الغوطة الشرقية، ريف دمشق، سوريا، (محمّد صلاح الدين، أخبار الآن)
اعتدت دوماً أن يساعدني الأصدقاء لأحصل على الماء الذي تفتقده معظم شبكات المياه التي تعرضت مضخاتها للقصف الذي عطّلها منذ قرابة عام. لم أكن أعاني من صعوبة الحصول على الماء حتى حملتُ إحدى جالونات الماء الذي نفد من منزلي مستقلاً دراجتي ورحت أبحث عن مصدرٍ له. تفاجأت بذلك العدد من الأطفال والشباب الذين يقفون لساعات أمام صنابير الماء الخاصة بالمساجد والمقابر بعدما حرموا منها.
يقول عامر وهو مراهق في الرابعة عشرة من عمره: “منذ اشهر وأنا اقضي من حياتي اليومية ساعات لأنقل القليل من الماء الى منزلنا. كلّ من هنا يعانون ما نعانيه فقد صرنا نعرف بعضنا جيداً حتى أننا أصبحنا أصدقاء نترك ما جئنا به حتى يمتلئ ونحن نلعب ونلهو قليلاً. شبكة الماء خالية من أهم مقومات الحياة كما علمونا في المدرسة وعندما تمر خلال الشبكة نحتاج الى مولدات الكهرباء لتشغيل المضخات وهذا أمرٌ مكلف لا يستطيع ابي ولا معظم الناس هنا أن يدفعوا تكلفته العالية”.
مضت تلك الليلة وأنا أفكّر مليّاً .. كيف يمكن لشعبٍ يقضي من وقته ما يقضي وهو يحمل على عاتقيه همّ تأمين مياه الشرب!! حملت سؤالي في اليوم التالي الى مكاتب الخدمات في الغوطة الشرقية علّي أجد إجابةً عليه.
أحد المسؤولين عن تلك المكاتب ويدعى أبو رياض قال لي: “إنّ تكلفة تشغيل مضخات المياه المعطلّة والبالغ عددها 40 مضخة لستِّ ساعات فقط يكلّف يوميا قرابة مئتي ألف ليرة عدا عن المبالغ اللازمة لإصلاح ما تضرر منها جراء قصف قوات النظام الذي يستهدف البنى الأساسية كما يستهدف البشر، هذه المبالغ الطائلة تحتاج ميزانيات دولة يتم رصدها لهكذا عمل ولا يمكن لمكاتب خدمات وجدت لتسيير أمور بسيطة حسب إمكانياتها المعدومة ان تنجز مهمة كهذه”.
ينهي أبو رياض حديثه قائلاً: “حرمان المدنين بأطفالهم ونساءهم من الماء سياسة لا يتبعها الا من لا يملك الأخلاق، ولكن طالما أنّ الأرض تحوي في جوفها الماء الذي يسوقه لنا ربنا رغم أنف المعتدين لن نموت من العطش وسنعود لطرق أجدادنا القدامى باستخراجه ولن يستطيع بشار إذلالنا مهما حاول .. فثورتنا ثورة كرامة “.