أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (نهاد الجريري)
بعد عشرة أيام على قتل طبيب الأسنان الدكتور مظهر اليوسفي في الصومعة، نشر تنظيم القاعدة في اليمن بياناً يعلن فيه مسؤوليته عن قتل الطبيب وصلبه بتهمة التجسس. البيان المنشور بتاريخ ٢٤ أغسطس ٢٠٢٠، قال إنه تمّ
“القبض على شبكة للجواسيس بولاية البيضاء” جنوب العاصمة صنعاء. البيان لم يأتِ على ذكر الطبيب إلا في الفقرة الأخيرة من دون أن يوضح علاقة الطبيب بهذه “الشبكة.”
وبمجرد نشر الإعلان، تناقلت كبرى حسابات مناصري القاعدة تسجيلاً مرئياً يظهر فيه اليوسفي وهو يدلي بالاعترافات المشار إليها في البيان.
في الفيديو الذي مدته ست دقائق، يظهر اليوسفي في أربعة مواقع: في العيادة يلبس رداءه الأبيض، أمام خلفية بُنية، ومرّة أخرى أمام خلفية زرقاء، وأخرى أمام خلفية بيضاء. ما يعني أن “الاعترافات” صوّرت على أجزاء.
والحقيقة هذا ثاني فيديو يظهر لليوسفي منذ قتله. الفيديو الأول ومدته ثلاث دقائق، ظهر فيه اليوسفي وهو يرتدي قميصاً أزرق أمام خلفية سوداء.
أهم ما يقوله اليوسفي، المُختطف لدى القاعدة منذ شهرين، هو أن “الأمن” التابع للحوثيين “ابتزه” بتسجيل صوّره في وضع مشبوه وهدد بنشره إن لم يتعاون معهم في زرع شرائح التتبع لأفراد التنظيم وتصوير آخرين، خاصة نساء، تمهيداً لابتزازهم، مستغلاً عمله
طبيباً يؤمه رجال ونساء وتتوفر لديه أدوات تخدير.
فأين المشكلة في كل هذا؟
المشكلة هي أن الدكتور مظهر، الذي يُشهد له بحسن السيرة في المنطقة التي خدمها عشرة أعوام، كان في وقت من الأوقات مقرباً من تنظيم القاعدة وعلى الأرجح كان واحداً منهم قبل أن يقرر تركهم والانعزال عنهم في ٢٠١٩.
على مدى اليومين الماضيين، تمكنا من التواصل مع شقيق اليوسفي، زائد محمد سيف، الذي يسكن في منطقة خارج محافظة البيضاء حيث يبدو أن العائلة ملاحقة من قبل تنظيم القاعدة.
يقول زائد: “كان قريباً منهم ويعالج مرضاهم وربما كان واحداً منهم. لكن العام الماضي، قرر الدكتور مظهر ترك التنظيم ويبدو أنه كان يعلم أنهم لن يتركوه يذهب في حال سبيله”.
ويضيف: “كان يعرف عنهم أسراراً كثيرة … وكان يبكي بحرقة ندماً على الانضمام إليهم. لم أره في حياتي يبكي هكذا.” وفي مرة، أشار إليه أن يترك المحافظة أو البلد، فرد عليه: “فارضين على بناتي إقامة جبرية بقتلوهم.”
سألته عن “الغلط” الذي ارتكبه عندما كان معهم، فأجاب: “تدخل معهم ميت وتخرج من عندهم ميت … عرفت كثيرين تركوهم فقُتلوا.”
فلماذا يُلفّق التنظيم هكذا تُهم إن أراد التخلص من خصومه؟ يجيب زائد: “إذا رأوا أن خصمهم متعلّم وناجح ويتمتع باحترام المجتمع المحلي، شوّهوا صورته حتى لا يتعاطف معه أحد، أو يدين قتله.”
ولماذا يعترف الطبيب بالجريمة؟ ردّ زائد بأنهم على الأرجح هددوه بقتل بناته، كما فعلوا سابقاً.
ويضيف زائد أن بقتلهم شقيقه، استحوذت القاعدة على ١٥ مليون ريال – ما يعادل ٦٠ ألف دولار – من أموال الطبيب على سبيل دفع “ديّة” من قُتلوا في القصف المزعوم بالطائرات المُسيّرة. هذا المبلغ كان من الأموال المتنازع
عليها بين الطبيب وطليقته التي تبدو في صُلب هذه الفوضى.
بحسب منشور لعائلة اليوسفي تداولته حسابات يمنية في الأيام الأولى من ظهور جثة الطبيب مصلوباً، فإن طليقة الطبيب اشتكته إلى “أمير التنظيم” في الصومعة بسبب مشاكل تتعلق بممتلكات الطبيب. العائلة حلّت هذه
المسألة وحصلت على تنازل من الزوجة عن مستحقاتها ورُفعت الوثائق الموقعة إلى قيادة التنظيم. وقالوا إن “أمير التنظيم” وعد العائلة بإطلاق سراح ابنهم ليتفاجأوا بقتله.
تعليقاً على هذا، يقول زائد إن قيادة التنظيم في البيضاء أوصت طليقة الطبيب، وهي من أبين، بأن تخبر قيادة التنظيم هناك أن العائلة حصلت على التنازل بالإكراه، حتى تُعمّق الضرر بالطبيب المغدور.
قتل الطبيب على هذا النحو ليس أمراً معهوداً لدى التنظيم في تعامله مع “الجواسيس” خلال الأعوام الماضية. فلم يسبق أن قُتل المُتهم “خنقاً” ناهيك عن الصلب. ولم يسبق أن تم تداول فيديوهات غير موسومة بشعار “الملاحم”
قبل أن ينشر التنظيم التفاصيل.
مشير المشرعي، رئيس تحرير عين اليمن الإخبارية، قال إن هذا يشير على الأرجح إلى “تخبط” في صفوف قاعدة اليمن؛ وأن طائفة منهم ربما فعلت ذلك فورّطت التنظيم الذي يحاول حفظ ماء الوجه خاصة مع غياب زعيم التنظيم،
خالد باطرفي، الذي كان آخر ظهور له في رمضان في سلسلة تفسير القرآن الكريم. باطرفي يعشق الكاميرا والظهور الإعلامي لكنه هذه المرة فوّتَ “التهنئة بالعيد” التي ألقاها شرعي التنظيم خبيب السوداني.
قتل اليوسفي يأتي أيضاً في وقت “فرّت” فيه القاعدة من قيفة أمام الحوثيين. أبناء قيفة قالوا إن القاعدة “سلّموا” المنطقة تسليماً. وهذه ليست المرة الأولى التي “تخذل” فيها القاعدة القبائل اليمنية وتستغلهم لتنفيذ مآربها.
مصدر الصورة: صورة شخصية لليوسفي مع ابنتيه
للمزيد: هل عقدت قاعدة اليمن اتفاقاً سريّاً مع الحوثيين؟
التطهير العرقي: ألهذا تتخلص القاعدة في شبه جزيرة العرب من أبنائها؟
باطرفي لا يستطيع “إطعام” أتباعه .. ويهين نساء اليمن