كيف فعّلت روسيا منظومة قمع الصحفيين في ظل غزوها لأوكرانيا؟
أكدت التقارير الصادرة في اليوم العالمي للصحافة الصورة السوداوية لوضع الصحافة في روسيا بعد أكثر من عام على حربها في أوكرانيا، إذ هوت موسكو إلى قائمة العشرين دولة المتذيلة للترتيب الدولي.
وفي تقرير مراسلون بلا حدود الصادر، احتلت روسيا المرتبة 164 من بين 180 دولة شملها الاستطلاع في الترتيب، بانخفاض تسع نقاط عن العام الماضي وسط ما وصفته المنظمة بأنه “تطهير نهائي” للمشهد الإعلامي الذي مكنته الحرب في أوكرانيا.
التقرير لفت إلى “تورط لاعبين سياسيين” في “حملات تضليل واسعة النطاق أو حملات دعائية” في روسيا، وفقا للمنظمة.
وفي شهر مارس الماضي، وكنتيجة مباشرة للهجوم الروسي على أوكرانيا، مررت السلطات الروسية حوالي 100 قانون جديد يقيد حرية الصحافة في البلاد، وفق ما قالت الصحفية الروسية الأوكرانية، غالينا تيمشينكو، لموقع “سويس إنفو”.
ومنذ بداية الغزو، فرض الكرملين رقابة عسكرية، وتم تصنيف 100 صحيفة كعملاء أجانب واتهمت بالخيانة والتجسس، وغادر المئات من الصحفيين البلاد، وفق تيمشينكو.
وفي اليوم العالمي للصحافة، عادت قضية الصحفي الأمريكي، إيفان غيرشكوفيتش، من صحيفة “وول ستريت جورنال” لواجهة الانتقادات الموجهة لموسكو، إذ لا يزال محتجزا في روسيا بتهم “التجسس” التي ينفيها.
وأوقف غيرشكوفيتش في يكاترينبرغ على بعد نحو 1800 كلم إلى الشرق من موسكو. ووجهت له السلطات الروسية إليه تهمة “التجسس”.
ووقعت أكثر من 30 مؤسسة إعلامية رسالة إلى السفير الروسي في واشنطن، تنتقد فيها توقيف غيرشكوفيتش استنادا الى “تهم تجسس لا أساس لها”.
من جانبها، قالت مراسلون بلا حدود إن جهاز الدعاية الروسي فرض بسرعة على الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها القوات الروسية في الغزو رقابة أيضا، إذ تم استبدال وسائل الإعلام الأوكرانية، وتم التشويش على القنوات التلفزيونية المستقلة وملاحقة الصحفيين المحليين.
وسلطت المنظمة غير الربحية التي تتخذ من باريس مقرا لها الضوء على “الوقت القياسي” الذي تمكنت فيه روسيا من إنشاء ترسانتها الإعلامية في أوكرانيا المحتلة مع حظر أو حجب أو تصنيف وسائل الإعلام المحلية المستقلة على أنها “عملاء أجانب”.
وفي تقرير آخر لمعهد الصحافة الدولي بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، لا يزال الصحفيون ووسائل الإعلام المستقلة التي تغطي الغزو من داخل روسيا يواجهون الرقابة والاعتقالات والقمع المنهجي.
ورصد المعهد ما يقرب من 1000 هجوم على الصحفيين ووسائل الإعلام في الحرب على أوكرانيا، وتعد روسيا مسؤولة عن 980 هجوم منها.
انتهاكات بالعشرات تقوم بها روسيا
ومن بين 148 انتهاكا في الحرب خلال الأشهر الستة الماضية، ارتكبت الدولة الروسية 72 انتهاكا، وارتكب الجيش الروسي 16 انتهاكا، بحسب التقرير.
ومن بين الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الروسية، في 37 حالة على الأقل، احتجز صحفيون ظلما أو اعتقلوا أو وجهت إليهم تهم جنائية.
وحكم القضاء الروسي على ماريا بونومارينكو وأندريه نوفاشوف، في قضايا جنائية بعد إدانتهما بنشر “أخبار مزيفة” حول الغزو الروسي لأوكرانيا.
وحكم على بونومارينكو بالسجن لمدة ست سنوات، بينما حكم على نوفاشوف بعقوبة ثمانية أشهر.
غرامات كبيرة
أما الصحفيون الذين لم يسجنوا فقد خنقت السلطات الروسية عملهم بتدابير وغرامات وحظر النشر، وحوكم ما لا يقل عن ثمانية صحفيين بتهمة “تشويه سمعة” الجيش الروسي، وفرضت عليهم غرامات تصل إلى 100 ألف روبل (1100 يورو)، وفقا لبيانات المعهد الدولي للصحافة.
وقتل ما لا يقل عن 11 صحفيا بسبب عملهم منذ بداية الحرب، ووقعت 10 من هذه الحالات خلال فترة الأشهر الأربعة الأكثر دموية من الحرب من فبراير إلى مايو 2022.
ويشير التقرير إلى أن الجيش الروسي كان مسؤولا عن جميع عمليات القتل التي يمكن التعرف على مرتكبيها.
ويخلص التقرير إلى أن كل هذه الأرقام لا تروي سوى جزء من القصة، إذ أمام القمع بات الصحفيون الروس يلجؤون بشكل طبيعي إلى الرقابة الذاتية لتجنب انتقام السلطات.