دمشق، سوريا، (سيف الدين محمد، أخبار الآن) – تعد تجربة الإعتقال منذ بدء الثورة السورية واحدة من أقسى التجارب التي مرّ بها المواطن السوري، لاسيما وأنها قد طالت الرجال والنساء والأطفال، والمواطنين من كافة المدن والأرياف والملل والمذاهب والاتجاهات الفكرية المختلفة، والناشطين السلميين وغير السلميين وغيرهم.
لكن تبقى المرأة المعتقلة تعاني أكثر مما يعانيه المعتقل، فتعرّض الأنثى للاعتقال يخلق عند كثير من الأسر الخوف من سوء السمعة والعار لما قد تتعرض له داخل سجون النظام لصنوف من الانتهاكات تصل حد الاعتداء الجسدي وهو ما بات من الظواهر المعروفة مع استشراء عنف النظام مع الناشطين الموالين للثورة.
وللتذكير فإن النظام قد عمد إلى اعتقال كل من وقع عليه دون وجه حق يذكر، فالكثير من المعتقلات كن من بائعات الخبز على حواجز النظام أو الباحثات عن سد رمق العيش لأسرة تشردت، فلسن كل المعتقلات هن من الناشطات بالضرورة.
وللوقوف عند تجربة المرأة المعتقلة كان لا بد من مقابلة عدد من المعتقلات للحديث عن تجاربهن وموقفهن من الاعتقال ودروب حياتهن بعد التجربة المريرة.
حاورنا معتقلتين واحدة كانت قد اعتقلت منذ بداية الحراك الطلابي في الثورة، وأخرى لم يمض على خروجها أكثر من شهرين، وذلك لتبيان ملامح تجربة الاعتقال وما بعده عند جيلين من النساء في المستوى العمري والزمني.
بسبب مشاركتها في تظاهرات برزة وعملها مع الثوار في داريا على المستوى الإغاثي عام 2011 اعتقلت الطالبة (ف.س) من مدينة سلمية لمدة خمسة وعشرين يوماً، تحدثت (ف.س) عن مذلة التعامل مع المعتقلات بدءاً من العنف اللفظي البذيء ومحاولات التحرش والتعذيب الجسدي للواتي “لم يرضخن للاعتراف بما لم يقمن به”. تقول: “من كانت تجادلهن وترد عليهن بالشتائم كان نصيبها من التعذيب أكبر، كان المطلوب الموافقة على كل ما يكتبونه والتوقيع عليه مع التعهد بالانتماء للوطن! والقائد”.
أما الحديث عن القضايا المحرجة وخاصة فيما يتعلق بحوادث التحرش، فيبدو وكأن الأمر كان من أساليب التعامل مع المعتقلات في تلك الفترة. وكانت هناك إشارات لتعرض الكثير من المعتقلات لمثل تلك الحوادث. تقول (ف.س): “حصلت حالات تحرش كثيرة من قبل الأمن وبعض ضباط التحقيق حسب ما سمعت، ورأيت”، منوهة بأن موضوع الاعتداء لم يكن له علاقة بالتحقيق وأسباب الاعتقال.
أما (ر.م) فهي سيدة مجتمع متزوجة وتعمل في النشاط الإغاثي اعتقلت لمدة تزيد على سبعين يوماً، تقول: “كنت أتوقع الاعتقال لأن طبيعة نشاطي غير مرضي عنه في جمعية إنسانية غير مرخصة، إضافة إلى ميدان عمل الجمعية بتقديم المساعدات للأماكن الساخنة ووصول رسائل تهديد مباشر عن طريق معارف لي ومراقبة هاتفي الجوال”.
تنقلت (ر.م) بين فرعين للأمن السوري وتتحدث عن هواجس المعتقلات: “هنالك صراع في نفس المرأة بين ما هي عليه وما حالها حين تخرج وموقف عائلتها ونظرة المحيط إاليها”.
أما أساليب التعذيب فهي اختلفت بين فرع أمني وآخر، ورغم بقاء التعامل العنيف في بعض الفرع كفرع الأمن الجوي، فإن أساليب التعذيب اختلفت لاحقاً، فباستثناء النساء اللواتي يتعاملن مع الجيش الحر بشكل مباشر، تحدثت (ر.م): “كان يتم تعذيب المعتقلين بطرق وحشية على مسمع من زنازين النساء ليخرجن ليلاً أو صباح اليوم التالي ويجدوا جثث الشباب مضرجين بدمائهم في الحمامات، وهو ما أدى إلى حالات انهيار كثيرة بين النساء المعتقلات، هذا إضافة إلى التهديد بالاغتصاب واختلاف التعامل مع النساء القادمات من المناطق الساخنة وكذلك المحجبات، فقد عوملت نساء داريا وبرزة مثلا بأسلوب عنيف وتم خلع الحجاب ولباسهن والتحرش بهن وتوجيه أقذع النعوت بحقهن”.
أما حالة الاغتصاب فتذكر (ر.م) أنها كانت موجودة لكنها تمت على يد رجال اللجان الشعبية (الشبيحة) الذين يقومون باغتصاب النساء قبل إرسالهن إلى الفروع الأمنية.
إن ما تمر به المرأة المعتقلة قد يساهم في كبحها عن متابعة العمل في الحراك والنشاط المتعدد في الثورة. وهذا ما أقرت به (ر.م) إذ ترى أنه: “تختلف المسألة بالنسبة للنساء حسب البيئة الاجتماعية القادمة منها”.
أما هنا فقد أكملت المعتقلتان وغيرهن الكثير عملهن وبإصرار أكبر في النشاطات المدنية والإنسانية ولم تمنعهن تجربة الاعتقال المريرة من العودة إلى البيت والركون إلى قدرهن.
وتبقى تجربة النساء المعتقلات في سجون النظام السوري واحدة من أكثر التجارب قسوة وعنفاً في ظل نظام لم يعد يقبل حتى بالرأي المحايد تجاه ما يجري في سوريا. وتبقى النساء الناشطات قبّرات الثورة المشاغبات اللواتي ستتفتح على جوانحهن زهر الحرية القادم.