أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (صحيفة القدس)
كما تعتبر الفنون على اختلافها، منبعاً أساسياً لانطلاق الثورات، تشكل الثورات مصدراً مهما يستوحي منه الفنانون إبداعاتهم، ومن بين هؤلاء، الرسامة السورية فداء الوعر.
وهي شابة حولت نزوحها من معاناتها مع بطش النظام السوري، إلى حالة تستلهم منها لوحاتها الزيتية المعبرة، والتي خطت عبرها الثورة السورية بأجمل تجلياتها.
على طول الحائط في شقة متواضعة داخل بلدة وادي الجاموس في منطقة عكار، شمالي لبنان، تعلق «فداء الوعر» رسوماتها، والتي تمثل مجموعتها «الثورية» التي جسدت من خلالها الحرب السورية وآفاتها.
ورسمت «فداء» الدمار، القتل، التشرد، واللجوء، لتنقل بريشتها الوجع السوري، القهر والمرارة، والغضب المتمثل بأعين امرأة ثبتت نظرها على أرتال الدبابات القادمة نحوها من دون خوف. وتعيش فداء، إبنة الـ27 ربيعاً، مع ريشاتها، وألوانها، وأوراقها نحو 6 ساعات متواصلة يوميا.
وتقول فداء «لا أمُلّ من الرسم، ففيه وجدت روحي الضائعة، إنه المتنفس الوحيد لي». وتجلس على الأرض قرب النافذة، تستعيد ذكريات ومشاهد رأتها عند مغادرتها ريف حمص (وسط سوريا) قسراً، تسكبها جميعها على الورقة، فتتحول إلى لوحات تعبر عن واقع الحال السوري، أكثر مما تفعل التسجيلات المصورة المنتشرة على وسائل التواصل الإجتماعي، وشاشات التلفزة. ووفق الرسامة فداء فإن «الثورة ساهمت في صقل موهبتها الفنية».
وتقول «اكتشف أهلي موهبتي في الرسم، مذ كنت طفلة في المدرسة وساعدوني على تنميتها، إلى أن رسمت نحو 300 لوحة، شكلت مسيرة حياتي ومراحل تطور موهبتي، لكنني خسرتها، احترقت جميعها، كما احترق منزلنا وماضينا في سوريا».
وتضيف إنه «عندما هربت إلى لبنان كنت في حالة نفسية سيئة للغاية، وقف إلى جانبي الكثيرون، وأهمهم رسام لبناني، أهداني أدوات الرسم التي في حوزتي الآن، وشجعني على الرسم من جديد، وعدم الاستسلام للحرب وغوغائيتها، عدت إلى الرسم بعد حين، إلا أن الحرب ومآسيها لا تخرج من أفكاري».
وتوضح قائلة «تعمدت أن أنقل اللحظات الحميمة للسوريين، مهما كانت دلالاتها، بدلاً من محاولة تقديم صورة عامة عما يحدث في سوريا من صراع، أودى بحياة 130 ألف شخص وأسفر عن نزوح الملايين من ديارهم، وتدمير أحياء كاملة، فالخطابات والمباحثات الدولية بشأن الأزمة السورية، كفيلة بجعل الحرب مشهداً عادياً، والدمار المترافق مع القتل والموت مجرد أرقام».
ويطغى الحزن على لوحات فداء، فهذا طفل يمسح من عينه دمعة، وفي يده ما تبقى من لعبته الصغيرة. آخر يجلس في زاوية معتمة، بثياب ممزقة، يغطي وجهه براحة يديه متألماً، وعلى الأرض بالقرب منه بقايا صاروخ انفجر فيه رعباً، وحتى عندما رسمت فداء فتاة جميلة تعزف لحناً بالناي، انبعث أنين حزين من فستانها الأحمر، الذي جسد خارطة سوريا المتهادية على أكتاف جنود الثورة. هؤلاء الجنود عرفت فداء ثلاثة من بينهم.
وتفسر الرسامة السورية سبب الحزن الدائم في أعمالها الفنية قائلة «ثلاثة من إخوتي استشهدوا خلال سنوات الحرب الماضية، خسرتهم على جبهات القتال ضد النظام السوري».
وتضيف «غيابهم أثر على أجواء العائلة وجميع المحيطين بي، ولأنهم جميعاً أرادوا أن يرونني رسامة مشهورة يوماً ما، عدت إلى الرسم بعد فترة وجيزة من وفاتهم، لأحقق لهم ما أرادوا، حاولت أن أرسم أحدهم، لكن أصابعي خانتني، ولم تطاوعني مخيلتي على رسمه كما أريد، فعدلت عن الفكرة».
وتمضي قائلة «الآن أنقل وجع أبناء وطني بالريشة والقلم، فكما قاوم أشقائي بالسلاح، أنا أقاوم بالرسم».
وتضيف «لا شيء يعبر عن الثورة السورية كما تفعل الرسومات الحزينة، لأن لا شيء في الحرب جميل، كلها تراكمات حزينة تتركها الحرب بداخلنا، عندما تنتهي الأزمة وتنتصر سوريا، سيأتي الربيع الذي لطالما انتظرناه، وعندها سأرسم أجمل اللوحات، لوحات يفيض منها الفرح الذي يستحقه الشعب السوري».
ومنذ منتصف مارس/ آذار (2011)، تطالب المعارضة السورية بإنهاء نحو 45 عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات؛ ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين القوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم، خلّف نحو 220 ألف قتيل، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية سورية، فضلًا عن أكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.