الهواتف الذكية.. فخٌ يفاقم الوحدة ويعزز شعور الانتحار
- شعور المراهقين بالوحدة والانعزال ازداد كثيراً بين العامين 2012 و الـ2019
- الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي ساهمت إلى حد كبير في تعزيز تلك المشاعر
- الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين تتأثر كثيراً بسبب ما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي
مع عودة الطلاب إلى المدرسة في الأسابيع المقبلة، سيكون هناك اهتمام وثيق بصحتهم النفسية، وستُعزى العديد من المشكلات في هذا الإطار إلى جائحة “كورونا”.
ومع هذا، فإنه من الضروري جداً النظر إلى الوراء قليلاً وتحديداً حتى العام 2012، وذلك عندما بدأت معدلات اكتئاب المراهقين والانتحار بالارتفاع بشكل حاد. وبحلول العام 2019، أي قبل تفشي الوباء مباشرة، فقد تبيّن أن معدلات الاكتئاب بين المراهقين قد تضاعفت تقريباً.
ويقول علماء في مجال علم النفس، أنه عندما بدأوا في رؤية هذه المعدلات المتصاعدة لأول مرة، شعروا بالحيرة. فعلى مدى السنوات الماضية وخصوصاً قبل نحو 10 أعوام، كان الاقتصاد الأمريكي يتحسن باضطراد، لذلك لم يكن اللوم يقع على المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الركود العظيم في العام 2008.
وبعد تدقيق أكبر، بات هناك شكّ بأن هناك أمراً أساسياً ساهم بمفاقمة معدلات الاكتئاب والعزلة والانتحار المثيرة للقلق، وهو يتعلق بالهواتف الذكية بشكل عام وبوسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص.
واكتشف عالم النفس جين إم توينجي أن العام 2012 كان أول عام يمتلك فيه غالبية الأمريكيين هاتفاً ذكياً، وبحلول العام 2015، فقد تبين أن ثلثي المراهقين فعلوا ذلك أيضاً. ومع هذا، كانت هذه أيضاً الفترة التي انتقل فيها استخدام الوسائط الاجتماعية من اختياري إلى واسع الانتشار بين المراهقين.
إلى ذلك، اكتشف عالم النفس جوناثان هايدت أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية تغيرت بشكل كبير من عام 2009 إلى عام 2012. ففي العام 2009 ، أضاف فيسبوك زر الإعجاب، وأضاف تويتر زر إعادة التغريد، وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، اكتشف الباحثون أن المنشورات قد اكتسبت قدرة تؤثر على المشاعر، أي أن الاقبال عليها ومدى استقطابها للناس ينعكس على شخصية ونفسية الناشر.
وعلى مدى السنوات الماضية، ازدادت شعبية تطبيق “انستغرام”، وكان له تأثير قوي وبارز على الفتيات والشابات بشكل خاص. ولأعوامٍ عديدة حتى الآن، يقول بعض الخبراء إن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي تضر بالمراهقين بينما رفض آخرون هذه المخاوف باعتبارها مجرد ذعر أخلاقي آخر، لا يختلف عن تلك التي صاحبت وصول ألعاب الفيديو والتلفزيون وحتى الكتب المصورة.
وإحدى الحجج القوية التي طرحها المشككون هي: لقد تم اعتماد الهاتف الذكي في العديد من البلدان حول العالم في نفس الوقت تقريباً، فلماذا لا يعاني المراهقون في جميع هذه البلدان من مشاكل الصحة العقلية كما كان الحال مع الأمريكيين؟ أين الدليل على ذلك؟.
وعملياً، فإن هذا سؤال تصعبُ الإجابة عليه لأنه لا يوجد مسح عالمي للصحة النفسية للمراهقين مع بيانات قبل العام 2012 التي ما زالت قائمة ومعتمدة حتى الوقت الحاضر.
وفي بحث نُشر للتو في مجلة “Adolescence”، جرى الإبلاغ عن أنه في 36 من أصل 37 دولة، ازداد الشعور بالوحدة في المدرسة منذ العام 2012.
وجرى تجميع 37 دولة في 4 مناطق جغرافية وثقافية، ووجد الباحثون نفس النمط في جميع المناطق: كان الشعور بالوحدة لدى المراهقين مستقراً نسبياً بين عامي 2000 و 2012 ، حيث أبلغ أقل من 18% عن مستويات عالية من الوحدة. إلا أنه في السنوات الـ6 التي تلت العام 2012، ارتفعت المعدلات بشكل كبير، إذ تضاعفت تقريباً في أوروبا وأمريكا اللاتينية والبلدان الناطقة باللغة الإنكليزية، وارتفعت بنحو 50% في دول شرق آسيا، وفق ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز“.
وتشير هذه الزيادة العالمية المتزامنة في عزلة المراهقين إلى سبب عالمي، والتوقيت مناسب للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي لتكون من المساهمين الرئيسيين في ذلك.
ومع هذا، فقد سعى العالمان النفسيان جين إم توينجي وجوناثان هايدت للحصول على بيانات حول العديد من الاتجاهات العالمية التي قد يكون لها تأثير على الشعور بالوحدة لدى المراهقين، بما في ذلك الانخفاض في حجم الأسرة، والتغيرات في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة عدم المساواة في الدخل وزيادة البطالة، بالإضافة إلى المزيد من الوصول إلى الهواتف الذكية والمزيد من ساعات الإنترنت. وفعلياً، فقد كانت النتائج واضحة: فقط الوصول إلى الهواتف الذكية واستخدام الإنترنت زاد من الشعور بالوحدة لدى المراهقين، في حين كانت العوامل الأخرى غير مرتبطة بشكل مباشر بذلك.
ولا تثبت هذه التحليلات أن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي من الأسباب الرئيسية لزيادة الشعور بالوحدة لدى المراهقين، لكنها تُظهر أن العديد من الأسباب الأخرى أقل معقولية. كذلك، فقد تبين أن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تؤثر على المجموعات. فعندما تجلس مجموعة من الأشخاص في كافتيريا على سبيل المثال، فإنّه من غير المعقول أن ترى الجميع يركزون مع بعضهم البعض. فسترى حكماً أشخاصاً يحملون الهاتف الذكي ويتصفحون مواقع التواصل، حتى أن الإشعارات تقطع الحديث القائم بين المجموعة.
وعادة ما يميل المراهقون إلى مواقع التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى للحصول على دعمٍ من الأقران، كما أن نسبة الاستقطاب للمنشورات تؤثر على الصحة النفسية لديهم.
وبشكل أو بآخر، فإن التنمر الالكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي والذي يتعرض له المراهقون، سيؤدي بشكل كبير إلى تفاقم الاكتئاب ويعزز الشعور بالوحدة والانعزال، وقد يقود ذلك نحو الانتحار.
ما الذي يمكن فعله؟
لا يمكننا العودة بالزمن إلى ما قبل عصر الهواتف الذكية، ولا نريد ذلك، نظراً للفوائد العديدة للتكنولوجيا. ومع هذا، فإنه يمكن اتخاذ بعض الخطوات المعقولة لمساعدة المراهقين في الحصول على المزيد مما يحتاجون إليه.
وتتمثل إحدى الخطوات الهامة في منح الأطفال فترة طويلة كل يوم لا تشتت انتباههم بسبب أجهزتهم، ويتمثل ذلك في اليوم الدراسي. وفي الواقع، قد تكون الهواتف مفيدة للوصول من وإلى المدرسة، ولكن يجب إغلاقها أثناء اليوم الدراسي حتى يتمكن الطلاب من ممارسة الفن المفقود المتمثل في إيلاء الاهتمام الكامل للأشخاص من حولهم بما في ذلك معلميهم.
أما الخطوة الثانية المهمة فهي تأخير الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي. في الوقت الحالي ، يكذب العديد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 11 عاماً بشأن أعمارهم لفتح حسابات، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مواكبة فعالة من قبل الأهل.
شاهد أيضاً: وسط كثرة الإختراقات الرقمية.. كيف تحافظ على سرية بياناتك في الإنترنت؟