أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (وكالات)
أثبتت دراسات أن توقيت تناول الوجبات يلعب دورا في تحديد الوزن قد لا يقل أهمية عن دور أصناف الأطعمة وكمياتها.
كما رأت الدراسات أن ثمة علاقة متشابكة بين الساعة البيولوجية للجسم وعملية التمثيل الغذائي والهضم.
إذ أخضع البحث مجموعة من النساء البدينات وذوات الوزن الزائد إلى حمية غذائية لثلاثة أشهر. ولاحظ الباحثون أن المشاركات اللائي استهلكن معظم السعرات الحرارية في وجبة الإفطار فقدن وزنا يفوق ضعف ما فقدته المشاركات اللائي استهلكن معظم السعرات الحرارية في وجبة العشاء، رغم أن أفراد المجموعتين حصلن على نفس الكميات من السعرات الحرارية.
أولى الباحثون اهتماما كبيرا بدراسة ظاهرة زيادة أوزان الكثير من الشباب لدى دخولهم الجامعة، وعللها البعض بزيادة إقبال الطلاب في هذه المرحلة على الوجبات السريعة والجاهزة بالتوازي مع تراجع النشاط البدني.
بينما أشار الكثيرون بأصابع الاتهام مؤخرا إلى اختلال إيقاع الساعة البيولوجية في الجسم، بسبب الاعتياد على تناول الطعام في ساعات متأخرة من الليل، والنوم غير المنتظم.
وطالما سمعنا عن العلاقة الوثيقة بين الوزن الزائد وما يصاحبه من أمراض، كالنوع الثاني من داء السكري وأمراض القلب، وبين أنواع الأطعمة التي نتناولها وكمياتها وعدد السعرات الحرارية التي نحرقها من خلال ممارسة النشاط البدني. لكن أدلة جديدة أثبتت أن توقيت تناول الوجبات يسهم أيضا في زيادة الوزن أو فقدانه.
الاستيقاظ في وقت متأخر في عطلة نهاية الأسبوع قد يسبب خللا في إيقاع الساعة البيولوجية إذا كنت معتادا على الاستيقاظ مبكرا طوال أيام الأسبوع
ويرجع الكثيرون اقتران تناول الطعام في أوقات متأخرة من الليل بزيادة الوزن إلى أن الجسم لا يجد وقتا كافيا لحرق هذه السعرات الحرارية، لكن الحقيقة أكثر تشابكا مما نظن. ويقول جوناثان جونستون، المتخصص في العلاقة بين الساعة البيولوجية والطعام بجامعة سَري في بريطانيا، إن “الناس يفترضون أحيانا أن التفاعلات الكيميائية في أجسامنا تتوقف أثناء النوم، لكن هذا ليس صحيحا”.
وتشير بعض الأدلة إلى أن كمية الطاقة التي يستهلكها الجسم في معالجة الطعام الذي نتناوله في الصباح تفوق ما يستهلكه في معالجة الطعام الذي نتناوله في وقت متأخر من اليوم، أي أنك تحرق كميات أكبر من السعرات الحرارية إذا تناولت الطعام في ساعات مبكرة من النهار.
وثمة تفسير آخر مفاده أن تناول الطعام في ساعات متأخرة من الليل يقلص الوقت المتاح لأجهزتنا الهضمية لتستريح وتستعيد نشاطها، وكذلك الوقت المتاح لأجسامنا لحرق الدهون، إذ لا تحدث التفاعلات الكيميائية لحرق الدهون إلا عندما تدرك أعضاء الجسم أننا توقفنا عن تناول الطعام.
وقد أجرى ساتشين باندا، العالم البيولوجي بمعهد سالك بولاية كاليفورنيا الأمريكية ومؤلف كتاب “شفرة الإيقاع اليومي”، بحثا خلص فيه إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يتناولون الطعام على مدار 15 ساعة أو أكثر يوميا، ويستهلكون أكثر من ثلث السعرات الحرارية اليومية بعد السادسة مساء، وهذا يختلف عن نمط حياة أجدادنا قبل اختراع المصباح الكهربائي.
ويقول باندا إن طلاب الجامعات قلما يخلدون إلى النوم قبل منتصف الليل، وربما يأكلون ويشربون قبل النوم مباشرة. ويضطر الكثيرون للاستيقاظ مبكرا في اليوم التالي لحضور المحاضرات، وإذا تناولوا الإفطار بعد الاستيقاظ مباشرة، سيقلصون الفترة التي يفترض أن يمتنعوا فيها عن تناول الطعام.
وربما لا ينالون أيضا كفايتهم من النوم. وتزيد قلة النوم من احتمالات الإصابة بالسمنة وتضعف القدرة على اتخاذ القرارات والسيطرة على النفس، ومن ثم يقبلون على أطعمة قليلة النفع قد تزيد معدلات الهرمونات التي تدفعنا لتناول الطعام.
قد يسهم كل من عدد السعرات الحرارية التي نستهلكها ومواعيد استهلاكها في زيادة الوزن
وقد بدا الآن واضحا أن الساعة البيولوجية ترتبط ارتباطا وثيقا بالهضم والتمثيل الغذائي بطرق عدة، من خلال مسارات نقل الإشارات بين الخلايا في الجسم.
إذ يوجد بداخل كل خلية في جسمك ساعة جزيئية تنظم توقيت جميع السلوكيات والعمليات الفسيولوجية تقريبا، بدءا من إطلاق الهرمونات والنواقل العصبية ووصولا إلى ضغط الدم ونشاط الخلايا المناعية وحتى الأوقات التي نشعر فيها بالنعاس أو النشاط أو الاكتئاب خلال اليوم.
وتنظم عمل هذه الساعات إشارات ترسلها النواة فوق التصالبية في الدماغ، للحفاظ على التناغم بين الساعات وبعضها وتطابقها مع التوقيت الخارجي. وتستشعر هذه الساعات النور والظلام في العالم الخارجي من خلال الخلايا العقدية المستقبلة للضوء في شبكية العين.
والهدف من كل هذه الساعات داخل الخلايا هو توقع الأنشطة التي تحدث بانتظام في بيئاتنا، مثل وصول الطعام، والاستعداد لها. ولهذا يفضل حدوث التفاعلات الكيميائية الحيوية في الجسم في مواعيد محددة على مدار اليوم حتى تستعيد أعضاء الجسم نشاطها وتنفذ الوظائف المختلفة.
وعندما نسافر إلى الخارج، تتغير مواعيد تعرضنا للضوء، وتتغير معها ساعات الجسم للتأقلم على المواعيد الجديدة، والنتيجة أننا نصاب بالإرهاق بسبب فارق التوقيت، وهو ما لا يجعلنا نشعر بالنعاس والنشاط في الأوقات الخاطئة فحسب، بل يؤدي أيضا إلى مشاكل في الهضم والتعب والضعف العام.
وبالإضافة إلى الضوء، يؤدي تغيير مواعيد الوجبات أيضا إلى تعديل الساعات البيولوجية في الكبد والجهاز الهضمي، رغم أنه لا يؤثر على الساعات في خلايا الدماغ. وتشير أدلة جديدة إلى أن مواعيد التمرينات الرياضية قد تؤثر أيضا على الساعات في خلايا العضلات.
السفر بين المناطق الزمنية المختلفة يؤدي إلى اختلال الساعات البيولوجية في الجسم وكذلك مواعيد تناول الوجبات، وقد يسبب تكراره أضرارا طويلة الأمد على صحتنا
وعندما نسافر بين المناطق الزمنية المختلفة، أو نأكل أو ننام أو نمارس التمرينات الرياضية في مواعيد غير منتظمة، يختل التناسق بين الساعات في خلايا أعضاء الجسم وأنسجته.
وقد خلصت دراسة حديثة إلى أن النوم في مواعيد غير منتظمة يزيد مقاومة الجسم للإنسولين ويؤدي إلى ارتفاع الالتهاب في الدم ويضاعف مخاطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري وأمراض القلب.
وهذه المشكلات يعاني منها تحديدا كثيرو السفر والترحال والطلاب الذين اعتادوا على النوم في الساعات الأولى من النهار أو العاملين بنظام النوبات. إذ ارتبط العمل بنظام النوبات بأمراض عديدة، منها أمراض القلب والنوع الثاني من السكري والسمنة والاكتئاب. ويعزي العلماء ذلك إلى الخلل في إيقاع الساعة البيولوجية.
ويقول باندا إن 87 في المئة من الناس يغيرون أنماط نومهم في عطلات نهاية الأسبوع، وقد يؤخرون الإفطار في يوم العطلة ساعة على الأقل. وذكر باحثون أن هذا التغيير في أنماط تناول الإفطار له نفس تأثير السفر بين المناطق الزمنية على عملية التمثيل الغذائي.
يفضل أن تتناول الوجبة الأغنى بالسعرات الحرارية في الصباح، عندما تكون عملية التمثيل الغذائي في قمة نشاطها
وتبحث جيردا بوت، باحثة التغذية بجامعة كينغز كوليدج لندن، في مدى تأثير الاستهلاك غير المنتظم للسعرات الحرارية على الصحة على المدى الطويل. وتقول إن ما دفعها لإجراء هذه الأبحاث هو تأثرها بجدتها التي كانت تحرص على تناول الوجبات الأساسية والوجبات الخفيفة في مواعيد ثابتة يوميا، تبدأ بوجبة الإفطار في السابعة صباحا وتنتهي بوجبة العشاء في السادسة مساء. وترى بوت أن تمسك جدتها بمواعيد صارمة للوجبات ساعدها في التمتع بصحة جيدة حتى بلغت 95 عاما.
وثمة أسباب عديدة تفسر ذلك، منها أن الجسم يكون أكثر قدرة على الاستجابة لهرمون الإنسولين، الذي يسمح للغلوكوز بدخول الخلايا للاستفادة منه في الحصول على الطاقة، في الصباح. لكن إذا تناولنا الطعام في المساء، يظل الغلوكوز في الدم لفترة أطول، ومع الوقت قد يزيد من فرص إصابتنا بالنوع الثاني من داء السكري، وقد يضر أيضا بالأنسجة في الجسم، مثل الأوعية الدموية أو أعصاب العين والقدم.
قد يسهم تناول الوجبات في مواعيد غير منتظمة في زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض مثل داء السكري
وقد اكتشفت بوت، في ضوء بيانات من المكتب الوطني للإحصاءات في بريطانيا، أن الأشخاص الذين اعتادوا تناول الوجبات في مواعيد غير منتظمة كانوا أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة الأيض، وهي مجموعة من الأعراض التي تظهر في آن واحد، مثل ارتفاع ضغط الدم وتراكم الدهون حول الخصر وارتفاع الكوليسترول في الدم. وكل هذا يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية والنوع الثاني من داء السكري.
إذن، كيف نتفادى كل هذه الأضرار؟
أولا علينا أن نلتزم بمواعيد ثابتة للنوم وتناول الوجبات، حتى تعمل جميع ساعات الجسم في تناغم مع بعضها بعضا. ويعمل ضوء النهار على ضبط الساعة البيولوجية في الدماغ، ويساعد تناول الإفطار بعد الاستيقاظ بفترة وجيزة في إيصال الرسالة للساعات في خلايا الكبد والجهاز الهضمي لتؤدي وظائفها. ولهذا قد يلعب الإفطارالمشبع دورا أساسيا في الحفاظ على إيقاع الساعات البيولوجية في الجسم.
وقد خلصت دراسة إلى أن تخطي وجبة الإفطار أخل بالساعة البيولوجية في الجسم وأدى إلى رفع نسب الغلوكوز في الدم.
والأهم من ذلك أن نحاول الحصول على كفايتنا من النوم، حيث أن عدد ساعات النوم الموصى بها لمعظم البالغين 7 أو 8 ساعات يوميا. وقد أثبتت دراسات أن تخفيف الأضواء في المساء والتعرض للضوء الساطع خلال ساعات النهار يسهمان في إعادة ضبط الساعة البيولوجية الرئيسية في الدماغ لتتطابق مع التوقيت الخارجي.
قد يفسد تناول الوجبات السريعة ليلا الحمية الغذائية بسبب تباطؤ عملية التمثيل الغذائي بمرور اليوم
وينصح البعض بالامتناع عن تناول الطعام كليا لمدة 12 ساعة أو ما يصل إلى 16 ساعة طوال الليل. وقد خلصت دراسة أجراها باندا وزملاؤه في عام 2012 إلى أن الفئران التي كان يسمح لها بتناول الطعام في فترة تتراوح ما بين 8 و12 ساعة فقط أثناء النهار لم تُصب بالأمراض التي أصابت أقرانها من الفئران في المجموعة الثانية التي كانت تتناول السكريات والدهون في أي وقت من النهار أو المساء، مثل السمنة وداء السكري وأمراض القلب والكبد، رغم أن كلا المجموعتين استهلكتا نفس المقدار من السعرات الحرارية. والأغرب من ذلك أن الفئران عندما خضعت لجدول يتيح لها تناول الطعام في فترات محددة على مدار اليوم، تعافت من هذه الأمراض.
وحتى الآن تبدو نتائج الأبحاث عن فوائد الامتناع عن تناول الطعام لساعات معينة مبشرة، وكان من بينها دراسة أجريت على ثمانية مصابين بمقدمات السكري، كانوا يتناولون جميع الوجبات بين الساعة الثامنة صباحا والثالثة ظهرا. ولاحظ الباحثون تحسنا في استجابة الجسم للإنسولين وانخفاض ضغط الدم.
ولعل الحل الأمثل كما يقول المثل الشائع “تناول فطورك كالملك وغداءك كالأمير، وعشاءك كالمعدم”. وربما يجدر بك أن تضع قفلا على ثلاجتك طوال الليل.
اقرأ أيضا:
ممارسة 40 عملية ضغط يوميا تحمي القلب