أخبار الآن | إسطنبول – تركيا (جابر المر)
توفي اليوم المخرج السينمائي السوري نبيل المالح "1936" في أحد مشافي دبي، حيث يقيم منذ أعوام إثر خروجه من دمشق بعد اندلاع الثورة السورية. الخبر الذي حفر في نفوس الفانين السوريين والعرب عموما، لما عرف عن المالح من نبل تجاه مهنته وبلده وثورته.
نبيل المالح والسينما السورية
عرف نبيل المالح كمخرج أفلام روائية هامة، وكان من بين قلة قليلة من المخرجين الذين صنعوا هوية السينما السورية، ولعل شهرة أفلامه الطويلة التي نالت العديد من الجوائز الهامة في مهرجانات سينمائية عربية وعالمية، خلال الخمسين سنة الماضية، قد عتمت بشكل أو بآخر على إبداعه في مجال الأفلام الوثائقية والقصيرة التي صنعها نبيل المالح بكثير من الحب والشغف. درس "المالح" السينما على حسابه الخاص في تشيكوسلوفاكيا. حيث حاز على ماجستير في الإخراج السينمائي والتلفزيوني في معهد السينما بمدينة براغ، ليقوم لاحقا بتدريس مادة الإخراج السينمائي والسيناريو في العديد من الجامعات ومن بينها جامعة السينما في أوستن-تكساس وجامعة السينما في لوس أنجلوس- كاليفورنيا.
وفي بلد قليل الإنتاج السينمائي، يعتبر المالح من أصحاب الأرقام القياسية في عدد الأفلام التي أخرجها، بين روائي وتسجيلي، أكثر من مائة وخمسين فيلماً سينمائياً هي خلاصة أعمال المالح، وهو تقريباً ظل حتى النفس الأخير من حياته ممتلئاً بمشاريع سينمائية، حيث عرض أخيرا في دبي فيلمه "ع الشام ع الشام" الذي بقي حبيس المنع من العرض لمدة ستة أعوام، وما أن خرج الفيلم إلى النور بعد الثورة السورية حتى كان واحدا من أهم الوثائق على أسبابها، والمناخ الذي أدى إلى اندلاعها.
أجيال عديدة من متابعي السينما في سوريا تذكر جيدا أفلام نبيل المالح وتكاد تحفظها على قلتها، كفيلم "رجال في الشمس" المأخوذ عن رواية غسان كنفاني بنفس العنوان، وفيلم "الفهد" وفيلم "الكومبارس" الذي يعتبر نسخة عن واقع الحياة الفقيرة والسجينة في دولة البعث، حيث قدم المالح فيلما مهما بأبسط التكاليف.
يقول السينمائي الشاب أحمد سالم: "كان المالح من أكثر المخرجين السوريين الذين أحاول بناء تجربتي مستمدا مما قدموه لي كتاريخ سينمائي سوري، للأسف رحيل المالح خسارة لا تعوض للسينما السورية فجميعنا يعلم كم ينقصنا مخرجين بهذا الحجم من الاحتراف والالتزام والأخلاق".
نبيل المالح والثورة السورية
كان للمالح موقفه الواضح مما يجري في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، فوقف علانية ضد النظام الذي عمد إلى قمع الثورة بعنف غير مسبوق، وعبر المالح عن ذلك في العديد من اللقاءات التلفزيونية بعمق.
نضال "المالح" ورأيه الحر الذي قاله ضد النظام، قاله أيضا بوجه المعارضة "السياسية" السورية، لكن بكل ود ودون أن يتطاول على ثورة أحد، فقد اعتبر أن شخوص المعارضة السورية ربيت وعاشت في كنف النظام وهي تحمل بعضا من جيناته، لابد لهم أن يتخلوا عنها، وإلا سيخسرون ثقة الناس التي تدفع الأثمان على الأرض، ولن يكسبوا عدا تخوينهم.
"سامي العز" أحد أصدقاء نبيل المالح يخبرنا التالي: "نبيل المالح ابن جيل عُرف بالمعارضة حتى فيما قبل اندلاع الثورة السورية، وهذا ما تخبرك عنه أفلامه حين تشاهدها، لذلك يصعب الوصول إلى منتجه السينمائي فلا يكاد المرء يعرف أكثر من عشرة أفلام للمالح في الوقت الذي أخرج فيه أكثر من مائة وخمسين فيلما، حاله حال المخرج الراحل عمر أميرلاي، الذي عرفت الناس انتاجه بعد وفاته بسبب الثورة وتوفر اليويتوب".
مع موت المالح، وقبله عمر أميرلاي، تنهي سوريا عهدا سينمائيا ملامحه قالت أنه عهد "كمّ الكاميرات والأفواه" وإذ يخسر السوريون اليوم مناضلين سينمائيين كبار ومؤسسين، ينتظرن بأمل مخرجين شباب يتابعون المسيرة ويتطورون فيها، خاصة أن الرقيب قد زال مع اندلاع الثورة، وأن الإمكانيات باتت أكبر مما سبق بكثير.