النار ظلام الليل.

‎على الرغم من كل مآسيهم ابتداءً بالمجازر التي رأوها وقصف منازلهم وإنتهاءً بخروجهم من ديارهم وتشردهم في وطنهم إلا أنهم ما زالوا ماضين في درب الثورة ينتظرون النصر. مضت ساعة ونصف على ما أذكر دون أن أشعر بوقتها اضطررت من بعدها للعودة إلى المنزل بسبب تأخر الوقت. 

لدى عودتي جلست أشاهد الصور التذكارية التي التقطتها لهم وأثناء تمريري لبعضها لفتت انتباهي عبارة كانت مكتوبة على الجدار الذي يستندون إليه “المدرسة بيتك الثاني فحافظ على نظافتها”، تلك العبارة التي كنت وفي صغري أستهزء بها أنا وصديقاتي عند ترديدها بصوت خافت وساخر “المدرسة بيتك الثاني”، جاء الوقت الذي أضحت فيه تلك العبارة واقعا نعيشه بل وأكثر من ذلك حيث لم تعد المدارس بيتهم الثاني وحسب إنما بيتهم الوحيد في وطن حتى أن بعضهم لم تعد تتوفر لهم أماكن في المدارس بسبب حركة النزوح الكبيرة من بعض المدن .. يا له من نظام جعل من منازلنا دمارا وحوّل مدارسنا ديارا.