أخيراً وبعد طول انتظار، نشرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه (Michelle Bachelet) التقرير الأممي بشأن انتهاكات الصين لحقوق الإنسان حيال أقلية الإيغور والأقليات الأخرى المسلمة في شينجيانغ. في الشكل، يمكن القول إنّ باشليه أوفت بوعدها بنشر ذلك التقرير في اليوم الأخير لها في منصبها، ولو قبل المغادرة بدقائق معدودة، لكنّها فشلت فشلاً ذريعاً لا يُحسب عليها فقط، إنّما على تاريخها وتاريخ المنظمة الأممية التي تعنى بحقوق الإنسان.
فأين يكمن الفشل في التقرير نفسه؟ لماذا تأخّر نشر التقرير؟ ما الذي حصل في الساعات الأخيرة، وكيف تمّ التلاعب في التقرير بطلب من باشليه نفسها؟
في البداية، يتكوّن تقرير الأمم المتحدة من أكثر من 40 صفحة، وهو يأتي بعد أربع سنوات منذ أن تحدّثت لجنة من خبراء أممين، عن تقارير موثوقة تفيد بأنّ أكثر من مليون إيغوري، وغيرَهم من الأقليات المسلمة، قد اعتقلوا في معسكرات خارج نطاق القضاء في شينجيانغ شمال غرب الصين، من أجل إعادة التثقيف والتلقين العقائدي، لكن لم يفعل المجتمع الدولي الكثير. اليوم، يلخّص التقرير مزاعم التعذيب، بما في ذلك الإجراءات الطبية القسرية ضدّ مسلمي الإيغور، فضلاً عن العنف الجنسي، وهو التقرير الأوّل والوحيد الذي صدر في عهد ميشيل باشليه.
زانز: زيارة باشليه إلى الصين لم يكن لها أيّ تأثير على التقرير
وقال الباحث الدولي في شؤون الإيغور أدريان زانز (Adrian Zenz)، لـ”أخبار الآن“: “أخيراً وفي آخر دقيقة، حرفياً في الدقائق الأخيرة قبل إنتهاء آخر يوم لها في منصبها، أصدرت ميشال باشليه التقرير الذي طال انتظاره عن وضع حقوق الإنسان في شينجيانغ، وقد أخّرت إصدار التقرير لأنّها و كما قالت أرادت زيارة المنطقة لترى الوضع بنفسها، وتبيّن أنّ زيارتها لم يكن لها أيّ تأثير على التقرير، هو لم يتضمن أيّ من مشاهدتها، وذلك أمر جيّد لأنّها في الواقع لم تعلم أيّ شيء من خلال جولتها الدعائية، لكن ذلك يعني أنّ عاماً كاملاً قد ذهب سدىً لنشر ذلك التقرير، وفي تلك السنة كان عذاب الإيغور مستمراً”.
التقرير خلص إلى أنّ الإحتجاز التعسفي والتمييزي للإيغور والجماعات الأخرى ذات الغالبية المسلمة، قد يشكل جرائم دولية، لا سيّما جرائم ضدّ الإنسانية، لكنّه لا يذكر الإبادة الجماعية .وفق الناشطين في مجال حقوق الإنسان والمراقبين الدوليين، فإنّ فشل التقرير الأممي في ذكر كلمة إبادة جماعية، يُعتبر زلةً مذهلة، إذ لا تستحق تلك المنظّمة الأممية إذلالاً كهذا، وبالتالي يتوجّب على باشليه أن تشرح تفاصيل ذلك الضغط العارم، الذي مارسته عليها الصين.
وأوضح زانز أنّ “التقرير أورد أنّه ربّما ارتُكبت جرائم دولية بما فيها جرائم ضدّ الإنسانية، و كما أعلم فإنّ الأمم المتحدة غير مخوّلة باتخاذ قرار رسمي بشأن أيّ من الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية أو الإبادة الجماعية. إذاً إستعمال تعبير “ربّما حصلت” لعلّه أفضل تعبير استطاعوا استخدامه. من المثير للإهتمام أنّ التقرير لم يتعامل مع مصطلح الإبادة الجماعية، وذلك مرتبط بعرضه الضعيف نوعاً ما بشأن الوقاية والتعقيم على السواء. أنا أعتقد أنّ التقرير فشل في الإضاءة على ذلك الأمر بشكل كاف، وأظن أنّه كان من الممكن إنجاز عمل أفضل في ما خص ذلك الموضوع، لأنّه هناك دليل هام على أنّ خطر حدوث إبادة جماعية بطيئة وطويلة الأمد، آخذ في الظهور ونحن نتحدث وهو يتكشف ويتم التخطيط له من خلال تحسين عدد السكان والتخفيض الممنهج لمعدل ولادات الإيغور”.
أميركا والعديد من الدول والمشرعين الدوليين في كلّ أنحاء العالم، شجبوا تصرّفات الصين، ووصفوها بأنّها إبادة جماعية، لذلك من المدهش أنّ عبارة الإبادة الجماعية، لم تذكر في التقرير. من العبارات التي أثارت جدلأً حيال التقرير في صفوف الحقوقيين والناشطين، ما ورد في نهاية التقرير، لناحية أن الانتهاكات “قد تشكل جرائم دولية، لاسيما جرائم ضد الإنسانية، أثارت الكثير من الأخذ والرد (في الصفحة 44- 148).
واعتبر زانز أنّ “التقرير ضعيف جدّاً في ما يتعلق بمواضيع العمل القسري، هو مقتضب جدّاً في تلك الناحية، وهو أيضاً ضعيف جدّاً في ما خص موضوع منع الولادة والتعقيم، هو يورد بعض الإحصاءات الحكومية لكنه ضعيف من حيث التحليلات السياسية. برأيي هناك ثغرات خاصة في تحليل السياسات الصادرة عن حكومة شينجيانغ والكيانات المحلية التي تتحدث بوضوح عن إجراءات صارمة للحد من ولادات الإيغور والمحاولات لتقليص معدل ولاداتهم، وعن محاولات تعقيم نسبة معينة من النساء، وذلك دليل مهم جدّاً لكنّه لم يُستعمل”.
في كل حال، يبقى التقرير أفضل من لا شيء وخطوة صغيرة جدّاً إلى الأمام، لكن ليس أكثر من ذلك. وفي ذلك الصدد، قال زانز لـ”أخبار الآن“: “تقييمي لذلك التقرير هو أنّه بشكل عام إيجابي ومفيد، لكن بالطبع ليس كاملاً وهناك ثغرات كثيرة فيه، التقرير متحفظ جدّاً وحذر في مقاربته للموضوع ويشرح المنهجية، وذلك يشبه عملي في تقييم الوثائق الحكومية، هو يستعمل دليلاً داخلياً مهمّاً أو وثائق خاصة برئاسة الحكومة، ضمنها ملفات شرطة شينجيانغ التي تمّ الإستحصال عليها من كومبيوترات شرطة شينجيانغ، والأدلّة التي أُخذت من تلك الملفات قد ذكرت 13 مرة في التقرير، وذلك أمر لافت جدّاً لأنّ ملفات الشرطة توثق العديد من الأدلّة عمّا يحصل في المعتقلات. أهم ناحية في التقرير هي ما ذُكر فيه عن المعتقلات، فهناك تحليل يقول إنّه ربّما تمّ اعتقال عدد كبير من الإيغور وغير الأيغور بين العامين 2017 و 2019، ويستشهد بالأدلّة بأنّ بين 10 و20 في المئة من السكان الإثنيين البالغين في بعض مقاطعات الإيغور، ربّما قد تمّ اعتقالهم في المعسكرات أو السجون، وذلك كلام مهم جدّاً، وفي رأيي ذلك هو الجزء الأقوى في التقرير.
باشليه تتلاعب في التقرير.. فماذا حذفت منه؟
في إطار البحث والتحقق من الدافع وراء تأخير نشر التقرير الأممي، إلى أن نشر في اللحظات الأخيرة لباشبيت في منصبها، وقد كشف زانز ما كان يجري خلف الجدران بناءً على معلومات موثوقة، فبأيّ جزء من التقرير تلاعبت باشليه قبل المغادرة، ولماذا؟ وقال: “اتضح أنّه بعد نشر التقرير أنّ هناك تعديلات حصلت في الساعات الأخيرة قبل نشر ذلك التقرير، هناك أجزاء قُلصت وأدلّة حُذفت من التقرير. إذاً تمّ التلاعب به لأسباب سياسية، وذلك إكتشاف خطير برأيي، ديبلوماسي مجهول أدلى بشهادته بذلك الخصوص وأنا علمت بالأمر من مصدر آخر أيضاً. علمت أنّه تمّ التلاعب بالتقرير وتغييره والمصدر قال إنّ الأجزاء المتعلقة بمنع الحمل والتعقيم هي التي تمّ التلاعب بها على وجه التحديد وتمّ حذف الأدلّة، وذلك يُبعد أي احتمال لحصول إبادة جماعية، و يبدو أنّ ذلك التغيير قد حصل بناءً على رغبة ميشال باشليه”.
زانز: تقرير الأمم المتحدة سيكون مفيداً مستقبلاً
وتابع: “أعتقد أنّ باشليه لم تكن تريد الإساءة الى الصينيين، والصينيون حساسون جدّاً في ما يتعلق بتهم الإبادة الجماعية. أعتقد أنّ ذلك أمر جوهري، لكنّني ما زلت أرى أنّ التقرير مفيد، لكن لا يسعنا القول إنّه تقرير مستقل تماماً لأنّه لا يقدم كلّ الأدلّة المتوفرة بالرغم من أنّه يتطرق إلى تلك الموضوعات، أيضاً هو لا يتطرق الى محكمة الإيغور التي حصلت في لندن والتي حققت في الابادة الجماعية، كلمة إبادة جماعية لم تُذكر مطلقاً، يبدو أنّ تلك تسوية حصلت لصالح بكين”.
لسنوات عديدة كان للصين نفوذ كبير على كيفية تعامل الأمم المتحدة مع مزاعم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى، مستخدمة نفوذَها الاقتصادي والسياسي للرد على مجموعة متنامية من التقارير والبحوث الأكاديمية وشهادات الناجين.
في مجلس حقوق الإنسان الهيئة الحقوقية الأولى في الأمم المتحدة، تعمل بكين بصرامة لمواجهة الجهود التي تبذلها الدول لمحاسبتها باستخدام الضغط المستمر، وكان برنامج “بالعين المجردة” تحدّث بشكل مفصّل عن ذلك التدخل وحجم التأثير. لذلك ينظر إلى ذلك التقرير رغم أنّه ليس كافياً، على أنّه مهم وأنّه سيكون مفيداً في المستقبل. ومن هنا، يجب على مجلس حقوق الإنسان استخدام التقرير لبدء تحقيق شامل في جرائم الحكومة الصينية ضد الإنسانية التي تستهدف الإيغور وغيرهم، ومحاسبة المسؤولين.
وفي السياق، قال زانز: “لكن في كلّ الاحوال أنا أرى أنّ تقرير الأمم المتحدة سيكون مفيداً مستقبلاً وسيُنظر إليه على أنّه بحث مستقل، إنّه تأكيد على الأدلّة التي كنّا نجمعها وننشرها، إنّه نوع مميز من الموارد الموثوقة والمحايدة الذي يمكن استخدامه من قبل الحكومات والناشطين وغيرهم ممن يريدون تحدي بكين، لذا أظن أنّ ذلك التقرير سيكون مصدر إزعاج وقلق بالنسبة لبكين، ولذلك يمكن أن نفهم لماذا الصين حاولت منع نشره، فالصين حاولت إقناع الدول بأن تضغط على ميشال باشليه ومكتبها لعدم نشر ذلك التقرير، و مباشرة بعد إصداره نددت الخارجية الصينية بذلك التقرير”.
بالفعل، فقد شجبت وزارة الخارجية الصينية ذلك التقرير ودعت مكتب المفوض السامي إلى الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ، وإلى عدم نشر تقييم عن شينجيانغ بناء على معلومات واتهامات كاذبة، وفق الخارجية الصينية، التي لم يؤكد المتحدث باسمها، ما إذا كانت بكين اطلعت على التقرير الأممي، أو على الأجزاء التي تعتقد بكين أنّها ستكون خاطئة.
هل يحقق التقرير الأممي العدالة لضحايا الإيغور؟
في مايو الماضي، وأثناء زيارة باشيليت الرسمية إلى الصين وهي الأولى لمسؤول أممي رفيع المستوى منذ 17 عاماً، قالت المفوضة السامية إنّ الحكومة الصينية أكدت لها أنّ نظام مركز التعليم والتدريب المهني قد تم تفكيكه، لكن الجميع يواصل القول إنّ القمع مستمر، وتلك الزيارة لاقت حينها انتقادات واسعة وعارمة نظراً للغرض منها وكيفية استغلال الصين لها. لكن بعد كل ما تقدّم السؤال الأهم هو: هل يحقق التقرير الأممي العدالة لضحايا الإيغور؟ أم ثمّة خيبة أمل؟
ردّ على ذلك السؤال زانز بالقول: “أعتقد الى حدّ ما نعم، باحثو الأمم المتحدة قابلوا 40 ضحية وشاهداً بينهم بعض النساء، وكشفوا عن أدلّة على التعذيب، وأدلّة على العنف الجنسي، وأدلّة على علاجات قسرية، وأدلّة على إدخال قسري للأجهزة الرحمية الداخلية عند النساء لمنعهن من الحمل وغير ذلك. لذا أعتقد أنّ هناك أدلّة مهمة ذكرها الشهود في التقرير. أرى أنّ التقرير لا يتحدث كثيراً عن الهجوم الذي يستهدف وجود الإيغور وهوية الإيغور، أعتقد أنّ بعض الناشطين الإيغور سيخيب ظنّهم بسبب ذلك، ربّما فريق الأمم المتحدة اعتبر أنّ التحدث عن ذلك الأمر لا يقع ضمن نطاق عمله.
وتابع: “أعتقد أنّه أنصف الضحايا إلى حدّ ما، وإنّه لأمر جيد أن يُسمع صوت الضحايا، كما أعتقد أن تحدث التقرير عن بعض نواحي تلك الأعمال الوحشية التي حصلت، وحتى لو لم يتحدث عنها كلّها بشكل مفصل ودقيق كما كان يأمل الباحثون وضمنهم أنا شخصياً، لكن على الأقل فقد تمّ ذكر تلك الجوانب ووضعها في الخلاصة. في الخلاصة ورد أنّ انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان قد حصلت، وهناك تقارير موثوقة تتحدث عن التعذيب والعنف الجنسي وسوء المعاملة وغيرها من الأمور، وذلك ذُكر بشكل واضح في الخلاصة، وبرأيي ذلك مفيد جدّاً”.
من جهتها اعتبرت صوفي تشاردسون (Sophie Richardson) مسؤولة ملف الصين في منظمة هيومن رايتس ووتش، أنّ التقرير يعتبر مهمّاً ويصبّ في إطار تزخيم العمل السياسي اللازم للتحرك نحو تحقيق رسمي ضد الصين. وقالت لـ”أخبار الآن“، إنّ التقرير يعكس تجارب الضحايا والناجين الإيغور.
ايوب: التقرير ليس دقيقاً لكنّه مقبول
على صعيد الناشطين الإيغور وعائلات الضحايا، ورغم بعض الخيبة لكن ثمّة رضى على التقرير باعتباره مقبولاً، وقال الناشط الإيغوري عبد الوالي أيوب لـ”أخبار الآن”، إنّ الغاية من التقرير الأممي الاعتراف بما يحدث من انتهاكات ضد الإيغور. وقال ما يحدث هناك هو إبادة جماعية فيما التقرير ذكر أنّها قد ر ترقى إلى مستوى الجرائم ضدّ الإنسانية. واعتبر أنّ التقرير ليس دقيقاً لكنّه مقبول.
باشليه تدّعي أنّها استلهمت من المدافعين عم حقوق الإنسان
في يومها الأخير بمنصبها قالت باشليه إنّها استلهمت من المدافعين عن حقوق الإنسان، وقالت: “مع نهاية ولايتي كمفوض سامٍ للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. أود أن أشكر المدافعين الملهمين عن حقوق الإنسان في كلّ أنحاء العالم، بمن فيهم أولئك الذين تشرفت بمقابلتهم، تعلمت منكم الكثير، من رؤيتكم العميقة لواقع المجتمعات المختلفة، من جهودكم لحماية كرامة الناس، من الطرق الإبداعية التي تعلي أصوات الذين عادة لا تسمع اصواتهم، من شجاعتكم ومثابرتكم وتصميمكم على تحدي الوضع الراهن…”.
As my time as High Commissioner draws to an end, I call on everyone – States, companies, civil society – to stand with the countless people around the world who defend human rights.
They protect us. We have to protect them.
And count on @UNHumanRights to continue supporting YOU pic.twitter.com/HQ3MJug4Wk
— Michelle Bachelet (@mbachelet) August 31, 2022
“ربما كان عليك الإستلاهم منهم وتتخذين الإجراءات اللازمة”
لكنّ باشليه لم تسلم في تصريحها من الانتقادات، أحدُها من الناشطة إلإيغورية روشان عباش (Rushan Abbas) إذ قالت لها على تويتر، إنه “من الواضح أن هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان لم يكونوا من الإيغور، لقد تجاهلت محنتنا لصالح إنكار الإبادة الجماعية، وتأخرت في إصدار تقريرك حتى تركت منصبك”. وتابعت: “ربما كان عليك الإستلاهم منهم وتتخذين الإجراءات اللازمة”.
Bachelet says she was inspired by #HumanRights defenders. They clearly were not #Uyghur– you have ignored our plight in favor of genocide denial & delayed releasing your report until you left office.
Maybe you should have taken inspiration from them and taken action. https://t.co/a8ArRGFbqx
— Rushan Abbas (@RushanAbbas) August 31, 2022
أوراق شينجيانغ
إلى ذلك تتواصل التقارير التي تفضح ممارسات الصين وانتهاكات بحق أقلية الإيغور في شينجيانغ، وآخرها “أوراق شينجيانغ” التي تحدّث عنها الخبير والباحث في شؤون الإيغور ديفيد توبن (David Tobin) لـ”أخبار الآن“، فقال: “أبرز ما تظهره أوراق شينجيانغ فعلاً هو كيف تتم عملية التنسيق والمراقبة والإشراف على يد دولة الحزب الواحد، ما لا يسمح بإلقاء اللوم على أحد الكوادر السيء الطبع أو مسؤول محلي لا يفهم السياسة. بل إنّ القيادة المركزية تتواصل دائماً مع المناطق والحكومات المحلية للتشديد على ضرورة تطبيق تلك السياسات بشكل أكثر صرامة. ذلك هو ما تظهره الوثائق أي أنّ القيادة المركزية هي التي تأمر ما هي السياسات المطبقة في شينجيانغ”.
وتابع: “الهجوم العشوائي على الإيغور، أي عملية استهداف الأئمة والمثقفين والشخصيات العامة، قد انتهى بشكل عام، فغالبية مشاهير الإيغور قد اختفوا منذ فترة خلال تلك الأزمة العام 2017. وتظهر أشرطة الأدلّة التي نملكها أنّ الإيغور العاديين غير السياسيين أو المنشقين يخضعون للمراقبة ويختفون لأسباب غير مؤذية البتة، ولأسباب يتمّ ربطها لربّما بالإسلام، لكن أيضاً لأسباب يستحيل تفسيرها مثل امتلاك قفازات للملاكمة أو معدات لرفع الأثقال في قبو المنزل”.
وختم توبن: “فقط الشياطين الثلاثة المتمثلة بالإنفصالية والإرهاب والتطرف تصنّف الإيغور كمجموعة ناطقة بلغة قبائل الترك أو مجموعة إسلامية. وبالتالي لطالما صنّف حزب الدولة هوية الإيغور ونشر لغة قبائل الترك والإسلام كمشاكل أمنية بحدّ ذاتها، لكنّنا نشهد اليوم محاولة من تشي جين بينغ لتطبيق سياسة نشر الطابع الصيني بحسب كلامه من أجل حلّ مشكلة أساسية تواجهها الصين، لأنّ حزب الدولة قد ركّز كثيراً على التنمية الإقتصادية وليس بما يكفي على الأمن. لذلك انتقل التركيز اليوم على البعد الأمني وهو يعني في تلك الحالة وصف هوية الإيغور كتهديد أمني وأنّ نشر الطابع الصيني يهدف إلى وضع الإيغور في خانة التهديد الأمني”.
في الختام لا بد من التوقّف عند بعض تلك النقاط المهمة:
- باشليه لم تقدم أيَّ خدمةٍ لها أو للأمم المتحدة بتأخير نشر التقرير، الذي يكشف بوضوح الإنتهاكات التي ترتكبها الصين في تركستان الشرقية أو شينجيانغ، والتي “قد” ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية.
- باشيليت ستبقى مسؤولة أخلاقياً عن الإنتهاكات التي كان من الممكن منعُها أو تقليصُها لو أنّها أصدرت التقرير في وقت سابق.
- أحد جوانب التقرير المهمة استنتاجاته الواضحة حول الإنتهاكات التي ترتكز بشكل أساسي على ممارسة الدين من قبل المسلمين العاديين. وذلك سيجعل من الصعب على بعض الدول الإسلامية\ ذات الأغلبية المسلمة، قبول تلك الإنتهاكات باسم العلاقات الطيّبة مع الصين.
- جانب إيجابي تمثّل بوجود باحثين محترفين وصادقين في الأمم المتحدة ساهموا في جعل مثل ذلك التقرير ممكناً، وذلك العمل الذي يجب أن يستمر ويتعمّق لمعالجة أوجه القصور في التقرير، لاسيّما في ما يتعلق بالسخرة والانتهاكات الجنسية.
- رفض حكومة الصين للتقرير كان متوقعاً، فلم تكن تلك هي الأخبار التي أرادها تشي جين بينغ قبل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر.
- على الرغم من أنّ الخبراء يقولون إنّه من الصعب قياس قوة معارضة شي داخل الحزب، إلّا أنّ هناك بالتأكيد أولئك الذين لا يتفقون مع الديكتاتورية التعسفية في الداخل\ والدبلوماسية العدوانية في العالم، وشينجيانغ هي نقطة الخلاف الرئيسية بينهم و شي.
لكن يبقى أن ذلك التقرير الأممي يمثل إثباتاً للعمل الدؤوب الذي يقوم به ناشطو الإيغور ومجتمع الشتات الأوسع في العالم، والذي يهدف إلى محاسبة الصين على المعاناة التي يتعرض لها تلك الإيغور في إقليم شينجيانغ.
شاهدوا أيضاً: ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة