دمشق، سوريا، 29 نوفمبر، جابر المر، أخبار الآن-

كلما ازداد عدد المناطق المحررة كلما تحولت مؤسسات الدولة فيها إلى مبانٍ ذات مهام أخرى متعددة بعيدا عن متابعة أعمالها الحكومية حيث لا حكومة بقيت في هذه المناطق، ما يجعل العمل المؤسساتي الرسمي ينحصر في مراكز المدن الرئيسة التي ما زالت تحت سيطرة النظام وهي قليلة جدا ولا تتسع للموظفين الذين خسروا أعمالهم ومقارهم ولجؤوا إليها.

الصراف الآلي متعب كما العمل ذاته

يقول درويش وهو موظف في مقسم الهاتف ” حطولنا الصراف ليريحونا عأساس، فتعبونا بزيادة”، يشتكي معظم الموظفين السوريين من الصراف الآلي وهو الوسيلة التي أعلن النظام أنها ستكون أكثر راحة للموظفين من أن ينتظروا المحاسب في مراكزهم ليجلب لهم الرواتب ويوزعها عليهم، لكن واقع الحال يقول أن الصرافات قليلة جدا بالنسبة لحجم موظفي دمشق والموظفين المهجرين إليها، كما أنها سريعة التعطل وفي معظم الأحيان لا يوجد بداخلها نقود، هذا عدا عن الطابور الطويل الذي يجب أن يصطف الموظفون فيه ليحصلوا على راتبهم الشهري، فيشكل ذلك عبئا على الموظف ينسيه طعم راتبه.

مأساة الطرقات

أزمة السير الخانقة التي تحياها دمشق يوميا، وإغلاق بعض المناطق الفجائي دون السماح من قبل الحواجز للموظفين بأن يذهبوا إلى أعمالهم واقع يتناقض مع المراسيم وقوانين العمل المعمول بها سوريا، فغياب بضعة أيام عن الوظيفة قد يؤدي لفقدانها مهما كان طول فترة الخدمة الذي أداها الموظف للدولة، فأيام قد تفصل موظفا قضى نصف عمره بخدمة الدولة عن عمله دون تعويض أو راتب تقاعدي، هذا ما لا يفهمه الحاجز الذي يمنع الموظفين من المرور وقتما يشاء، ولا يفهمه أيضا المدراء والقائمين على أعمال الموظفين.

ممنوع النزوح!!

المسؤول المباشر في الوظيفة لم يصبح مسؤولا بفضل حسن تعليمه أو أقدميته، إنما بات مسؤولا وخاصة في الآونة الأخيرة حسب ولاءاته وشدة تعصبه للنظام، (سمر) موظفة في إحدى المؤسسات المدنية التابعة لوزارة الدفاع في دمشق، خرجت لاجئة إلى دولة من دول الجوار لأن بيتها قصف كما استحالت حياتها في الغوطة الشرقية، ولأن الحكومة تمنعها من السفر حصلت على إجازة دون راتب لكن انتهاء هذه الإجازة القصيرة اضطرها للعودة إلى سوريا وتجديدها لكنها اصطدمت بالمسؤولة عن عملها وهي موالية عرقلت التجديد لعلمها أنه بسبب النزوح، ومنعت سمر من الخروج من البلاد بحجة “ليش شو فيها سوريا؟؟ ما حدى نزع صورتنا قدام العالم غيركن” ولأن زوجها وأولادها انتظروها في لبنان اضطرت لتقديم استقالتها والتنازل عن عشرين عاما من الخدمة وعادت إليهم.

وعلى الرغم من أن بعض المناطق المحررة في دمشق وريفها مازال الموظفون يدخلونها ليتابعوا أعمالهم دون تعطيل من الجيش الحر إلا أن المسؤول المباشر عن “أبو محمد” المهجر من حي باب السباع الحمصي لا يتوانى أبدا عن توجيه الإهانات المبطنة لأبو محمد بصفته حمصي قصفت منطقته فقط، يقول أبو محمد ” أنا ما كنت بدي إرجع إتوظف بدولة يحكمها الأسد مشان هيك قعدت سبع شهور بحمص تارك الوظيفة، بس ولادي راح يموتوا من الجوع وأنا ما بعرف أشتغل شغلة تانية ((انا خريج جامعة مو إبن مصلحة))”.

لم يعد الموظف السوري يشعر بلذة راتبه، ولم يعد الراتب يعوضه عن تعب الوظيفة وقد أضيف إليها أعباء لا طاقة لبشري على حملها دون أن يشتكي، في الوقت ذاته تبقى الوظيفة الضمان الوحيد في سوريا اليوم لتأمين لقمة العيش بعد أن دمرت معظم الأعمال الأخرى.