إيران ثورة بنكهة استبدادية
أورد موقع “إيران واير” تقريراً تناول فيه حقوق العمال في إيران، وكيف نكث المرشد الأعلى السابق روح الله الخميني بوعوده التي أطلقها حول نقابات العمال وحقوقهم المفترضة في ذلك البلد، بالتزامن مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 ليسير على نهجه المرشد الحالي علي خامنئي.
التقرير بدأ بنبذة تاريخية عن الوعود التي أطلقها الخميني مستشهدا بمقابلة أجراها بتاريخ الـ29 من نوفمبر عام 1978 مع مجلة الاقتصاد العربي، إذ تحدث وقتها عن نقابات العمال في إيران وكيف ستحمي الثورة الإيرانية حقوقهم النقابية، وقال وقتها: “سيكون للعمال في إيران الحق في التجمع والدفاع عن حقوقهم النقابية”، مدعياً أن “العمال محرومون في إيران، ومعظمهم من الفلاحين والفقراء والجياع، ولهم الحق في النضال بأي طريقة ممكنة ومشروعة للحصول على حقوقهم التي من ضمنها حق التجمع ومناقشة قضاياهم ومشاكلهم”.
ويتساءل التقرير، عن تلك الحقوق المزعومة بعد نحو 42 عاماً من حكم الثورة الإيرانية، وهل بالفعل تمكن أولئك العمال من نيل حقوقهم المشروعة في ظل حكم الخميني ومن بعده خامنئي؟!
حبر على ورق
تنص المادة 27 من الدستور الإيراني على حرية التجمع، شريطة عدم حمل الأسلحة، كما تعترف المادة 26 بالنقابات والعضوية في النقابات، لكن بينما يدافع الدستور صراحة عن الحق في حرية التجمع والتظاهر غير المسلح، فإن البرلمان الإيراني في تشريعاته، جعل تنظيم المسيرات والتجمعات مشروطا بالحصول على تصريح من وزارة الداخلية والحاكم العام.
ووفقًا للفقرة 2 من المادة 6 من “قانون أنشطة الأحزاب والجماعات والجمعيات السياسية والنقابات”، يخضع عقد التجمعات والمسيرات للحصول على إذن من لجنة الأحزاب التابعة لوزارة الداخلية، التي تاريخياً لا تسمح بأي شكل من أشكال التجمع بخلاف المسيرات والتجمعات التي ترعاها الحكومة.
وتشير أوراق بحثية استشهد بها موقع “إيران واير” أنه استناداً إلى أدلة موثوقة، فإن وزارة الداخلية منعت بشكل متواصل إعطاء تصاريح للمطالبين بتنظيم تجمعات ومسيرات احتجاجية”.
وذكرت الأوراق البحثية، أن وزارة الداخلية تستخدم القانون كذريعة لعرقلة التجمعات، تحت مسميات مختلفة، مثل تنظيم احتجاجات تحت “دوافع سياسية” أو “دوافع فاسدة” بحجة عرقلة تنظيم أية احتجاجات مناهضة للحكومة.
كما تُظهر الاعتداءات على التجمعات العمالية والاحتجاجات الطلابية واحتجاجات المعلمين وغيرها من قبل سلطات إنفاذ القانون والقوات شبه العسكرية وحتى العسكرية على مدار الـ 42 عامًا الماضية، أن النظام الإيراني يقمع الحقوق النقابية والاجتماعية والسياسية ويمتنع عن توفيرها للشعب الإيراني.
إيران ضحايا بالجملة
ويؤكد التقرير، أن العمال ليسوا المجموعة الوحيدة المحرومة من حرية التجمع، بل جميع الطبقات في المجتمع مهما اختلفت تسميتها، وكما أوردنا سابقاً لا يسمح لأية مجموعة أن تنظم احتجاجات سوى تلك المسيرات التي تنظمها الحكومة دفاعًا عن السياسات المحلية والدولية للنظام الإيراني.
ومن أبرز الأمثلة على القمع الشرس الذي تعرض له العمال، ما حدث خلال احتجاجات عمال شركة “هفت تابيه” في شهر نوفمبر العام الماضي، عندما قامت السلطات باعتقال ممثلي العمال وجلد العمال وتعذيبهم.
ومن خلال إلقاء نظرة على البيانات والأنشطة النقابية والمقابلات مع النشطاء النقابيين، تبين أنه على الرغم من مرور 42 عامًا على الثورة الإيرانية، إلا أن مطالب العمال لم تتم تلبيتها، بل على العكس من ذلك، إذ أن الواقع يؤكد ازدياد بؤسهم في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة متجاوزة أجورهم التي يتقاضونها، إضافة إلى انعدام الأمن الوظيفي، وضعف تغطية التأمين الصحي، وتآكل المعاشات التقاعدية، والخلل في نظام قانون العمل، وعدم الاعتراف بالاحتجاجات والنقابات العمالية، وأيضاً عدم وجود استقلال للضمان الاجتماعي.
ويستشهد تقرير “إيران واير” بتقرير آخر صدر عن إذاعة “فاردا” في الـ26 من شهر فبراير عام 2019، والذي تناول شهادة ناشط عمالي إيراني يدعى صادق كارجار تمكن من الهروب إلى النرويج، وقال فيها: “المظلومون أصبحوا أكثر اضطهادًا. لقد ألغوا قوانين حماية العمل.. علاوة على ذلك، بمجرد احتجاج العمال تتعامل معهم القوات الخاصة القمعية. ثم في المحاكم، يُحكم على العامل بالجلد، وهي عقوبة لم تكن موجودة في عهد الحكومة السابقة.. في هذه الأيام، يتعرض العامل المطالب لحقوقه إلى الجلد والسجن مدة قد تصل إلى 10 سنوات بسبب قضايا نقابية”.
في عام 2009، ذكر “فتح الله بيات”، رئيس نقابة العمال الدائمين والمؤقتين، أن عدد العمال بعقود مؤقتة بلغ 95 في المائة. وقال: “النظام الإيراني يتحدث عن حماية حقوق الناس. كيف يمكنهم السماح بمثل هذه العقود؟!.. يقول النشطاء العماليون، إن العقود المؤقتة تستغل العمال – وهو استغلال تم تأسيسه وتطوره في ظل النظام الإيراني الذي نشأ بعد الثورة الإيرانية عام 1979”.
وبإجراء مقارنة بين الحد الأدنى من الأجور في إيران وبين دول أوروبية عام 2019، نجد أن تلك الدول تعطي 14 دولارًا أمريكيًا في الساعة كحد أدنى للأجور، فيما يسمح النظام الإيراني ببضع سنتات فقط في الساعة كحد أدنى للأجور.
كما تم تحديد الحد الأدنى الرسمي للأجور في إيران عام 2020 عند 1،835،427 تومان مقابل 176 ساعة عمل شهريًا أو 44 ساعة في الأسبوع، أي 10000 تومان في الساعة، بما يعادل 45 سنتًا أمريكيًا، محسوبة بسعر صرف 23000 تومان لكل دولار أمريكي.
وتصبح الكارثة أكثر وضوحًا عند مقارنة الحد الأدنى للأجور بخط الفقر والذي يقدر بـ 7،143،780 تومان شهريًا، لأسرة مكونة من 3 أشخاص، وهو رقم يعتبر أعلى بكثير مما يكسبه العمال في ذلك البلد.
وينقل تقرير “إيران واير” عن أحد المسؤولين النقابيين قوله: “لا يستطيع العمال كسب لقمة العيش في ظل الظروف الحالية.. كيف يمكن للعامل الذي بالكاد يستطيع تحمل تكاليف الطعام والعيش معتمداً على الخبز والبطاطا المسلوقة، شراء منتجات النظافة أو الاعتناء بصحته وغذاء عائلته؟!”.