أخبار الآن | المملكة المتحدة – BBC
مع تفشي فيروس “كورونا” المستجد، جرى التركيز دائماً على مصطلح “الأجسام المضادة” التي تلعب دوراً مهماً في تتبع انتشار المرض.
ورغم ذلك، فقد لاحظ الباحثون الذين يراقبون منذ فترة مرضى “كورونا” بعض الأمور الغريبة. ففي البداية، اكتشف العلماء أن بعض المرضى تعافوا من المرض، لكنهم ليس لديهم أجسام مضادة خاصة بالفيروس، ثم تكررت هذه الملاحظة لدى عدد كبير من المرضى. وبعدها، خلصت دراسة إلى أن الأجسام المضادة التي يطلقها جهاز المناعة لمقاومة الفيروس يبدو أنها تتلاشى من الجسم في غضون بضعة أشهر.
ولهذا، فإنّه مع أهميتها في رصد الوباء، إلا أن الأجسام المضادة ربّما لا تؤدي دوراً محورياً في تحصين الجسم ضدّ “كورونا”، وهذا ما يشير إلى أنّ المناعة ضدّ “كوفيد-19” يمكن أن تتحقق بطريقة أخرى.
وتحدث الباحثون عن مُكوّن آخر في الجهاز المناعي قد يظلّ مختبئاً في الجسم أحياناً لسنوات لمهاجمة العدو الذي صادفه من قبل. وسلطت الأبحاث الأضواء على نوع محير من خلايا الدم البيضاء يُعرف باسم “الخلايا التائية”، وقد يلعب دوراً محورياً في مكافحة وباء كورونا المستجد.
ما هي الخلايا التائية؟
الخلايا التائية هي نوع من الخلايا المناعية، هدفها الرئيسي تحديد وقتل مسببات الأمراض الغازية أو الخلايا المصابة، وتقوم بذلك باستخدام البروتينات على سطحها، والتي يمكن أن ترتبط بالبروتينات على سطح الأمراض التي تهاجم الجسم.
ويقول العلماء أن “كل خلية تائية محدّدة للغاية، وهناك عدد كبير جداً من الإصدارات المحتملة من هذه البروتينات السطحية، والتي يمكن لكل منها التعرف على هدف مختلف، وتبقى الخلايا التائية في الدم لسنوات بعد الإصابة، لذا تتميز بذاكرة طويلة المدى للجهاز المناعي وتسمح له بتركيب استجابة أسرع وأكثر فعالية عند التعرض لنفس المرض مرة أخرى”.
وكشفت دراسات عديدة أن “الخلايا التائية لدى معظم المصابين بكورونا المستجد يمكنها استهداف الفيروس، حتى لو لم تظهر عليهم أي أعراض”. لكن الغريب أن بعض العلماء أجروا فحصاً لعينات دم جمعت من مصابين بفيروس كورونا المستجد، واكتشفوا أن بعض الناس قد لا توجد لديهم أجسام مضادة لفيروس كورونا المستجد، ومع ذلك تظهر الخلايا التائية لديهم، استجابة للفيروس.
كذلك، اختبر الباحثون عينات دم مأخوذة قبل ظهور الجائحة بسنوات، وجدوا خلايا تائية مصممة خصيصاً للكشف عن البروتينات على سطح كوفيد-19، وهذا يشير إلى أن بعض الناس لديهم بالفعل درجة من المقاومة ضد الفيروس قبل أن يصيبهم، وهي نسبة مرتفعة تصل إلى 40-60%، ما يعزز مكانة الخلايا التائية كمصدر سري للحصانة ضد كوفيد-19.
ولهذا، قد تؤكد هذه النتائج أن الخلايا التائية قد تكون مصدراً سرياً للمناعة ضد فيروس كورونا المستجد.
حماية من الأمراض لسنوات
وفي السياق، يشير أستاذ علم المناعة في كلية كينجز كوليدج في لندن، أدريان هايدي، إلى أنه “بالنظر إلى الأفراد بعد الإصابة بالعدوى ممن لم يحتاجوا لدخول المستشفى، نرى أن الخلايا التائية لعبت دوراً كبيراً في ذلك، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للذين يعملون على صنع الأجسام المضادة والخلايا التائية التي ترى الفيروس”.
وفي حديثه، كشف هايدي عن مشكلة تكمن في أنه “لوحظ أيضاً لدى المرضى الذين أصيبوا بمضاعفات وخيمة لمرض كورونا المستجد، وتلقوا العلاج في المستشفيات، أن استجابة الخلايا التائية اتسمت بالفوضوية”. ومع هذا، يوضح هايدي أنّ “أعداداً كبيرة من هذه الخلايا تأثرت بالفيروس، فحدث نشاط مفرط لها، وبعدها اختفت من الدم”.
وبينما يفسر البعض ذلك بأن الخلايا أعيد توجيهها إلى المناطق التي تحتاجها بشدة، مثل الرئتين، فإن فريق هايداي “يعتقد أن سبب الاختفاء هو أنها تموت”. وهنا، كشف هايدي أنّ “تشريح جثث مرضى كورونا المستجد، كشف وجود نخر في الأنسجة، ولا سيما في مناطق مثل الطحال والغدد الليمفاوية حيث توجد الخلايا التائية عادة. وهذا النخر هو علامة على أن الخلايا المناعية تعرضت للهجوم”.
ويكشف هايدي أنهم “لاحظوا أيضاً نفس المشكلة عند تشريح جثث مرضى الإيدز، لكن لا توجد أي أدلة بعد تثبت أن فيروس كورونا المستجد يمكنه أن يصيب الخلايا التائية بالطريقة نفسها التي يدمرها بها فيروس نقص المناعة البشري”.
ومع هذا، يقول هايداي إن “جميع الأدلة تشير إلى أن الخلايا التائية يمكنها حمايتنا من الأمراض لعدة سنوات، لكن عندما نمرض، من الواضح أنها تعجز عن الدفاع عن الجسم بمفردها، وقد تعزى إصابة كبار السن بمضاعفات كورونا المستجد الحادة إلى تضاؤل أعداد تلك الخلايا”.
ماذا عن المناعة طويلة المدى؟
ويقول هايدي أنّ “الباحثين أجروا دراسات على المرضى الذين تعافوا من مرض متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الذي ظهر في العام 2002 واكتشفوا أدلة على أن الخلايا التائية تستجيب للفيروس بعد سنوات من الإصابة، وهذا يؤكد أن هذه الخلايا التي تكونت لدى هؤلاء المرضى تحمي الجسم بعد سنوات من التعافي”.
وقادت هذه النتائج علماء إلى فحص عينات دم قديمة مأخوذة من الناس في الفترة بين 2015 و2018، واكتشفوا أن الخلايا التائية في هذه العينات تستجيب لفيروس كورونا المستجد. وخلص الباحثون إلى أن أجهزة المناعة قد تكون برمجت للتعرف على فيروس كورونا المستجد وإطلاق الاستجابة المناسبة له بعد الإصابة بفيروسات كورونا (الفيروسات التاجية) المسببة لنزلات البرد التي تحتوي على بروتينات مشابهة على سطحها.
ويعلل باحثون إصابة بعض الناس بمضاعفات المرض الوخيمة بعدم وجود الخلايا التائية التي يمكنها التعرف على الفيروس في أجسامهم.
لقاح كورونا في طور الإنجاز و نتائج مبشرة
تستثمر الحكومات والجهات المعنية مليارات الدولارات لتطوير لقاحاتْ، إلا أن هناك عيوباً، حيث أوضح أحد خبراء تطوير الأدوية بجامعة واشنطن في سانت لويس، أنه “في اليوم التالي لتلقيح شخص ما، سوف يفكرون: هل يمكن العودة إلى الوضع الطبيعي. كل شيء سيكون على ما يرام. لن يدركوا بالضرورة أنهم قد يكونون عرضة للإصابة”.
مصدر الصورة: getty
للمزيد:
خبراء: واقي الوجه البلاستيكي لا يحمي من ”كورونا“ ولا يحلّ مكان الكمامة