دبي، الامارات العربية،15 يناير،2014، آسية عبد الرحمن، جريدة القبس-
لأول مرة تتطرق كاتبة فرنسية للحياة الخاصة لأسامة بن لادن ،تفاصيل مثيرة تتطرق لها الكاتبة الفرنسية ديان دوكريه وتنشرها جريدة القبس الكوتية ،في سلسلة حلقات ،تحمل الكثير من المعلومات التي سيتعرف عليها القارئ لأول مرة .
في ما يلي ننقل لكم أبرز ما جاء في الحلقة الأولى والثانية ، على أن نوافيكم تباعا، بكل الحلقات.
بعيداً عن تنظيم القاعدة ونشاطه الدموي، وعن الهجمات الإرهابية التي ارتبطت باسم زعيم التنظيم كيف كان أسامة بن لادن يعامل زوجاته وأطفاله؟
كيف كان يقضي أوقاته معهم؟ ماذا كان يلقنهم وأين ؟، وكيف كان يعيش معهم رغم مطاردات أجهزة الاستخبارات العالمية له؟
أسئلة عدة طرحتها الكاتبة الفرنسية ديان دوكريه، التي حاولت رسم صورة غير معروفة، ومختلفة تماماً عن تلك التي يعرفها الجميع، عن هذا الرجل منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 حتى اصطياده واغتياله في 2 مايو 2011 في منزله في أبوت اباد الباكستانية.
أسامة بن لادن الزوج والأب ورب الاسرة تقدمه الكاتبة عبر هذه الحلقات التي تروي تفاصيل الحياة الخاصة، لرجل اصبح فجأة، الرجل الأشهر في القرن العشرين.. كل هذه التفاصيل نشرتها جريدة القبس الكويتية..
بسرعة تمكنت نجوى من إتقان إعداد الأطباق التي كان يفضلها أسامة الذي كان كثيرا ما يحب تناول الكوسا المحشية.. لقد كانت تبذل كل ما في وسعها من أجل إعداد أطباق صحية تمد أسامة بالطاقة خلال أيامه الطوال، فالشاب كان ما يزال في المرحلة الثانوية، حيث يصحو باكرا يوميا ليرتدي زي المدرسة ويتوجه إلى ثانوية الثغر التي أسسها الملك فيصل، كما كان يعمل أيضا في الشركة العائلية، حيث اشرف على أول مشاريعه حين كان في الثامنة عشرة من عمره، وقد أسندت إليه مهمة إدارة مشروع يقع على بعد بضع ساعات جنوب جدة، حين تخرج من الثانوية في عام 1976.
فوبيا الطائرات
كان بمقدور أسامة أن يتفادى المسافات الطويلة، باستخدام الطائرة، غير انه لم يكن يرغب أبدا في أن تذكر الطائرة أمامه منذ الحادث الذي أودى بحياة والده.. لقد كان يقود سيارته بسرعة كبيرة، وكان يقول لنجوى «لا تقلقي.. المشوار سهل ومن دون خطر، ولا تنسي أن والدي شخصيا من بنى هذا الطريق، إنها إذن الأفضل».
كانت النساء يجتمعن حول الشاي للحديث عن آخر أخبار الأسرة المالكة، ولقراءة القرآن والحديث عن الموضة أيضا.. وكانت نجوى خياطة ومصممة مبتكرة «كانت فساتيني جميلة وبسيطة، لقد كنت أنتقي الموديلات من المجلات، ثم ارسم التصميم على الورق قبل خياطته».
لكن مواد الخياطة كانت تسبب مشكلة كبيرة لنجوى، حيث لم يكن في وسعها الذهاب بمفردها إلى المحال لشرائها، ولهذا السبب كانت تكلف السائق اليمني بشراء هذه الحاجيات.
كانت أيام نجوى تمر بهذا الشكل إلى غاية وصول أسامة ليلا، حيث كانا يتبادلان الحديث إلى وقت العشاء.
أول حمل
تغير جسم نجوى كثيرا بعد عام من الزواج، فهذه المراهقة باتت تنتظر أول طفل لها وهي ما تزال في السابعة عشرة من عمرها.. تملّك الفرح قلب أسامة بسبب هذا الخبر، وكان يأمل في أن يرزق صبيا، بينما كانت نجوى تحلم بأن يرزقها الله بنتا «كنت أرغب أن تكون طفلة، حتى ترتدي الفساتين وأسرح لها شعرها».
مرت شهور الحمل التسعة، وحان وقت الولادة التي تمت في بيت العائلة، لكن الآلام الكبيرة التي عانت منها نجوى، دفعت أسامة إلى الجزم بأنها لن تلد في البيت مجددا «في المستقبل، ستلد نجوى أولادها في المستشفى».
ولد عبد الله بن لادن في عام 1976، وبعد بضعة أشهر فقط ولد شقيقه الثاني، بينما ولد طفل بن لادن الثالث في عام 1979.
كان الأب الشاب في الثانية والعشرين من عمره حينها، وكان يدرس المناجمنت والاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز.. لقد كان يغدق على نجوى ويلبي رغباتها بشكل كبير، مما جعلها تتأكد من انها احسنت صنيعا حين قبلت به زوجا «كم كنت اتمنى ان نعيش الى الابد تلك السعادة».
طاعة عمياء
لكن خلف هذه الشهادة، تكمن حقيقة اخرى، حيث تقول كارمن بن لادن الزوجة السويسرية لاحد اشقاء بن لادن ان الام الشابة كانت تعاني من ضغط عصبي كبير بسبب عدم توقف بكرها عن البكاء «لقد كان عطشان، وكانت نجوى تحاول اعطاءه الماء بواسطة ملعقة صغيرة، غير انه كان صغيرا جدا على ذلك».
وبينما كانت صغيرة كارمن ترضع بشراهة، اقترحت السويسرية على نجوى ان تعطيها الرضاعة، لكن هذه الاخيرة رفضت، وقالت لها بان الطفل لا يرغب في الماء.
وتقول كارمن ان إحدى شقيقات زوجها شرحت لها الموقف، وقالت لها بأن اسامة كان يرفض ان يستخدم طفله الرضاعة، وما كان على نجوى سوى طاعة أوامره.
تعبت نجوى كثيرا مع الطفل وفي الاخير استعانت بحلمة من الكاوتشوك لاسكاته، في ذلك الوقت طلبت كارمن من زوجها التحدث الى اسامة واقناعه بضرورة اعطاء الرضاعة للطفل، لكنه رفض.
1979.. والمفاهيم الجديدة
كان السفر إلى مكة لا يعني بالنسبة لأسامة تسلية زوجته، ففي بداية عام 1979، غير شيء ما مفهومه للسياسة: على شبه الجزيرة العربية أن تكون محمية من الغزاة، وتقول زوجته في هذا الشأن «لقد لاحظت ان مفهوما جديدا وأكثر اتساعا للعالم الخارجي، بدأ يشغل بال اسامة.. لقد أصبح يتذمر أكثر فأكثر من السياسة الدولية».
أحداث فارقة
لقد جرى الكثير من الأحداث التي كان لها بالغ الأثر على علاقة أسامة بالولايات المتحدة، فأثناء مغادرة الزوجين المطار، أخذ أحدهم بالتحديق في نجوى وقد هاله أمرها وهي تتوشح السواد من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها… لقد كان يحدق فيها بشكل لافت للانتباه، وعن ذلك تقول نجوى «تساءلت في قرارة نفسي ما الذي يفكر فيه زوجي، رمقته بعيني ورأيته يتابع بنظراته هذا الفضولي».
وأما صديقه خالد بطرفي فيقول ان العديد من الأشخاص التقطوا صورا للزوجين لكن رد فعل أسامة لم يكن منتظرا أبدا، حيث كان الزوجان يتحدثان عما جرى وعن عدم اطلاع الآخرين بثقافتهما.
هم أفغانستان.. والغزو السوفيتي
بعد زواجهما، اتفق أسامة ونجوى على عدم التطرق للمواضيع السياسية في البيت، فيما وعدت نجوى بعدم طرح أي أسئلة على زوجها، لكن الأحداث تسارعت بشكل مخيف بعد أن أقدم الاتحاد السوفيتي على غزو أفغانستان في ديسمبر من ذلك العام.
منذ اللحظات الأولى للهجوم، أصبح الشغل الشاغل لأسامة بن لادن البحث عن معلومات جديدة عن الجبهة الأفغانية، فيما تغيرت سلوكياته وأصيب بالأرق. وعن تلك الفترة تقول نجوى «لم تكن لدي أي فكرة عما يمكن أن يحصل في هذه الدولة البعيدة، لكن على كل حال كان زوجي متأثرا جدا».
«لقد كان أسامة مضطربا ومتأثرا بشكل لم أره من قبل».
جمع الأموال.. وشراء السلاح
كان على أسامة أن يتحرك، لذلك بدأ بجمع أموال من عائلته، وقد ساعدته أخته شيخة في هذا العمل الخيري… في تلك الفترة لم تكن نجوى تلتقي زوجها إلا ليلا، وهكذا بدأت حرب أفغانستان بالتأثير على حياة الزوجين خاصة بعد أن قرر أسامة الالتحاق بباكستان، حيث تجمّع العديد من المسلحين.
لقد وعد أسامة بحماية نجوى لكنه أصبح يتحدث يوميا عن شراء الغذاء والعتاد الطبي والسلاح الذي كان ينقله من باكستان عن طريق الشاحنات بغرض توزيعه على المقاتلين.
أما عبد الله عزام الذي انضم إلى جانب الأفغان فورا، فقد حض أسامة على الالتحاق بمدينة بيشاور، هذه المدينة الحدودية، التي أصبحت بمنزلة قاعدة خلفية للمقاومة المناهضة للشيوعيين.
خيبة أمل
ما عاد أسامة يهتم بأسرته ولا بأطفاله، ولكن نجوى كانت تدعم فكرة كفاحه في أفغانستان لأسباب شخصية، وهي أن تنتهي الحرب ويعود إليها زوجها ليستأنفا حياتهما مثلما كانا في السابق.
ولكن قبل أن يغادر أسامة لمدة ثلاثة أشهر، اهتم بتوفير كل المتطلبات لأفراد عائلته، حيث اشترى في جدة بناية لنجوى تتكون من 12 شقة بالقرب من بيت والدته، وعن هذه البناية تقول نجوى «لقد فوجئت من حجم البناية، وفكرت فوراً بأني لن أستطيع إنجاب المزيد من الأطفال حتى يسكنوها».
كانت الغرف فارغة وموحشة، فيما فرش البعض منها بقطع من السجاد التقليدي الفارسي وبضع وسادات وضعت على الجدران…
أصيبت نجوى بخيبة أمل كبيرة لانتقالها إلى العيش في هذا البيت الجديد «كنت أرغب دوماً في أن يكون بيتنا مؤثثاً بشكل جميل، ولكن الله وحده يعرف متى يعود أسامة من باكستان».
الحلم لم يتحقق
لم تتحول هذه البناية أبداً إلى ذلك المبنى الأنيق الذي كانت تحلم به نجوى خلال السنوات الأولى من زواجها، مثلما لم تعد حياة نجوى وأسامة إلى طبيعتها أبداً، فمنذ ذلك التاريخ أصبح أسامة بن لادن يفضل البقاء لفترة أطول خارج المملكة العربية السعودية.
ونجوى لم تكن الوحيدة التي كانت تتألم لغياب أسامة، فعلياء كانت تعاني هي الأخرى بسبب تطرف نجلها المفاجئ. أما أسامة الذي غادر إلى باكستان في مهمة بسيطة تشمل دعم المسلحين، فها هو قد قرر القتال إلى جانبهم. ويقول خالد بطرفي «لقد ساءت حالتها، خصوصاً بعد أن سمعت أن الروس استعملوا الغاز ضد المجاهدين، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الراديو، تأهباً لتلقف أي نبأ سيئ».
حاولت علياء التدخل بعد بضعة أسابيع من القلق، وقالت لنا إحدى شقيقات نجوى إن الأم حاولت توقيف ابنها، وكانت ترغب في أن يعود إلى المملكة العربية السعودية، ولكنه لم يستمع إليها، وحين فهمت أن الأمر يتعلق باعتقاد وإيمان راسخين لا يتزحزحين قالت «ليحفظه الله».
مولود رابع يعيد أسامة
وبينما كان زوجها في الجبهة يحارب الروس، كانت نجوى تهتم بأطفالها وتنتظر مولوداً آخر، وقد نجحت في إخطاره بموعد ولادته المفترض، بغية حثه على العودة إلى الوطن، «حين قلت لأسامة إن عليّ الذهاب للمستشفى، كان متحمساً جداً، وكأن الأمر يتعلق بأول مولود له، لقد جاء وكأنه في مهمة: اركبني في سيارته واصطحبني إلى مستشفى بقشان».
لم يخلف أسامة بن لادن وعده، وها هو إلى جانب نجوى التي كانت تشعر بأنها أسعد امرأة في الكون في بداية ثمانينات القرن الماضي، رغم تعسر حالتها أثناء الولادة.
أما أسامة، فكان فرحاً جداً بولادة طفله الرابع الذي أطلق عليه اسم «عمر»، وكان يقول لزوجته باستمرار إن أطفاله الأربعة هم بركة من الله، ولكن هذه النشوة وتلك الفرحة لم تكونا كافيتين بالنسبة لرجل حوّلته جبال أفغانستان إلى مجاهد مقاتل.
حولت عمر إلى «عارضة أزياء»
كانت نجوى بحاجة ماسة إلى ما يسليها، بعد أن شعرت بالوحدة بين أطفالها الأربعة، وذات يوم لاحظت الشعر الأشقر الذي بدأ ينمو على رأس ابنها الصغير، فقررت أن تحوله إلى طفلة «دون أن أفكر، بدأت أظفر له شعره، وأجرب عليه تسريحات أنيقة». «وهكذا وجدت نفسي أخيط فساتين لبنات صغار، واستعمل عمر كعارضة أزياء للقياس»
بعد ذلك لم تشأ نجوى أن يرتدي عمر غير الفساتين، حيث قامت بخياطة مجموعة كبيرة منها، وكانت تبرر سلوكها بقولها إن عمر ما زال طفلاً صغيراً، ولن يتذكر أبداً ذلك.
مرت الأيام بهدوء إلى أن عاد أسامة بعد شهر قضاه في بيشاور، فوجئ أسامة بولده عمر يدخل عليه في الغرفة مرتدياً فستاناً وشعره طويل. وعن تلك اللحظات تقول نجوى «كانت عيوني تراقب زوجي، حتى أرى ما الذي سيفعله، جلس أسامة بهدوء بالقرب من ولده ومرر إصبعه على الفستان، ونظر إلى عمر ثم على زوجته وقال: عمر أنت ترتدي فستان طفلة، ولكنك طفل، عمر شعرك يشبه شعر البنات بينما أنت ولد»
احتواء الموقف
مرت الثواني كأنها ساعات بالنسبة لنجوى «في الواقع كنت من النساء المطيعات، كنت مستعدة لقبول أي إساءة، ولكن أسامة لم يرفع صوته وتفهم الانعكاسات النفسية التي تعاني منها عائلته بسبب غياباته المتكررة، لذلك حاول بصوت اهدأ من صوته العادي أن يعود إلى الحقيقة «نجوى، عمر ولد، قصي له شعره والبسيه ملابس ولد».
رغم خوف نجوى وامتثالها لأوامر أسامة حين كان في البيت، فإنها عادت إلى عادتها حين غادر إلى باكستان، وعن ذلك تقول «عاد زوجي دون سابق إنذار إلى البيت، وكنت حينها أجرب فستاناً وردياً لعمر»،
صمت أسامة ثم أمرها أن تضع جميع الفساتين في حقيبة في انتظار ولادة طفلة.
كان على نجوى أن تعثر على شيء آخر يسليها، وما كانت تجد غير التلفزيون لقتل الوقت، غير أن أسامة كان يعتبر أن عائلته لا ينبغي أن تتعرض إلى مثل الصور التي يبثها التلفزيون، لذلك كان يسمح للأطفال بمتابعة الأخبار فقط، ويطلب منهم خفض الصوت كلما بدأ برنامج جديد.
زاد ملل نجوى وزادت معه مخاوفها، لا سيما بعد أن عاد أسامة آخر مرة من أفغانستان وجسمه مغطى بالندوب، حيث اعترف لها بأنه تعلم قيادة المروحية… وبينما كانت نجوى تستعد لطرح سؤال آخر، أمرها أسامة بالتوقف عن التفكير
الالتحاق بعبدالله عزام
تميز شهر يناير بسلسلة أحداث، غيرت بشكل كبير حياة بن لادن، ففي بداية ذلك العام، أُجبر شاه إيران بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية، على الرحيل، فيما تسلم الإمام الخميني السلطة.. في تلك الفترة فكر أسامة في مغادرة المملكة العربية السعودية، لذلك اقترح على نجوى الرحيل إلى الولايات المتحدة الأميركية.. وهكذا طار الزوجان باتجاه ولاية أنديانا، حيث التحقا برجل كان ما يزال غير معروف حينها ويتعلق الأمر بعبد الله عزام.
شعرت نجوى بقلق كبير على أحد أطفالها، بسبب مرضه أثناء السفر، وكان عليها استشارة طبيب في انديانا بوليس… طمأن الطبيب الزوجين بشأن صحة الطفل، وتقول إحدى صديقات نجوى ان أسامة قضى أسبوعا مع عائلته ثم غادر بمفرده باتجاه لوس أنجلوس. وعن انطباعاتها عن الحياة في الولايات المتحدة، تقول نجوى «بعدما رأيت خلال جولاتي القصيرة، فان الأميركيين طيبون وهادئون، إنهم أناس تبدو العلاقات معهم بسيطة». وأضافت «أنا وأسامة لا نكره أميركا وان كنا لا نحبها.».