درّس مروان موسى السينما في روما
- شكلت “البوصلة ضاعت” مرحلة فارقة لدى مروان موسى
- استمتع مروان باللعبة في وقت لم تكن فيه حسابات للمشاهدات
منذ انتقال الراب عام 2018 من مجال محدود إلى مجال واسع يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة، نجحت في زعزعة استقرار عالم المهرجانات، وتقديم ما هو أكثر ملاءمة لأذواق الشباب، بكلمات والحان تحمل قدرًا كبيرًا من التعبير والفن والثقافة وبمقدار من التنوع المطلوب. حتى استقرت أسماء من اللحظة الأولى مثل “مروان بابلو” و”ويجز”، ودائمًا ما تجد الحديث يدور حولهما، وكثيرًا ما يختزل الراب عمومًا في هذين الاسمين، من باب الاستسهال كما هو الحال في زمن “الكوبي بيست”.
لكن هناك أسماء أخرى لديها بصمة وأدوات ممتازة، ولم يستقر لها الوضع من البداية، ولم تساعدهم الظروف في الصعود الفوري، بل وتطلب الأمر جهدًا كبيرًا خلال السنوات الماضية للوصول إلى القمة، واحتلال مكانة مميزة وتحقيق شهرة واسعة بين الجمهور في ظل منافسة شرسة وزحف الكثير من الشباب نحو عالم الراب الذي أصبح الآن يتمتع بالشعبية والوجاهة والثراء أيضًا، وانتزع مكانه في إعلانات التليفزيون وأغنيات المسلسلات والأفلام وصولا للافتات الضخمة على الكباري والمنشآت.
من بين هذه الأسماء التي جاءت من بعيد “مروان موسى“، وأصبح من المشاهير الذين يتم الاستعانة بهم في إعلانات شركات الاتصالات وأغاني الأفلام وغيره.
الرحلة تبدأ في روما
لم يصعد مروان موسى من اللحظة الأولى مع الذين شكلوا موجة الانتقال من الظل إلى النور، الذين كسروا الحواجز بمقاربات ما بين ألحان الراب والمهرجانات مثل “الجميزة” لمروان بابلو و”دورك جاي” لويجز، بل كان يتحسس طريقه، ويعد خطته للوصول والتي ستستغرق وقتًا أطول، ولكن بالتأكيد أمتع.
عاد مروان موسى من دراسة السينما في روما، بدأ تجاربه في الموسيقى، ليكتشف الطريق الذي سيكمل الرحلة، تواصل مع أبي يوسف “أبيو” أهم رابر في تلك المرحلة، الذي دعمه بدوره مثلما دعم العديد من شباب الموجة الجديدة في تلك الفترة، في فترة لعب فيها دورًا هامًا في التمهيد لهذا الجيل، في مرحلة الوسط التي لم يكن فيها الراب يتمتع بتلك المكانة وهذا الانتشار، وقدما سويًا تراك “لأ مفيش” وقام مروان بتوزيع بغبغان لأبي يوسف عام 2017.
دعم “أبيو” مروان، ووجد مروان نفسه وموهبته في الراب وفي الموسيقى، القريبين بطبيعة الحال من السينما، الراب قائم على التجربة الذاتية، والموسيقى تستطيع وضع كل التصورات والمشاهد والكادرات عن طريق الالحان والنغمات والإيقاعات، ولكن بطريقة أصعب، وأكثر تكثيفًا من فيلم يمتد لساعة ونصف أو ساعتين، بل عبارة عن كبسولة تعطيك الإجابة في دقائق معدودة.
لعبة الفن والحرية
في تلك الأثناء في الفترة من 2016 أو قبلها بقليل بدأ مروان في تقديم نفسه وأفكاره من خلال مجموعة أغنيات كان العامل المشترك فيها هو قدرته على التعبير عن نفسه، وإتقان لعبة الراب وإظهار قدراته في الاسترسال واللعب بالكلمات والقوافي بحرية، والتمرد على كل الثوابت، ولا بأس لو جاء الطرح سرياليًا، تلك فترة البدايات التي يقوم فيها بتفريغ الذاكرة والخبرات وتسوية الأفكار، مرحلة لا بدَّ منها، لكنها كشفت عن امتلاكه لموهبة حقيقية، مرحلة الراب في صورته الخام، والتمكن من الأدوات، وهي مرحلة كان آخرها البوم عام 2017، كان مروان وقتها يجرب دون حسابات معقدة وبشكل واضح، وهو ما جعله في تراك “ماسبيرو” يطرح تساؤلا هامًا.
“سؤال، ينفع الفن يكون فن لو هو تجاري؟”
استمتع مروان باللعبة في وقت لم تكن فيه حسابات للمشاهدات، ولا الركض خلف التريندات ومتطلبات السوق، تعلم واستفاد واكتسب أرضًا صلبة اختبر عليها قدراته، وتعرف عليه جمهور الراب الحقيقي “المحدود” وقتها.
راب صادم للجمهور
انتهت مرحلة الحرية والشهرة المحدودة، وجاءت 2018 بنقلتها المعروفة، وبدأ الراب بشكل جديد، وبدأت جماهيريته تتزايد، وقاعدته تتسع، وبدأت أغاني الجيل الجديد من (الرابرز) تعرف ملايين المشاهدات، جزء منها جاء عن طريق السخرية والاستغراب من صفحات الكوميكس من الجمهور العادي الذي تفاجأ بموسيقى التراب والمهرجانات التي دخلت على الراب ومعها كلمات وطريقة غناء غريبة وغير مألوفة، فالجمهور العريض في مصر آخر ما سمع عن الراب كان في التسعينيات وأوائل الألفينات، وقت الراب الهادف كما يسمى، راب يناقش وينتقد المشكلات المجتمعية، وكان آخر عهدهم بالانفتاح والتحدي في الكلمات في أوائل الألفينات وقتها كانت أغنية “أمي مسافرة” لفريق (إم تي أم) الذي قدم البومين واختفى بعدها لسنوات، لكن الآن الجمهور يصطدم بــ (باظت) و(الجميزة) وصولا “لجاي وفي إيدي الرضعة”.
كان هذا الأمر بالنسبة للراب شرًا لا بدَّ منه، المهم أن يعبر الراب للجمهور من أوسع الأبواب، وهو ما حدث بالفعل، ولم يكن لمروان موسى في تلك النقلة وقتها نصيب مباشر، كان لا يزال محافظًا على هدوئه في تلك المعركة، لكنه بدأ يتحرك شيئا فشيئًا وأصبح على وعي بمتطلبات المرحلة، وخدمته مسالة التأخر نسبيًا لأنه ظل يقدم وقتها “تراكات” لها طابع أكثر فنية وبجودة عالية، وأكثر حفاظًا على شكل الراب الكلاسيكي، ولم يسقط في فخ التريند السلبي وقتها، لكنه انفتح شيئا فشيئًا على العالم الجديد، فقدم “فرعون” التي نجحت نجاحًا كبيرًا و”البوصلة ضاعت” التي يعتبرها البعض أفضل ما قدم مروان على الإطلاق وأحد أهم وأفضل تراكات الراب في السنوات الأخيرة.
ابتكار جديد للحن الشرقي
شكلت “البوصلة ضاعت” مرحلة فارقة لدى مروان موسى، هو نفسه يعتبرها أغنيته المفضلة، كانت فارقة على عدة مستويات، على مستوى جو الأغنية القابض الكئيب الذي نجح في التعبير عن حالة الإخفاق لدى البعض، خصوصًا من الشباب، والأهم كان المزج في اللحن بين الشرقي والغربي، لأنها من المرات القليلة التي نسمع فيها الإيقاعات الشرقية في أغنية حزينة، فما تقدم مع من سبقوه كان استخدام لكونها موسيقى المرحلة الراقصة، لكن مروان أتى هنا باستخدام جديد ومزج مختلف.
كانت البوصلة مرحلة فارقة لدى مروان، جزء هام من شخصيته في الراب بالإضافة إلى مظهره بعينيه الخضراوين وشعره الأصفر وشخصيته المستعارة من ثقافته التي اكتسبها في رحلة الدراسة والسفر للخارج.
لكنه استطاع البناء عليها في عالمه الخاص في الراب كرمز لرحلته في الحياة، وقدم تنويعات مختلفة بناء على فكرة البوصلة، كذلك استطاع البناء عليها بعد ذلك للتقدم عدة خطوات للأمام.
بعد البوصلة دخل مروان مرحلة أكبر وأوسع، وكان عليه أن يستثمر النجاح، عن طريق توسيع قاعدة المتابعين والجمهور، وهو ما تطلب السير في طريقين متوازيين، الأول تقديم كليبات ناجحة ومبهرة تستطيع جذب الشباب وحصد عدد كبير من المشاهدات، وهو ما نجح فيه بالفعل، من خلال “شيراتون” عام 2020 الذي نجح في حصاد عشرين مليون مشاهدة، وبعدها في 2021 قدم “تيسلا” الذي تخطى 22 مليون مشاهدة حتى الآن.
أما الطريق الثاني، طريق الإعلانات والتعاون مع فنانين آخرين، حيث قدم مروان عدة إعلانات وثنائيات ناجحة، منها عدة إعلانات لشركات الاتصالات، وإعلان لإحدى الألعاب الإلكترونية بالتعاون مع (الرابر) المغربي عصام، والأغنية الرسمية لكأس العالم لكرة اليد في مصر بالتعاون مع تامر حسني، وإعلان مع الكينج محمد منير وكايروكي، ودويتو مع الكابو حميد الشاعري، ولا ننسى في السياق نفسه ثنائيته الناجحة مع عفروتو من عام 2018 منذ أن قدما سويًا “أنا متفائل” وبعدها العديد من الأغنيات الناجحة.
بالإضافة إلى أغنيتين صدرتا قبل أيام بالتعاون مع كوكاكولا استوديو. الأمر يوضح أن مروان يعمل وفقًا لخطة، ولكن هل نجحت الخطة؟
أعتقد أنها نجحت بالفعل، وجاء تتويج هذا النجاح من بداية من هذا العام الذي احتل فيه مروان الساحة بأربع البومات مصغرة كان آخرها من أيام.
هل تفوق مروان موسى على ويجز وبابلو هذا العام؟
أغلب الأمور في الحياة نسبية، خصوصا الفن، الآراء تختلف، الاختلاف والتعدد هنا أمر صحي، والراب له خصوصيته وكذلك جمهوره، يحبون أن يستمعوا طوال الوقت إلى الجديد من نجمهم المفضل، ولكل رابر أفكاره، وفيما كان ظهور مروان بابلو وويجز هذا العام خافتًا أو قليلًا قدم مروان موسى أربع البومات مصغرة حملت عشرين أغنية، وجاءت الالبومات كالتالي “بيني وبينك” “كايرو كازا” “عقد احتراف” و”فلوريدا دارك مود”.
شهدت الألبومات الأربعة تنوعًا كبيرًا ما بين تراكات الحب في “بيني وبينك” والتجارب الشخصية القريبة للراب في “كايرو كازا” واللون الشبابي الرائج في الالبومين الأخيرين.
المثل يقول البعيد عن العين بعيد عن القلب، ومروان كان قريبًا بما يكفي هذا العام وبتنوع كبير تلاشى فيه العيوب أو الانتقادات التي وجهت له في البوم فلوريدا، قدم هذا العام أشكال موسيقية متنوعة حتى إنه قام بتوزيع البوم كايرو كازا بالكامل في المغرب، وقدم اللون الشعبي في “حدوتة الماني” من مقام البياتي، استطاع مروان التفوق هذا العام بالتواجد على الساحة طوال العام تقريبًا، فهل سيستطيع المواصلة بهذه القوة أم سيختلف مشهد الراب العام القادم وسيظهر نجم آخر يستحوذ على إعجاب الجمهور؟