الرقة، سوريا، 8 ديسمبر، (ورد العلي، أخبار الآن)

جميعُ إخوتي مجتمعون في المنزل لإستقبالي من السفر تلك هي العادات في العائلة، إخوتي وأطفالهم والجميع مما تبقّى من أهلي في الرقة، لا وجود للكهرباء في المنزل وعلى الرغم من ذلك تمعّنتُ في كل الوجوه، اشتقتُ لهم كنت وفي أيام سفري القليلة أخاف من فقدان أحدهم وعدم رؤيتي لهم عند عودتي .. بفضل الله كان الجميعُ بخير.

السكود الأول..

جلستُ محاولة معرفة كل الأخبار عن أوضاع المدينة بعد ساعتين جهّزتُ نفسي للذهاب مع أختي وعند خروجنا من الباب لصعود السيارة لمعت السماء بلون أحمر ولفحنا هواء اعتقدنا أنه (عجاج) وسمعنا صوت صفير أغمضنا أعيننا وشددنا أيدينا على ما نحمل وأخذنا نردد يا الله، يارب الطف بنا لم نكن نعلم ما هذا. بدأ الأطفال بالبكاء فالمشهد أرعب الكبار والصغار هي لحظات وسمعنا صوت الإنفجار علمنا بعدها أنّهُ صاروخ أرض أرض حمدنا الله أننا مازلنا على قيد الحياة لكنّي وللآن أشعُرُ بتأنيب الضمير على ذلك ألومُ نفسي لأنني بخير وأحمد الله مع أن الصاروخ انفجر في مكانٍ آخر.

بدأنا نسأل عن مكان الإنفجار وما إذا كان هناك أي ضحايا والحمد لله لم تكن هناك أي إصابات، لم نستطع النوم في تلك الليلة فسقوط هذا الصاروخ قد يكون بداية لسقوط ما تيسّر من سكودات النظام على هذه المدينة الصغيرة وقد نكون مهددين في أيّ لحظة بالموت.  مرّ النهار مسرعا وأتى المساء، انتظرنا الساعة السابعة ولم يأتينا شيء اطمأنينا قليلا لكننا لم نعلم أنّ الموعد في هذا اليوم قد تغيّر.

السكود الثاني !!

أثناء جلوسنا في المنزل كلٌ في زاويةٍ يعمل، سمعنا ذلك الصوت مرّة أُخرى وفُتِحَت أبوابُ المنزل ولفحَنا ذلك الهواء، هوَ السكود ولكن متأخّرا عن الموعد، رميتُ من يدي اللابتوب وحاولتُ الوصول إلى ابراهيم ابنُ أُختي لكنّ والدتهُ كانت قد اختضنتهُ وركضت بهِ باتجاه الحمّام، نعم تلك النقطة التي اتفقنا الإحتماء فيها عند حدوث قصف مع غياب الملاجئ، لم يحالفنا الحظ للوصول قبلَ الإنفجار، سمعنا صوت الإنفجار وقُطِعَت الكهرباء ومع ذلك تابعنا طريقنا لنختبئ إبراهيم يحتضن امه غدير بقوّة ويقول بصوت خافت … طاخ .. ماما طاخ، حاولنا تهدئته قليلا وبعد دقيقتين خرجنا، وفي هذه المرّه أخطأنا الموت أيضا لكنّ الإنفجار كان قريبا هذه المرّه.
 

هل أهلي بخير؟!

الرقة سكودأشعلنا مولّده الكهرباء، أغلقنا الأبواب وأسرعنا إلى أجهزتنا لنعلم مكان سقوط الصاروخ، كثير من شباب المدينة اضطروا للخروج منها مجبرين بسبب سوء الأوضاع الأمنيّة فيها ولذلك وبمجرّد الإتصال بالإنترنت بدأت الرسائل تأتيني على الخاص وبدأت الأرقام تتزاحم على الشاشة الصغيرة رمال اتصلي .. رمال ردي .. رمال طمنينا .. رمال .. رمال، استرقتُ لحظات لأعلم مكان سقوط الصاروخ وكانت الصدمة فقد أصاب الرامي الهدف هذه المرّه وسقط الصاروخ وسط المدينة في منطقة سكنيّة وسوق، بدأتُ بالإتّصال، الرقم الأوّل لا أحد يجيب، أُلحُّ بالإتصال ولكن ما من مجيب حسام (لا أحد يرد على هذا الرقم) فيبدأ بالبحث عن رقمٍ آخر أُحاول استغلال الوقت للإتّصال بالأرقام الأُخرى.

يرنُ جرس الهاتف ويجيب والد أحمد "كيفك عمّو طمّني أحمد بالو مشغول"، فيجيب "طمنيه يا بنتي الكل بخير والبيت ما صرلوا شي"، الرقم الثاني ترد علي والدة عبيدة، "خالة طمنيني عبيدة بدّو يطّمن عليكن" تبدأ بالبكاء وتقول: "ما متنا بس البيت بلّورو نزل والبواب تخلّعت قوليلو يجي الله يرضا عليكي يا بنتي، اليوم فككو سيّاره مفخخة قدام البيت الموت جايينا من الأرض ومن السما"، لم أعلم ما أفعل في موقفٍ كهذا، حاولتث تهدأتها وطلبتُ منها أن تحمد الله على سلامتهم وأبلغتها أني سأخبر ابنها ما طلبت، أغلقتُ السماعة واتصلت بالرقم الأول، صوتُ فتاةٍ في مقتبل العمر يمتزج بأصوات سيارات الإسعاف وضجيجٍ عال: "طمنيني أهلكن مشغول بالهن عليكن" أجابت: "البيوت الي حوالينا كلها نزلت وعم يطالعوا ناس ما بعرف عايشة ولا ميتة، نحن بخير بس في كتير ناس مو بخير"، وأغلقت السماعة أخبرتُ جميع الأصدقاء بكلام أهاليهم وبدأت أبحثُ عن أخبار المجزرة.

بدأت بعض الصور والفيديوهات بالوصول إلى المراكز الإعلاميّة، لم أصدّق ما أشاهد ففي الصباح كنتُ في هذا الشارع أطمئنُ على بعضِ الأصدقاءِ هناك، الآن تغيّرت ملامحه تمامًا لم يعد ذلك الشارع الذي لطالما مشيت به في وقفات العيد للتسوّق، لم يعد الشارع الذي خرجنا منه أجمل المظاهرات لم يعد الشارع الذي شيّعنا من مسجده كثيرًا من الشهداء، لم أستوعب ما يحصل ومع ذلك استمرّيت في قراءة الأخبار، المشافي تطلب متبرّعين بالدم، مكان القصف مُظلم تمامًا بسبب انقطاع الكهرباء وكثير من الأهالي يبحثون عن أحبّائهم على أضواء الشواحن الكهربائي، أصوات التكبيرات في كل الشارع، صراخ، بكاء، أصواتٌ وأصوات أغلقت جهاز الكمبيوتر في وقت متأخّر محاولة النوم لأرتاح قليلا، فقد عزمتُ في الصباح الذهاب إلى مكان سقوط الصاروخ للإطمئنان على بعض الأصدقاء، نمت ولكن من المؤكّد أنّه لم يكن نوما هانئا.
 

الرقة .. لم أعد اعرف شوارعها !!

استيقظتُ في الثامنة صباحًا تفقّدتُ الأخبار قبل الخروج ثمّ توجّهت إلى الشارع كنت خائفة من صدمتي الأولى، فما رأيته ليلا أخفى الظلام كثيرا من خرابه أمّا الآن فالشمس تمسح على كل حجر، وصلت لأول الشارع توقف صاحب سيارة الأجرة وأشار إلى أنه لا يستطيع التقدم بسبب قطع الطريق بالآليات نزلت وبدأت المشي، بدأت آثار الدمار تظهر، كلما اقتربت خطوة زاد الدمار أكثر "يا إلهي أيعقل أن يكون هذا هو نفس المكان الذي كنت فيه قبل أقل من 20 ساعة"، لم أصدق ما شاهدته عيناي، لم أستطع استيعاب المشهد في مكان سقوط الصاروخ ما لا يقل عن 400 مدني، منهم من جاء للمساعدة، ومنهم من جاء ليشاهد الدمار، والكثير الكثير منهم من أصحاب المنازل المتضررة.

قطعتُ طريقي وصعدت إلى صديقاتي لأطمئن عليهن، الجميع بخير باستثناء الابن الأوسط كان قد أُصيب بزجاج المحل، بدأو يتحدّثون عن لحظت سقوط الصاروخ عن حالة الهلع والخوف، تفاصيل صغيرة أرعبتني، الشاب الذي أصيب منهم كان في الشارع وعند انفجار الصاروخ ركض مسرعًا ليسعف مع أهل الحي، لم يكن قد شعر بعد بإصابته عند وصوله المشفى طلب منه أحد أصدقائه أن يقوم أحد الأطباء بإسعافه لكنّه ومن هول المشهد رفض، وأشار إلى ضرورة اسعاف غيره حتى الآن لا أستطيع تصوير هذا المشهد في عقلي، يا إلهي… رحمتك فقط أتت بعض القريبات للإطمئنان على عائلة أصدقائي وكانوا بمجرّد رؤيتهم بخير يبدؤون بالبكاء والشكوى لله والدعاء على من كان السبب، بقيت قليلا من الوقت لديهم واستأذنت أريد الخروج لأشاهد المزيد.

الدمار في كل مكان ..

سكود الرقةوقفت أمام البناء الذي كان قد نزل أمامه الصاروخ لأتفاجئ بأحد الأصدقاء يبتسم في وجهي وهو يلقي التحية ويدعوني لشرب فنجان قهوة مشيرًا إلى منزلهم الذي لم يتبقى منه سوى بعض الحجارة الصامدة، للأمانة ضحكت ساعتها لم أكن أعلم أنه يسكن وعائلته هنا، اطمأنيتُ عليه وعلى عائلته وعرض علي الصعود للبناء لتصوير المشهد من الأعلى، وافقت وبدأنا بالصعود بحذر لأن البناء مهدد بالسقوط بشكل كامل، على الرغم من ذلك كان أصحاب المنزل هناك يحاولون لملمة بعض أغراضهم التي سلمت من الانفجار، وبعض الأطفال يجلسون على عتبات الشقق أو درجات البناء والشبان ينزلون الكثير من الركام.

وصلنا وكانت إطلالة جديدة هذه المرّة، المشهد أشدّ قسوة من الأعلى فكل حجر فارق مكانه قبل ساعات أصبحتُ أستطيع رؤيته، آثار الدماء باتت أكثر وضوحًا لم أمكث كثيرًا هناك، صوّرت قليلا وطلبتُ منه النزول إلى الشارع، قمت بوداع والدته وهممت بالرحيل، مشيت في الحارات المجاورة وآثار الخراب ترافقني عدت إلى المنزل ورويت لأختي ما شاهدت، كنّا نتحدّث عن ما نشاهد ونحن خائفتان فقد اقترب المساء مجدّدًا وبدأت حالة الترقّب للسكود الثالث لكنّ ذلك لم يدعونا للتفكير للخروج من المدينة على الرغم من خروج البعض منها خوفا من استمرار النظام بإرسال المزيد من الصواريخ إليها مرّة جديدة.
 

اليوم التالي .. ترقب السكود من جديد

ونحن جالسون في المنزل وفي الساعة العاشرة إلا ربع يتكرر المشهد من جديد، أبواب تفتح، صوت صفير، هواء قوي، نركض باتجاه الحمّام، ويسمعُ صوت الإنفجار قبل الوصول، نعم إنّه السكود الثالث، ومع وصوله انقطعت الكهرباء أعتقد أننا في هذه المرّة قد اعتدنا هذه الأجواء قليلا، دقائق قليلة، خرجنا أشعلنا المولّدة وأغلقنا الأبواب واتصلنا بالأنترنت لنعرف مكان سقوط الصاروخ في هذه المرّة أيضًا نزل في منطقة سكنيّة وسوق، ولكن والحمد لله لم تكن هنالك أي وفيات، فقط إصابات لبعض المدنيين حمدنا الله واطمأنينا، سهرنا قليلا ثم ذهبنا لنأخذ قسطًا من الراحة قبل أن نبدأ في اليوم التالي ترقّب السكود من جديد.