أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة
لا بد وأنك دخلت في يوم من الأيام إلى أي مشفى متطور، أو ارتدت عيادة طبيب مضطراً إلى علاج، ولا بد أنك عاينت الاهتمام الذي تتملكه صحة الإنسان في عصرنا الحديث، فعندما يتعلق الأمر بالصحة، يمكننا أن ننحي كل شيء جانباً منعاً للتفريط بها، فهي كنز قد لا تستطيع تعويضه في حال أهملتها ونسيت القيام بواجبك اتجاهها.
يسكنك شعور الطمأنينة عندما تجد الحرص الكبير على سلامتك الصحية وتقديمها على ما سواها في مشافي العصر الحاضر- في حال تغاضينا عن بعض الاستثناءات – فتشعر بعد الشفاء وكأنك قد ملكت روحاً جديدة.
ولربما تساءلت يوماً، كيف أمكن للعالم أن يصل إلى مثل هذا الكم الهائل من العلم والمكتشفات الطبية التي أصبحت تطرح أفكاراً لعلاج شتى الأمراض حتى الفتاك منها؟! وإن لم يتم الوصول إلى العلاج الناجح، تبقى المحاولات قائمة بمختلف الوسائل للتخفيف من شدة معاناة المرضى.
حسناً، لم يكن طريق الوصول إلى ما نحن عليه من التقدم الطبي سهلاً، كان مليئاً بالتجارب المخفقة، والأهم من ذلك، كان مليئاً في بعض العصور بالدجل، والأساليب القاتلة التي استخدمت باسم الطب، حيث استبدلت إبرة الطبيب المعقمة وأدواته الدقيقة، ببعض من الأدوات القاتلة بأيدي السفاحين اللذين ظهروا بمظهر الأطباء، كما كانت المعارف الطبية مجرد أوهام لا تمت إلى المنطق بصلة.
أريد أن أذكر لكم نبذة مما عانته البشرية قديماً من الممارسات الطبية القاتلة، كي أنقل إلى أذهانكم صورةً عن الماضي المريع مما سيبين لكم الفرق الحضاري الهائل الذي وصل إليه الناس اليوم، لاسيما في الطب!
1. النقب (حفر ثقوب في الجمجمة):
أي القيام بحفر ثقب في الجمجمة، غالباً بدون تخدير، وهو ما كان يعتبر من أفضل علاجات نوبات الصرع، إصابات الرأس، والاضطرابات العقلية! وتم القيام بهذه الحفر بواسطة أدوات مريعة، كان يُستخدم منذ حوالي 900 سنة.
2. الخطافات المعدنية والجراحة بطريقة (Back-door) لحصى المثانة:
تسبب حصى المثانة آلاماً شديدة، وعلاجاً لها تم استخدام خطافات معدنية صلبة لإدخالها في مجرى الإحليل (الطريق البولي) لتحريض تلك الحصى على الخروج.
3. علاج البواسير بالحديد الساخن:
في أغلب حالات البواسير الشديدة، يتم شقها واستنزاف بعض الدم منها ثم كيّها بالحديد الساخن، قد تبدو مؤلمة ولكنها في الحقيقة فعالة ومستخدمة في الطب الحديث، ففي العصور القديمة لم يُعرف المخدر، ولم يوجد الليزر الذي يمكن من القيام بهذه العمليات بفعالية تامة، حيث تم العمل كله بالحديد الساخن وبدون تخدير، وبذلك تستطيع أن تتخيل كم عانى المرضى في تلك العصور من الألم جراء هذا العلاج.
4. استخدام الهيروين كمضاد للسعال عند (الأطفال):
الهيروين الذي يعد من أخطر مسببات الإدمان في العالم، استُخدم كمضاد للسعال عند الأطفال، كما اعتُبر دواءً فعالاً لعلاج السل، فقد اعتقد العلماء حينها أن الهيروين الذي يتم استخراجه بواسطة المورفين لا يسبب الإدمان كما يسببه المورفين، وفي عام 1913 تم التخلي عن استخدامه بعد أن زخرت المشافي بدمني تلك المادة.
5. فصد الدم لعلاج الامراض:
أصدر الأطباء القدماء حكماً نظرياً يقتضي بأن جسم المرأة يتطهر دوماً من الأمراض من خلال النزف الدموي الذي يتمثل بالحيض، وبناء على ذلك تم استخدام فصد الدم (إحداث جرح ينزف من خلاله الدم) كعلاج لكثير من الأمراض، ووصل إلى حد استخدامه كعلاج لحب الشباب وعسر الهضم، وكان ذلك سبباً في موت العديد من المرضى، منهم الرئيس الأمريكي السابق (جورج واشنطن) بعد التهاب حلق شديد.
6. طريقة معول الجليد المخترق لحجرة العين:
كيف تعالج مريضاً نفسياً؟ كان الجواب البسيط لهذا السؤال في العصور الوسطى هو قطع جزء من الدماغ لإزالة العواطف الزائدة لدى المريض مما يساعده في تخطي محنته النفسية! وتم ذلك بواسطة معول جليدي صغير(قطعة طويلة من الجليد) تُدخل عن طريق جوف كرة العين (الحجاج)، بعد أن يصعق المريض كهربائياً كيلا يشعر بالألم، ويتم استئصال قطعة من الدماغ كعلاج، تم التخلي عنها على الرغم من نجاحها بعض الأحيان، إلى أن تم تصنيع المهدئات العصبية للعلاج النفسي.
7. علاج مرض الزهري بعدوى الملاريا:
تعتبر الملاريا إحدى الأمراض القاتلة كما هو حال الزهري، إلا أن الطبيب يوليوس فاغنر اكتشف في عام 1920 أن الحرارة المرتفعة التي تسببها الملاريا تقتل الجراثيم المسببة للزهري وتمنع من وصول ضررها إلى الدماغ، والعجيب أن الطبيب ذاته قد نال جائزة نوبل عام 1927 لذلك الاكتشاف!
8. حرمان الدماغ من السكريات:
في الأربعينات من القرن العشرين، قامت عيادات الصحة النفسية والألمانية منها خصوصاً بحرمان الدماغ من الغلوكوز (وقود الدماغ في عمله) لفترة معينة، ثم إيقاظ الدماغ بعدها بحقنة مفاجِئة من الغلوكوز مما يساهم في تحسين الشخصية علاجاً لمرض الانفصام الشخصي، إلا أنه كان علاجاً قاتلاً للأسف، حيث يتسبب ذلك النشاط الدماغي المفاجئ بأذية كبيرة في خلايا الدماغ.
9. حمية الدودة الشريطية لفقدان بعض الوزن:
كانت رغبة البعض في الأكل باستمرار دون اكتساب المزيد من الوزن سبباً في إشعال فكرة مجنونة هي استخدام الدودة الشريطية التي تتغذى على الأكل المهضوم في الأمعاء، فصار الناس يتناولون بيوض الطفيليات بملء إرادتهم، وكان ذلك سبباً في آثار سلبية كبيرة على الصحة، فضلاً عن تسبب الدودة بانتفاخ الأمعاء عكس الأثر المطلوب.
10. شراب الحلزون:
في قرون مضت، اعتُبرت المادة الصمغية الناتجة عن الحلزون من أفضل الأدوية التي استخدمها الناس لعلاج السعال، الضعف، الهزال، وغير ذلك، حيث كانوا يعتصرون صدفة الحلزون لتخرج منها المادة الصمغية التي اعتقدوا أنها تحوي جميع المواد “المفيدة” فيه، وليتهم اكتفوا بهذا فحسب، فقد كان بعضهم يصب تلك المادة الصمغية في أذنه كعلاج لآلام الأذن.
في الختام، لا أستطيع إلا أن أقول شكراً لكل من كان سبباً في تفادي تلك المهازل الطبية،
ولعلك عندما قرأت ما أوردت من علاجات قديمة ما حسبتها إلا مزحة من العيار الثقيل لوهلة من الزمن، إلا أن هذه الحقائق تبين لنا ضرورة الوعي والتفتح الفكري في كل عمل نقوم به، وأخص بذلك الطب، فلرُبّ خطأ بسيط يرتكبه أحد الأطباء، يكون سبباً في نشر فكرة خاطئة يمتد العمل بها زمناً، ولا نعلم ما يمكن أن تؤدي إليه من أضرار.