الباحثون السوريون)
عندما كنت صغيراً شاهدت في أحد برامج الأطفال –السندباد على ما أعتقد- إجابةً مختصرةً عن هذا السؤال وهي ثلاثة أيامٍ دون ماء و 30 يوماً دون طعام. حسناً، إنها محاولةٌ جيدةٌ بالنسبة لبرنامج أطفال لكن ليست مناسبةً كطرحٍ علمي. وفي الواقع، لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال بدقة إذ ينقصه بعض التفاصيل، فالحالة الصحيّة للإنسان ووزنه والطقس كلها تلعب دوراً في المدة التي نستطيع أن نقضيها دون الطعام أو الشراب. لكن ما أستطيع أن أجيب عنه بسرعةٍ دون السؤال عن تفاصيل الطقس والوزن وما إلى ذلك هو أن تجريب الامتناع عن الطعام (طالما الماء موجود) أمرٌ ممكن لكن لا أنصح أحداً بتجريب الامتناع عن الماء، ورغم ذلك سأخبركم أعزائي القراء بالفترة التي يمكن أن يتحمل فيها جسمنا الامتناع عن الطعام أو الماء..
عندما نتحدث عن الامتناع عن الطعام يتبادر إلى الذهن فوراً صورة الزعيم الهندي الراحل "غاندي"، الذي صام عن الطعام 21 يوماً وهو في خريف حياته عن عمرٍ يناهز السبعين بل وأكثر، وكذلك لدينا إضرابات السجناء وغيرهم. والآن نعود إلى سؤالنا، كم يستطيع الإنسان البقاء دون طعام؟ هناك شبه إجماعٍ بين الأطباء أن الإنسان الذي يتمتع بصحةٍ جيدةٍ يستطيع البقاء دون الطعام لـ 8 أسابيع، ومع ذلك، بعض الناس قد يبقون بحالةٍ صحيةٍ جيدةٍ لأكثر من ذلك. وعلى النقيض، قد يموت آخرون في أقل من هذه الفترة. لماذا هذا الاختلاف يا ترى؟!
ذلك مرتبطٌ بعدة عوامل، كالعامل النفسي (الإرادة)، ولدينا أيضاً كمية الدهون في الجسم -حيث أنها كلما زادت، زادت القدرة على البقاء- ومَرَدّ هذا الأمر إلى أن الجسم يخزن الطاقة اللازمة لعمله على شكل سكرياتٍ ودهونٍ وبروتينات. فعندما يمتنع الإنسان عن الطعام يبدأ استهلاك السكريات أولاً، ثم بعدها الدهون (وكما قلنا، كلما ازدادت زادت فترة البقاء)، وأخيراً البروتينات. ولا أكتمكم سراً، إن حصل وجربتم الامتناع عن الطعام ووصلتم إلى حد استهلاك البروتينات فإنكم ستكونون في وضعٍ لا تُحسدون عليه فلن تكون أجسادكم بصحةٍ جيدةٍ.
عاملٌ آخر مهم هو معدل الاستقلاب، لكن ما هو الاستقلاب metabolism ؟ إنه العمليات التي تتحول فيها الأغذية إلى طاقة، فكلما قل هذا المعدل قل تحول المواد الغذائية المخزنة إلى طاقة وبالتالي يُحتَفظُ بها لفترةٍ أطول (وبالتالي فترة بقاءٍ أطول دون طعام). وعلى أي حال، فإنّ معدل الاستقلاب سيقل تلقائياً بمجرد الامتناع عن الطعام.
ماذا لدينا أيضاً؟ الطقس، وفي هذا السياق لدي أخبارٌ جيدةٌ وأخرى سيئة. السيئة هي أن الطقس الحار أو البارد سيسرعان كلاهما في القضاء عليك في حال امتنعت عن الطعام، فالحرارة العالية تعني تجفافاً أسرع (فقدان الماء) والبرودة الشديدة تعني معدل استقلابٍ عالياً لتأمين الحرارة الكافية بغية الحفاظ على حرارة الجسم ثابتة (37 درجة مئوية) . وبالنسبة للأخبار المفرحة، فإن من سيمتنع عن الطعام بفرض أن الحرارة كانت كما وصفنا (شديدة الارتفاع أو الانخفاض) فإنها ستقضي عليه دون أن يعاني من آلام الجوع، ربما يفضل البعض تسمية هذه الأخبار بشديدة السوء بدل جيدة.
ولأخذ العلم، فإنّ أعراض الامتناع عن الطعام لعدة أيام تتمثل في الضعف والتشوّش والإسهال المزمن والانزعاج وعدم القدرة على اتخاذ القرارت وفقدان الرغبة الجنسية والضعف في الجهاز المناعي.
أما في حال استمر الامتناع عن الطعام لفترة أطول فإن أجهزة الجسم ستبدأ بالتوقف عن العمل وتبدأ أعراضٌ أشد في الظهور مثل الهلوسة وتشنج العضلات واضطرابٍ في ضربات القلب…
لقد تحدثنا عن الامتناع عن الطعام أما عن الماء فهذا شيءٌ آخر تماماً..
كما ذكرنا، فإن الإنسان قادرٌ وسطياً على الامتناع عن الطعام لأسابيع، لكن طفلاً محبوساً في سيارةٍ حارةٍ أو شخصاً قام بنشاطٍ جسديٍ شديدٍ جداً في الحرارة دون التزود بالماء (تعويض الماء الذي يخسره الجسم بسبب العمل المجهد أو الانحباس داخل السيارة) إن هؤلاء الأشخاص معرضون للموت بعد عدة ساعاتٍ فقط..
إنّ الماء أساسيٌ للحياة، ونحن نخسره عن طريق التعرق أو التبول أو التبرز وحتى التنفس، وقد يخسر الشخص البالغ حوالي 1.5 لتر من الماء في الحرارة نتيجة التعرق في الحرارة الشديدة، وأشد أخطار الامتناع عن الماء في الحرارة هو ارتفاع درجة حرارة الجسم وبالتالي الإصابة بـ" ضربة حرارة heat stroke " .
وكما ذكرنا أعراض الامتناع عن الطعام فإليكم أعراض الامتناع عن الماء:
الأعراض التي ترافق التجفاف القليل (حالة غير شديدة من التجفاف) هي: نقص اللعاب وقلة عدد مرات التبول ونقص كمية البول واغمقاق لونه وشدة رائحته. أما الأعراض التي ترافق التجفاف المعتدل فهي: انخفاضٌ زائدٌ في البول وجفاف الجلد وتسارع ضربات القلب، وتصبح العينان غائرتين. أما الأعراض المترافقة مع التجفاف الشديد فهي: انعدام البول والإسهال والتقيؤ والخمول.
بعد ذلك كله فإن آخر مرحلةٍ من التجفاف تتميز بتحول لون الجلد إلى الأزرق الرمادي إضافةً إلى برودة ملمسه وذلك ناجمٌ عن انخفاض ضغط الدم.
لكن مهلاً، لم أجبكم عن السؤال الأساسي، كم نستطيع الامتناع عن الماء؟ يستطع الإنسان حال كونه في حالةٍ جيدةٍ وليس في حرارةٍ عاليةٍ أو منخفضةٍ وبافتراض أنه لن يقوم بأعمالٍ شاقةٍ، يستطيع الامتناع عن الماء لفترةٍ تتراوح بين 3-5 أيام، وربما يستطيع من هم بصحةٍ أفضل أن يصمدوا أكثر.
لكنني لا أنصحكم بالتأكيد أن تحاولوا الامتناع عن الماء لأكثر من 24 ساعة.