الغوطة الشرقية، ريف دمشق، سوريا، 17 أكتوبر، (محمّد صلاح الدين، أخبار الآن)
في الحروب .. دائما ما يقال عن الاتصالات بأنها عصب المعركة .. وبما أنّ ما يجري في سوريا بات حرباً حقيقية -مع اختلاف موازين القوى بين اطرافها- فإنّ من الضروري ان يحاول كل طرف ان يتفوق على الآخر في مجال الاتصالات.
الجيش الحر انشأ عدداً من الغرف المسؤولة عن الاتصالات وأطلق عليها اسم غرف العمليات بعد أن تم تجهيزها بمحطاتٍ ترسل وتستقبل الموجات اللاسلكية لمسافات بعيدة وهو الامر الذي يسمح للعاملين فيها قيادة العمليات العسكرية او المدنية من خلال تواصلهم مع جميع الثوار الذين يحملون قبضات لاسلكية يتم ضبطها بناءً على ترددات توزعها غرف العمليات هذه.
من خلال زيارتي لإحدى هذه الغرف التقيت فارس وأبا خليل اثناء مناوبتهما اليومية والتي قالا إنها تبلغ 8 ساعات يوميا وإنّ اربعة آخرين من زملائهم يناوبون في باقي ساعات اليوم .. فمن الضروري استمرارية العمل على مدار 24 ساعة.
يقول ابو خليل إنّ 56 غرفة عمليات تربط جميع مناطق الغوطة الشرقية بأحياء شرق دمشق والاحياء الجنوبية المرتبطة ايضا بغرف عمليات الغوطة الغربية .. وكل هذه الغرف مرتبطة ببعضها عبر غرفة مركزية مهمتها نقل المعلومات فيما بين الغرف وتنظيم عملها عبر حصولها على ترددات جميع الغرف.
فارس وأبو خليل يعملان على ترددين مختلفين كلٌّ منهما على محطة إحداهما مخصصة لتردد المرابطين على جبهات القتال فيما الأخرى للثوار في مدينتهم من الاسعاف والنقاط الطبية ومسؤولي الخدمات او المخفر او العسكريين في اوقات راحتهم عبر ألقاب للاشخاص وشيفرات للاماكن والحالات الطارئة كطلب مؤازرة او نقل دم او اطفاء حريق. هذه الشيفرات معتمدة ومعروفة عند جميع من يعمل على ترددات هذه الغرفة، وذلك كي لا يحدث ضغطٌ على ترددات المعركة ويسهل اختراقه .. فالنظام يستخدم ما يعُرف بالراشدة وهي آلية عسكرية مجهزة بأجهزة اتصالات واشارة تبحث عن الترددات المشغولة وتقوم بالتشويش عليها.
بالمقابل يقوم فارس وزملاؤه بعمليات بحثٍ مستمرة على ترددات قوات النظام لإختراقها والتنصت عليهم .. يقول فارس إنّه تمكن في إحدى المرات من اختراق تردد قوات النظام على المتحلق الجنوبي واستطاع بعد الاتفاق مع مقاتلي الجيش الحر أن يوجه قوات النظام الى كمين محكم بعدما قام بتقليد لهجة الضابط واعطى الأوامر للعناصر بالتوجه الى مكان الكمين بعد معرفته بألقابهم عبر اللاسلكي .. قتل في ذلك الكمين 13 عنصراً من قوات النظام وتم تدمير دبابتهم ..
“حوادث مشابهة ومتكررة تحدث دائماً خلال عملنا” يضيف أبو خليل، “قبل اشهر اخترق احد عناصر النظام ترددنا الذي نعمل عليه وبدأ ورفاقه بشتمنا .. بعضهم كان يخاطبنا وكأننا أجانب يعتبروننا كلنا تابعون للعرعور ولجبهة النصرة .. لم ابادلهم الشتائم بل أسمعتهم بعضاً من أغاني الثورة (يا حيف .. ماتت قلوب الجيش ) وغيرها حاولت العزف على اوتار العاطفة لعل مشاعره تتحرك .. بعد عدة ايام عاد نفس العنصر واخترق التردد لكنه كان أكثر تهذيبا هذه المرة .. اراد الانشقاق برفقة اثنين من زملاءه فأخبرته ان عليكم الامان بشرط ان يبقى سلاحكم في ظهوركم ولن يطلق الجيش الحر النار عليكم .. وبالفعل انشقوا انضم اثنان منهم للجيش الحر هنا فيما تم تأمين الثالث الى مدينته .. كلنا أبناء وطن واحد نكره ان نقتل بعضنا .. اتمنى ان يعي الجميع ذلك .. دائما ما ننبههم انّ الأسد يستخدمكم وسيلة ليبقى ولا يأبه لمعاناتكم وبعدكم عن أهلكم .. تقتلوننا وتقتلون من أجله .. أشعر أنّ هذا الكلام ذو فائدة بعكس الشتيمة التي تزيد الحقد والكراهية .. لكن أفظع من عاملناهم هم العراقيون واللبنانيون”.