جدري القرود .. حماية ووقاية
- كيف نُصاب بعدوى جدري القرود؟
- ما هي اللقاحات المتاحة ضد جدري القرود؟
- هل يحمينا اللقاح من المرض؟
- ما هي الفئات التي تحتاج لتطعيم؟
- ماذا أفعل إذا ظهرت الأعراض؟
بعد تصنيفه حالة طوارئ صحية عامة، اكتسب فيروس جدري القرود زخمًا كبيرًا باعتباره حدثًا استثنائيًا يشكل خطرًا على الصحة العامة للدول الأخرى من خلال الانتشار الدولي للمرض وقد يتطلب استجابة دولية منسقة.
التطور اللافت الذي أعقب هذا التصنيف، هو تحذير علماء يقدمون المشورة لمنظمة الصحة العالمية بشأن جدري القرود، من أن فرصة وقف انتشار المرض تتضاءل مع زيادة عدد الحالات كل أسبوعين، ما يثير مخاوف من أن وصول الانتشار لذروته قد يستغرق شهورا.
هذا التحذير كان مصحوبا بتوقع منظمة الصحة العالمية في أوروبا بأن يصل عدد الإصابات بالمرض إلى ما يزيد على 27 ألفًا بحلول 2 أغسطس 2022، في 88 دولة، ارتفاعًا من حوالي 22 ألف حالة في نحو 72 دولة معظمهم في أوروبا حتى الآن.
ثاني تطور لافت في الأزمة، هو تسجيل أول حالتي وفاة بجدري القرود خارج أفريقيا، الأولى كانت في البرازيل، والثانية في إسبانيا، وذلك منذ انتشار المرض خارج القارة السمراء أوائل مايو الماضي، وهي بؤرة انتشار المرض، حيث سجلت منطقة غرب ووسط أفريقيا 5 حالات وفاة بالفيروس.
وبالنظر إلى الجوائح السابقة التي صنّفتها منظمة الصحة العالمية كحالة طوارئ صحية، مثل جائحة كورونا، فإن هذا التصنيف الجديد الذي حصل عليه جدري القرود يتطلب استجابة دولية منُسقة لمنع انتشاره بشكل أكبر بين الدول، وقد يدفع الدول إلى استثمار المزيد من التمويل في اللقاحات والعلاجات والموارد الأخرى للحد من المرض.
خبراء الصحة يقولون إن الإجراءات المترتبة على هذا التصنيف يجب أن تكون عاجلة بما في ذلك زيادة التطعيمات والفحوص وعزل المصابين ورصد المخالطين.
على مستوى الأفراد، يتطلب الأمر استعدادًا خاصًا لحماية أنفسنا من المرض، وهذا يستدعي مزيدًا من اليقظة والمعرفة بطبيعة المرض وأعراضه ومضاعفاته وسبل العلاج، والإجراءات الاحترازية التي يمكن أن تتخذ للوقاية من المرض.
كيف نُصاب بالعدوى؟
هذا السؤال وأسئلة أخرى مهمة عن المرض وطرق الوقاية منه، دائما ما تقفذ إلى الأذهان في أوقات الطوارئ الصحية.
في حديثه معي، أكد الدكتور حازم رمضان، أستاذ الأمراض المشتركة المساعد بكلية الطب البيطري، بجامعة المنصورة، والباحث بوزارة الزراعة الأمريكية، أن الأشخاص يمكن أن يكتسبون عدوى جدري القرود بصورة مباشرة عن طريق التلامس المباشر بالشخص المصاب، أو بصورة غير مباشرة عبر حدوث تلامس مع أحد الأدوات الشخصية التي يستخدمها الشخص المصاب، وتحتوي على بعض الإفرازات، مثل المناشف والملابس، ولكي نحمي أنفسنا لابد أن نبتعد قدر الإمكان عن التواجد في الأماكن التي يتواجد فيها مصاب بالمرض، أو من تظهر عليهم أعراض بثور أو آفات تشبه إلى حد كبير أعراض جدري القرود.
نقطة في غاية الأهمية، أشار إليها “رمضان” خلال حديثه، وهي العلاقات الجنسية التي تحدث بين المثليين، وهي تندرج في إطار التلامس المباشر الذي يسبب عدوى جدري القرود، ولكي نحد من العدوى، لابد من التوقف نهائيا عن هذه العلاقة.
وفي هذه الأثناء، دعت منظمة الصحة العالمية، الفئة الأكثر تضررًا حاليًا وهي الرجال المثليين إلى الحد من شركائهم الجنسيين، وقال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس إن أفضل طريقة للوقاية من الفيروس هي “خفض مخاطر التعرض” له.
الحلقة الأضعف
دائما ما تتسلل الأمراض إلى الحلقة الأضعف من المجتمع، وينطبق ذلك على جدري القرود، إذ يعتبر الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة دومًا أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
وعندما انتشر فيروس كورونا، كان أصحاب المناعة الضعيفة وكبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة، أكثر عرضة للإصابة بالفيروس والمعاناة من أعراض شديدة، تصل إلى حد الوفاة.
وبناء على ذلك، سنجد أن هناك فئات من الناس يمثلون “الحلقة الأضعف” في مواجهة الفيروس وتحوله إلى مرض قاتل.
ويشير “رمضان” في حديثه إلى أن الفئة الأضعف المعرضة لجدري القرود، هي الأشخاص الذين لديهم مناعة ضعيفة، مثل الحوامل والأطفال ومن يعانون من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والضغط والسكري وغيرها، وهذه الفئة يمكن أن تسبب العدوى لديها إلى أعراض أكثر خطورة، مقارنة بالأصحاء ذوي المناعة القوية.
ورغم أنه من المرجح أن يعيش أكثر من 99٪ من الأشخاص الذين يصابون بجدري القرود، إلا أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأطفال دون سن 8 سنوات، والأشخاص الذين لديهم تاريخ من الإصابة بالأكزيما، والسيدات الحوامل أو المرضعات، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة أو الوفاة نتيجة المرض.
على الرغم من أن النوع الذي انتشر في غرب أفريقيا نادرًا ما يكون مميتًا، إلا أن الأعراض يمكن أن تكون مؤلمة للغاية، وقد يعاني الأشخاص من ندبات دائمة ناتجة عن الطفح الجلدي.
فئة أخرى أشار إليها “رمضان” يمكن أن تكون معرضة لخطر العدوى وهي الأشخاص الذي يعملون في الحقل الطبي والبحثي المرتبط بتحليل وتشخيص عينات الفيروس من الأشخاص المصابة.
التلقيح ضد المرض
بجانب الإجراءات الاحترازية، يمثل التطعيم أحد أبرز وسائل مكافحة الأمراض. ولحسن الحظ أن هناك لقاحين موجودين بالفعل، وحاصلان على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، حيث تم تطويرهما في الأصل لمكافحة الجدري، يمكن أن يساعدان في الوقاية من عدوى جدري القرود.
اللقاح الأول والأكثر استخدامًا لجدري القرود يسمى “جينيوس” (Jynneos)، أما النوع الثاني فهو لقاح (ACAM2000). وعادة يمكن أن يعمل اللقاحين حتى لو تم إعطاؤهما بعد التعرض للإصابة، إذ يخففان بشكل كبير من حدة أعراض المرض.
وحول مدى ملائمة كل لقاح لبعض المرضى، فإن هناك اختلاف وحيد بين اللقاحين ويجب أخذه بعين الاعتبار قبل التطعيم، وهو أن لقاح “جينيوس” يُلائم الأشخاص الذين يعانون من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) المسبب للإيدز، ومن يعانون من مرض الإكزيما وآفات الجلد، بينما لقاح (ACAM2000) لا يتناسب مع هؤلاء، وفق “رمضان”.
وعن فاعلية اللقاحين، يشير “رمضان” إلى أن لقاح “جينيوس” يعطي الحماية القصوى للأشخاص ضد المرض بعد 14 يومًا من الحصول على الجرعة الثانية من اللقاح، بينما يعطي لقاح (ACAM2000) كامل الحماية ضد المرض بعد 4 أسابيع من الحصول على اللقاح. أما نسب الحماية فرغم إجراء بعض الدراسات التي تحدثت عن نسب حماية من العدوى تصل إلى 85%، لكن النسب يمكن أن تتحدد بدقة أكبر من خلال دراسات جديدة تجرى بعد حصول الأشخاص على اللقاح بعد الانتشار الأخير لهذا المرض، كما نصحت منظمة الصحة العالمية.
المنظمة نصحت أيضًا بأن تتناول الدراسات نسب تحقيق اللقاحين حماية أفضل ضد الطرق المختلفة لانتقال العدوى إلى الأشخاص، بمعنى أن طريقة انتقال الفيروس إلى الجسم بصورة مباشرة عبر التلامس المباشر تختلف عن طريقة العدوى غير المباشرة عبر ملامسة أغراض الشخص المصاب، لذلك من المفيد أن يتم رصد نسب الفاعلية بدقة في كلتى الحالتين.
من الأولى بالتطعيم؟
يتفق الخبراء على أنه يجب جعل التطعيم أولوية لإبطاء وتيرة تفشي الجوائح، لكن منظمة الصحة العالمية لا تنصح بالتطعيم الكلي ضد مرض جدري القرود كما حدث مع كورونا، لأن وتيرة انتشار المرض تتركز على فئات معينة، ولا تحدث بالقدر أو السرعة التي حدثت أثناء كورونا، وتنصح فقط بالتركيز على الفئات الأكثر عرضة للخطر.
وعن أكثر الفئات احتياجا للتطعيم ضد المرض، تحديث “رمضان” أن أولى الناس بالتطعيم هم الأشخاص المخالطين للفئات المصابة بالمرض، وفي المرتبة الثانية يأتي الأشخاص الذين يمثلون الحلقة الأضعف في دائرة العدوى، كأصحاب المناعة الضعيفة والأطفال والحوامل ومن يعانون من أمراض مزمنة، وفي نفس المرتبة يأتي من يعملون في الحقل الطبي والصحي والبحث العلمي المرتبط بالمرض، لتعاملهم المباشر مع المرضى والعينات التي يحتمل أن تكون مصابة بالعدوى. أما الفئة الثالثة، فهي المثليين الذي انخرطوا في علاقات جنسية.
ماذا أفعل إذا ظهرت الأعراض؟
إذا بدأت في ملاحظة آفات حمراء أو بثور جلدية يشتبه في أنها ناتجة عن عدوى جدري القرود، يجب عليك الاتصال بطبيب الرعاية الأولية الخاص بك وإعلام الطبيب بأنك تشك في الإصابة بعدوى جدري القرود، وسيقوم الطبيب بأخذ مسحة من الآفة الجلدية وإجراء اختبار لكشف مدى إصابتك بالمرض من عدمه.
وإذا أثبت التحليل أنك مصاب بجدري القرود، فسوف يخبرك مقدم الرعاية الصحية إذا كان ينبغي لك تلقي الرعاية في المستشفى أو في المنزل، وسيعتمد ذلك على مدى خطورة أعراضك.
إذا بدت الآفة وكأنها من جدري القردة ، يجب على الناس اختبارها فقط
الدكتور برنارد كامينز، المدير الطبي للوقاية من العدوى في مستشفى ماونت سيناي بالولايات المتحدة
وبعد تشخيص المرض، يضيف “كامينز”، بأن علاج جدري القرود يتضمن بشكل أساسي التحكم في الأعراض، حيث أن المرضى الذين يعانون من آفات الشرج أو المستقيم قد يعانون من الكثير من الألم، خاصة أثناء التبرز، وفي تلك الحالات قد يصف الطبيب مسكنات للألم أو يوصي بملينات البراز، وقد يواجه المرضى الذين يعانون من تقرحات في الفم صعوبة في البلع ويمكنهم الحصول على دواء للمساعدة في تخفيف الأعراض. وقد يصاب البعض بعدوى بكتيرية ثانوية ويتطلب الأمر علاجًا بالمضادات الحيوية، خاصةً إذا كان لديهم آفات كبيرة ومفتوحة.
وعادةً ما يُوصى باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات مثل (tecovirimat) أو (TPOXX) فقط للأشخاص الذين يعانون من أعراض جهازية أكثر أو طفح جلدي على مستوى الجسم مع وجود مخاطر عالية للإصابة بمضاعفات جدري القرود.
طرق الوقاية
يمثل الشخص المصاب مصدرا للعدوى، لذلك لابد من إغلاق الدائرة عبر منع انتشار المرض، وإذا نُصح المريض بالخضوع للعزل في المنزل، فينغي ألّا يخرج منه، وفي نفس الوقت يحمي الآخرين الذين تعيشون معه قدر الإمكان من خلال القيام ببعض النصائح التي قدمتها منظمة الصحة العالمية، أبرزها الخضوع للعزل في غرفة منفصلة، وتغطية أي بثور جلدية إذا كان ذلك ممكنًا، واستخدام حمام منفصل، أو تنظيف الحمام بعد كل استخدام، بالإضافة إلى تنظيف الأسطح التي تُلمس بشكل متكرر بالماء والصابون ومطهر منزلي، واستخدام أوانٍ ومناشف وأغطية فراش وإلكترونيات منفصلة، وغسيل المصاب ملابسه بنفسه.
وإذا لم يتمكن المصاب من ذلك، فينبغي على من يغسل الملابس ارتداء قناع طبي وقفازات، وغسل الملابس بالماء ساخن تصل حرارته لأكثر من 60 درجة. كما أكدت على ضرورة فتح النوافذ للتهوية الجيدة، وتشجيع جميع الأشخاص في المنزل على تنظيف أيديهم بانتظام بالماء والصابون أو معقم اليدين الكحولي، وتجنب التلامس الجلدي قدر الإمكان، واستخدم القفازات الأحادية الاستعمال في حالة لمس البثور مباشرة، وارتداء قناع أيضا عند لمس أي ملابس أو فراش يعود للمصاب.
وأخيرا تبقى التوعية بالمرض وطرق انتقاله وتطبيق الإجراءات الاحترازية وأخذ الحيطة والحذر هي طوق النجاة للوقاية من المرض بالنسبة لك ولأسرتك وجميع المحيطين بك.