دمشق، سوريا، 6 اغسطس، سيف الدين محمد، أخبار الآن – لا تزال أزمة “النزوح الداخلي” في سورية تفرز أشكالاً جديدة من المعاناة والتحمّل لدى معظم أفراد المجتمع السوري. ولم تزل مدينة دمشق تشكل نطاق أمان “جزئي” يسمح بالتحرك داخلها وقصد أماكنها المتعددة.
كُرست داخل المدينة تجمعات تغص بالسكان المهجرين قسراً، وخلقت، بوضوح، مجتمعات جديدة لها أسلوب تعايشها مع نمط الحياة القاسي. فغدت بعض الساحات ملاذاً وحيداً للأفراد والعائلات لا يفارقونها كما هو حال ساحة المرجة وسط العاصمة.
لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو تحوّل حدائق دمشق العامة إلى شقق مجانية اكتظت بالناس هرباً من سخونة وقمع المناطق المختلفة، حتى غدت وكأنها مجتمع يختصر حال النزوح وتردي الوضع المعيشي لمدينة دمشق وريفها وبعض المدن الأخرى.
ولأن الحدائق تتوزع على مناطق دمشق المختلفة فإن قاطنيها يختلفون كذا الأمر. فباتت الحدائق وكأنها تختص بمناطق دون أخرى. فحديقتا “المنشية” عند جسر الرئيس و”الجلاء” المحاذية لفندق “فور سيزونز” يجتمع فيها أهالي المناطق المشردين من محيط العاصمة ذوو المستوى الاقتصادي المتوسط مع انتشار كثيف لقوات النظام ورجال الأمن ناهيك عن الشحاذين والمحتالين وهو ما يختلف عن حديقة “الأرماني” المحاذية لحاجز شارع الثورة الشهير بالطوق الأمني، حيث نجد أهالي المنطقة الشرقية من سورية (دير الزور- الحسكة – الرقة). ولا تغيب مظاهر الأطفال المشردين والمتسولين وسط شرط صحي سبب لهم الأمراض المعدية المختلفة.
وكذا الأمر تختص حديقة “الزاهرة الجديدة” بالمهجرين من المناطق المحاذية كاليرموك وببيلا ويلدا وريف دمشق الجنوبي عموما، وسط كثافة أمنية ومخبرين وحاجز للأمن الجوي يعد من أسوأ الحواجز في المدينة.
وللتذكير فقط فإن أزمة النزوح إلى الحدائق بدأت منذ أكثر من سنة حين تجمع عدد كبير في حديقة “السبكي” في منطقة الشعلان وسط العاصمة وتعامل معها رجال الأمن والشبيحة بقسوة تمثلت بالضرب والترحيل مع أنباء عن حالات اعتداء على النساء.
أما لسان معظم المتواجدين في هذه الحدائق فهو ذلك الذل والهوان الذي وصلوا إليه في ظل نظام ينظر إلى مواطنيه على أنهم ممتلكات شخصية للدولة العسكرية وممثليها من الأمن والجيش والشبيحة.
يقول أبو عدنان النازح من ريف دمشق الغربي “إن البحث عن لقمة عيش وكفاية ذل السؤال هو ما يطمح إليه أي مواطن بعد أن هدرت كرامته وأصبح بلا سند لحياته وأولاده”. وهو حال أم سمير التي لجأت إلى التسول لتطعم أولادها الصغار عقب مقتل زوجها في القصف على جنوب دمشق. أما عبد الجبار النازح من حمص فيقول: “منذ سنة ونصف نزحنا من الخالدية إلى السيدة زينب ثم إلى مخيم اليرموك ومنه إلى فنادق دمشق وطردنا منها لاحقاً، ومن ثم تنقلنا بين النوم في ساحة “المرجة” وحديقة “الأرماني” المليئة بالجرذان والأوساخ وعناصر الأمن”.
في ظل كل ذلك استبدلت دمشق ورود حدائقها بوجوه أبناء ضلّوا سبل كرامة العيش باحثين عن أبواب بيوتهم خلف أصوات المدافع.