الغزو الروسي على أوكرانيا يسبب أزمة اقتصاد عالمية للدول الغنية والفقيرة أيضًا
- أوكرانيا تُعد أكبر ضحية اقتصادية للحرب، وربما يكون ما يصل إلى ثلث سكانها قد نزحوا
تكافح سيدة مصرية لشراء اللحوم والبيض لأطفالها، ويغضب مالك مغسلة ألماني من فاتورة الطاقة الخاصة به والتي قفزت خمسة أضعاف، وتغلق المخابز النيجيرية أبوابها لعدم قدرتها على تحمل السعر الباهظ للطحين.
تكررت هذه المشاهد وغيرها بشكل كبير في دول العالم خلال العام الماضي بسبب الغزو الروسي على أوكرانيا.
بعد عام واحد من الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، وتسببه في معاناة واسعة النطاق، لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني من العواقب: قلة الإمدادات من الحبوب والأسمدة والطاقة، إلى جانب المزيد من التضخم، وعدم اليقين الاقتصادي في عالم كان يواجه بالفعل الكثير من كليهما.
لقد أجبر الغزو الروسي الشركات والدول في العالم المتقدم لمحاولة مكافحة التأثيرت الصعبة والمقاومة لتجنب السيناريو الأسوأ للركود المؤلم رغم الخسائر، وفي المقابل شعرت الاقتصادات الناشئة بالألم بشدة.
من روسيا وأوكرانيا للعالم
أوكرانيا هي إلى حد بعيد أكبر ضحية اقتصادية لـ”الغزو الروسي”، وربما يكون ما يصل إلى ثلث سكانها قد نزحوا في نفس الوقت الذي انخفض فيه الناتج الاقتصادي بنسبة مذهلة بلغت 35٪، وفقًا للتقديرات الأخيرة.
عانت البنية التحتية للبلاد من أضرار واسعة النطاق وطويلة الأمد، وتضرر ما يصل إلى 40% من قدرة توليد الكهرباء في أوكرانيا بشكل خطير، حتى مع وجود مساعدات اقتصادية دولية هائلة بعد الحرب، سوف تستغرق أوكرانيا عقودًا لاستعادة مستوى إنتاجها قبل الحرب.
كما تشير التقديرات إلى تقلص الاقتصاد الروسي بنحو 3% في عام 2022، بسبب تضرر موارده المالية العامة بشدة بسبب التكلفة الباهظة للحرب، مما دفع هذا العديد من المحللين إلى القول بأن روسيا قد تكون على أعتاب عقد اقتصادي ضائع.
على الرغم من أن روسيا وأوكرانيا يشكلان جزءًا صغيرًا من الاقتصاد العالمي، إلا أنهما لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي من خلال تشكيل جزء كبير من إمدادات الطاقة والغذاء والأسمدة في العالم. في عام 2019، بلغت حصة روسيا من واردات الغاز والنفط والفحم الأوروبية 40% و 25% و 45% على التوالي، وفي الوقت نفسه، استحوذت روسيا وأوكرانيا على 25% من واردات القمح في العالم.
كان الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة والغذاء الدولية هو آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي في وقت كان فيه التضخم يرتفع بسرعة بالفعل نتيجة لاضطرابات سلسلة التوريد والاستجابة المفرطة للسياسة النقدية والميزانية للركود الناجم عن فيروس كوفيد.
ساهمت هذه الارتفاعات في أسعار الطاقة والغذاء في ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود بنسبة 9% في الولايات المتحدة وأكثر من 10% في أوروبا.
مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي الآن بالضغط بشدة على السياسة النقدية لاستعادة السيطرة على التضخم، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن كلا من الولايات المتحدة وأوروبا قد تشهد ركودًا حقيقيًا في وقت لاحق من هذا العام.
تأثر الدول الغنية
في الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى، ارتفعت الأسعار لمستويات قياسية مع انطلاق الحرب بسبب تأثير الحرب على أسعار النفط، مما دفع البنوك المركزية الغربية وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لزيادة أسعار الفائدة التي هددت بدفع أكبر اقتصادات العالم إلى الركود، ودفعت العملات الأخرى للانخفاض مقابل الدولار.
كما تخلت الصين عن عمليات الإغلاق الصارمة في أواخر العام الماضي، بعد تعثر النمو في في ثاني أكبر اقتصاد.
وحالف أوروبا الحظ بأن جاء الشتاء أكثر دفئًا من المعتاد مما خفض أسعار الغاز الطبيعي بعد ارتفاعها لمستويات قياسية، ولولا ذلك لدخلت أوروبا في أزمة اقتصادية لا تستطيع مواجهتها خلال الشتاء، بعد أن قطعت روسيا الغاز عن أوروبا.
قال آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن الحرب “كارثة إنسانية”، لكن تأثيرها على الاقتصاد العالمي يمثل صدمة عابرة.
رغم ذلك لا تزال الحرب تسبب الألم من نواحٍ كبيرة وصغيرة، ففي أوروبا، على سبيل المثال، لا تزال أسعار الغاز الطبيعي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل أن تبدأ روسيا في حشد القوات على حدود أوكرانيا.
معاناة الدول الفقيرة
تسببت أسعار المواد الغذائية المرتفعة بشكل رهيب نتيجة الغزو الروسي في معاناة الفقراء بشكل خاص. عطل الغزو الروسي القمح والشعير وزيت الطهي من أوكرانيا وروسيا، الموردين العالميين الرئيسيين لأفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا حيث يعاني الكثير من انعدام الأمن الغذائي، وكانت روسيا أيضًا أكبر مورد للأسمدة.
وفي جميع دول العالم، تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في رفع أسعار الأسمدة، مما تسبب في زيادة أسعار المواد الغذائية وتضاعفها عدة مرات في بعض البلدن.
يقول صندوق النقد الدولي إن أسعار المستهلكين قفزت 7.3% في أغنى البلدان العام الماضي، رغم أن توقعات يناير 2022 كانت 3.9%، و9.9% في البلدان الفقيرة ارتفاعا من 5.9% الذي كان متوقعًا قبل الغزو.
وإذا لم تكن الاقتصادات المتقدمة في وضع جيد لامتصاص صدمة أسعار السلع الدولية بفعل روسيا، فإن اقتصادات الأسواق الناشئة كانت في وضع أسوأ.
كان الدين العام عند مستويات عالية بشكل خطير ويرجع ذلك جزئيًا إلى الإنفاق الكبير على الوباء، وحذر البنك الدولي الآن من أننا قد نكون في بداية موجة جديدة من حالات التخلف عن سداد ديون الأسواق الناشئة كما يتضح من حالات التخلف عن سداد ديون الأرجنتين وسريلانكا وزامبيا مؤخرًا. يحذر البنك الدولي من أن ما يصل إلى 100 مليون شخص في اقتصادات الأسواق الناشئة قد يسقطون في براثن الفقر.
تقدير الخسائر
تقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تكلفة الغزو الروسي على الاقتصاد العالمي بحوالي 2.8 تريليون دولار من حيث الخسائر في الإنتاج فقط.
ومع ذلك، من السابق لأوانه تقييم الآثار طويلة المدى التي ستسببها الحرب للاقتصاد العالمي، نظرًا للضرر العميق الذي أحدثته هذه الحرب في أجزاء كثيرة من العالم والذي يمكن أن يحدث تغييرات سياسية كبيرة في أعقابها.