قبل أن يمسح لبنان والوسط الفني دموعه على فقدان أسطورة لبنان صباح، ها هو اليوم يخسر الشاعر اللبناني سعيد عقل الذي يعتبر من أبرز الشعراء العرب المعاصرين عن عمر يناهز الـ 102 سنتين تاركاً إرثاً شعرياً وثقافياً.
ولد سعيد عقل عام 1912 في مدينة زحلة البقاعية. وقد لقِّب بالشاعر الصغير منذ طفولته. واعتبر سعيد عقل من أكبر الداعين إلى القومية اللبنانية. وساهم بصورة فعَّالة غداة حرب لبنان 1975 في تأسيس أهم الحركات السياسية المعروفة بدعوتها إلى القومية اللبنانية.
واستقر عقل في بيروت منذ مطلع الثلاثينيات، وكتب بجرأة وصراحة في جرائد "البرق" و"المعرض" و"لسان الحال" و"الجريدة" وفي مجلة "الصيّاد".
كما درّس في مدرسة الآداب العليا، وفي مدرسة الآداب التابعة للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، وفي الجامعة اللبنانية. ودرّس عقل أيضاً مادة تاريخ الفكر اللبناني، وألقى دروساً لاهوتية بعد تعمقه في اللاهوت المسيحي حتى أصبح فيه مرجعاً.
يذكر أن عقل درس أيضاً تاريخ الإسلام وفقهه. كما كتب شعر أغنية "غنيت مكة" التي غنتها السيدة فيروز. كما غنت فيروز عدة أغاني من شعر سعيد عقلها، أهمها: "زهرة المدائن" و"يارا" و"بحبك ما بعرف" و"أمي يا ملاكي".
ولسعيد عقل الكثير من المؤلفات الأدبية والشعرية، ترجم بعضها إلى الفرنسية والإنجليزية. وكان شعر سعيد عقل مفعما بالرمزية، وكانت قصائده خالية من التفجع، وكان شعره يتسم بالفرح ويخلو من البكاء.
وهو قال يوما: "في شعري شيء من الرمزية، لكن شعري أكبر من ذلك، يضم كل أنواع الشعر في العالم، هؤلاء الذين يصدقون أنهم رواد مدرسة من المدارس ليسوا شعراء كبارا، الشعراء الكبار هم الذين يجعلون كل أنواع الشعر تصفق لهم".
وكان شاعرا يؤمن بسلطان العقل، وهو وصل بالقصيدة العمودية الكلاسيكية إلى أعلى المراتب. غنى بالوطن، وتغنى بالمرأة بنبل وبعذوبة، ولم يكن غزله مبتذلا.
كان عقل من أنصار "القومية اللبنانية"، ويدافع بقوة عن "الخاصية اللبنانية"، ويدعو إلى استخدام اللغة العامية اللبنانية، معتبرا أن المستقبل هو لهذه اللغة، وقد أثارت مواقفه هذه جدلا كبيرا.
من دواوينه "قصائد من دفترها" و"رندلى" و"دلزى" و"أجمل منك؟ لا". وقد أصدر أيضا كتاب "لبنان إن حكى"، الذي يتطرق الى أمجاد لبنان بأسلوب قصصي، يتأرجح ما بين التاريخ والأسطورة. وأنشأ عقل سنة 1962 جائزة شعرية من ماله، تمنح لأفضل صاحب أثر يزيد لبنان والعالم حباً وجمالاً.
ويذكر أن مواقفه السياسية كانت مثارا للجدل عدة مرات في حياته، واليوم بعد مماته. حيث كان "عقل" إما قوميا عربيا و إما ضد القومية العربية بكل معانيها. وكان إما معاديا للقضية الفلسطينية. وإما كاتبا لقصيدة "زهرة المدائن" للقدس.
رحل سعيد عقل تاركاً الشعر اللبناني يتيماً، في وقتٍ أشارت العائلة إلى أنَّه سيتمُّ إعلان مزيد من التفاصيل عن مراسم الجنازة والدفن والتعازي عند الثانية من بعد ظهر اليوم من جامعة سيدة اللويزة- ذوق مصبح.