حملة القمع الإيرانية تثير ردود فعل عنيفة من رجال الدين في قم والنجف
- عبّرت شخصيات دينية بارزة أخرى مرتبطة بالدولة عن انتقادات للطريقة التي يُحاكم بها المتظاهرون
- انتقادات كبار رجال الدين الشيعة للطريقة التي صدرت بها أحكام الإعدام ليست المرة الأولى في تاريخ إيران
- منافسة بين مراكز التعلم الشيعية في العراق وإيران
أثارت حملة قمع الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران ردود فعل عنيفة من رجال الدين الشيعة البارزين في كل من إيران والعراق، الذين دعوا إيران إلى وقف أعمال العنف والإصغاء إلى المطالب الشعبية. فأثار إعدام الأفراد المحتجزين على خلفية الاضطرابات انتقادات من رجال دين رفيعي المستوى في مدينة قم المقدسة، مما يشير إلى تحول في العلاقات بين الحوزة الدينية والدولة.
تتركز انتقادات رجال الدين على ما اعتبروه قراءة متطرفة لمفهوم “محاربة الله” الفقهي الشيعي. وهذا المفهوم الذي يعني “شن الحرب على الله” استُخدم كأساس قانوني لإصدار أحكام الإعدام في ما يتعلق بالاضطرابات، مما دفع البعض إلى الادعاء بوجود محاولة لبث الرعب في نفوس المتظاهرين.
انتقادات لاستخدام المفاهيم الفقهية
الحوزات والمراقد الشيعية الرئيسية في إيران
يأتي ملايين الزوار إلى مدن مثل مشهد كل عام، في حين أن قم هي موطن الكثير من الحوزات الدينية الرئيسية.
ورفض أيازي فكرة أنه يمكن اعتبار جميع الاحتجاجات في الشارع محاربة، وأضاف: “عندما يكون لأحدهم الحق في الاحتجاج على الوضع الراهن وتمنعه الشرطة من التظاهر، لا يمكننا اعتبار حمايته لحقه محاربة.” علاوة على ذلك، أشار إلى أن عمليات الإعدام بتهمة المحاربة بدون دعم الرأي العام قد تكون أمثلة على المفهوم الفقهي للإخافة أي إثارة الشعور بعدم الأمان بين الناس.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول، أي بعد ثلاثة أيام من تصريحات أيازي، أثار محمد علي كرامي اعتراضات مماثلة في مقابلة مع موقع جماران الإخباري وقال: “لقد حدد القرآن ثلاثة أحكام لمن يرتكب المحاربة: الإعدام، بتر اليدين والساقين، والنفي.” واستشهد كرامي بقول روح الله الخميني، مؤسس إيران، كما أضاف “إذا لم يقتل مرتكبو المحاربة أي شخص أو يسرقوا ممتلكات أي شخص، فمن المؤكد أنه لا يمكن الحكم عليهم بالإعدام. يمكن أن يُحكم عليهم بالنفي بدلًا من ذلك.”
وفي إشارة إلى حالات أخرى من التطرف الظاهر في الأحكام، انتقد كرامي توسيع القضاء الواضح لنطاق المفهوم الفقهي “للإفساد في الأرض،” قائلًا إنه لا يشمل نشر معلومات كاذبة. ومن الجدير بالذكر أن “الإفساد في الأرض،” كما المحاربة، تعتبر تهمة قانونية شائعة موجهة ضد المعارضين في إيران.
الاحتجاجات في إيران بين عامَي 2022 و2023
مراكز الاضطرابات الرئيسية التي اندلعت إثر وفاة مهسا أميني في سبتمبر/أيلول 2022 خلال احتجازها من قبل شرطة الآداب.
انتقادات هيكلية
يستند القانون الجنائي الإيراني إلى الفقه الشيعي الذي يشترط أن يكون القاضي مجتهدًا، أي مفسرًا موثوقًا للشريعة الإسلامية. ومع ذلك، لطالما استخدم القضاء قضاة غير مجتهدين بسبب نقص المجتهدين. وعلى خلفية سلسلة أحكام الإعدام الأخيرة، اعتبر المنتقدون أن القضاة غير المجتهدين ليسوا على درجة كافية من العلم لإصدار الأحكام وليسوا مستقلين في آرائهم القضائية. ومن المنتقدين رجال دين بارزين مثل مصطفى محقق داماد، الذي أعرب عن أسفه لصدور الأحكام من أفراد لا يملكون المعرفة الكافية بالإجراءات القضائية وتعقيدات النظام القضائي.
وفي رسالة مفتوحة نادرة وجهها إلى القضاة بتاريخ 15 ديسمبر/ كانون الأول، حث محقق داماد، وهو رئيس قسم القانون في جامعة شهيد بهشتي في طهران والرئيس السابق لهيئة التفتيش العامة الإيرانية، على تدقيق أعمق قبل إصدار الأحكام. كما أنذر رجل الدين البارز قائلاً: “لن ينسى التاريخ أبدًا الأخطاء والاستهانة بالدم، والعقوبات غير المشروعة.”
كما عبّرت شخصيات بارزة أخرى مرتبطة بالدولة عن انتقادات للطريقة التي يُحاكم بها المتظاهرون. ففي مقابلة في 11 ديسمبر/كانون الأول، صرح مرتضى مقتدائي، المجتهد والعضو في مجلس خبراء القيادة المكلف بالإشراف على أعمال المرشد الأعلى وتعيين خلفه، فقال إن المحاربة تتضمن استخدام السلاح فحسب وليس قطعة خشب على سبيل المثال. ومقتدائي هو رئيس سابق لحوزة قم والمحكمة العليا ونائب عام سابق. واعتبر مقتدائي أن مرتكب المحاربة هو شخص تظهر عليه علامات الاستعداد للحرب، وأكد أنه لا يمكن الحكم على جميع مرتكبي المحاربة بالإعدام، وأضاف إنه لا يجوز إصدار أحكام الإعدام إلا لمن ارتكب جريمة قتل.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول، أرسل الشيخ حسين أنصاري راد، وهو مشرع إصلاحي سابق كان نائبًا لثلاث ولايات، رسالة عامة إلى المرشد الأعلى انتقد فيها أسلوب علي خامنئي في الحكم. ورأى راد أن “إيران فشلت في كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية”، وحذّر من “حدوث انفجار كبير” إذا استمرت الحكومة في نهجها الحالي متجاهلةً مطالب الشعب.
وبعيدًا عن هذه الانتقادات المباشرة، حين سئل بعض رجال الدين البارزين في قم عن الفتاوى الدينية الخاصة بهم والمتعلقة بالمحاربة، أصرّوا على اختلاف وجهات نظرهم عن ممارسات القضاء الحالية. فعلى سبيل المثال، كتب أسد الله بيات زنجاني في إحدى الفتاوى: “تتطبق عقوبة الإعدام على مرتكبي المحاربة فقط عندما يرتكبون جريمة قتل وإلا فإن هذه العقوبة غير مشروعة.”
كما قدم المرجع البارز ناصر مكارم شيرازي شرحًا مفصلًا في 18 ديسمبر/كانون الأول أكد فيه على ضرورة التناسب بين أفعال مرتكب المحاربة والعقوبة، قائلًا: “إذا أشهروا سلاحًا نحو الناس من دون إراقة دماء أو سرقة أي شيء، إذن يجب نفيهم إلى مدينة أخرى.”
توسيع الانتقادات
إن انتقادات كبار رجال الدين الشيعة للطريقة التي صدرت بها أحكام الإعدام ليست للمرة الأولى في تاريخ إيران . ففي العقد الذي أعقب الثورة الإسلامية عام 1979، نُفِّذت عمليات إعدام أثارت اعتراضات حسين علي منتظري، الخلف المعين للخميني في ذلك الوقت، الذي وصف مثل هذه الأعمال بأنها غير قانونية وتتعارض مع تعاليم الإسلام. وأدى ذلك الانتقاد إلى تهميش رجل الدين البارز وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله حتى وفاته في عام 2009.
وفي إشارة واضحة إلى الانقسام الحالي والمعارضة المتزايدة في قم، أصدرت جمعية مدرسي حوزة قم العلمية الموالية للحكومة بيانًا في 24 ديسمبر/ كانون الأول انتقدت فيه رجال الدين الذين حثوا على وقف عمليات إعدام المتظاهرين، واصفة إياهم بِـ”رجال دين مفلسين سياسيًا.”
والأهم من ذلك أن الانتقادات الموجهة من قم قد امتدت إلى الحوزة الشيعية البارزة في مدينة النجف الأشرف بالعراق. على سبيل المثال، نقل رجل الدين الإيراني المؤيد للإصلاح محمد أشرفي أصفهاني مؤخرًا عن علي السيستاني قوله: “أنا على دراية كاملة بما يحدث في إيران، وأنا قلق للغاية بشأن ظروف إيران.” والسيستاني هو المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق ورئيس حوزة النجف. وردًا على طلب أشرفي أصفهاني من السيستاني لإصدار بيان حول الأحداث الأخيرة في إيران، قال الأخير: “لقد أرسلت رسائل في بعض الأحيان، لكن للأسف لم أجد آذانًا صاغية.”
وفي حديث إلى موقع أمواج.ميديا، أكد الكثير من أساتذة الحوزة البارزين في النجف الاقتباس المنسوب إلى السيستاني، وأعربوا أيضًا عن مخاوفهم بشأن الوضع في إيران.
المنافسة بين مراكز التعلم الشيعية
المنافسة بين النجف في العراق وقم في إيران على التفوق في الإسلام الشيعي قديمة جدًا
مدرسة النجف لديها تاريخ من الحذر الشديد تجاه تنفيذ العقوبات المفروضة تحت عنوان الشريعة الإسلامية. ففي عام 2017، كان الاعتراض على الطريقة التي يعمل بها القضاء الإيراني واضحًا، عندما فشل رئيس المحكمة العليا الإيراني السابق محمود هاشمي في تأمين أي اجتماع مع السيستاني أو غيره من كبار رجال الدين خلال رحلته إلى العراق. وقد يُنظر إلى مثل هذه الانتقادات أيضًا على أنها محاولات لاستعادة استقلال الحوزة الدينية عن التأثير السياسي الخارجي.
وتوقع عباس عبدي، وهو صحفي إصلاحي إيراني بارز وناشط سياسي، أن تُثير الانتقادات الموجهة لإيران أيضًا من حوزة قم في نهاية المطاف. فقد وصف عبدي في إحدى المقابلات رجال الدين بأنهم جزء من أفراد المجتمع الإيراني الذين لا يستطيعون مغادرة البلاد وعليهم في النهاية أن يتعايشوا مع الناس. ويرى عبدي أن عودة رجال الدين إلى مناصبهم المستقلة الأصلية من المرجح أن تكون مفيدة للغاية في توجيه السلطات نحو طريق الإصلاح حيث إنها ستشير إلى خسارة الحكومة لآخر قاعدة دعم متبقية. وأوضح أن “رجال الدين دعموا الحكومة في احتجاجات سابقة، لكن في هذه الحالة، وحتى في حالة العملية الإرهابية [لتنظيم داعش في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022] ضد زوار ضريح شاه جراغ [في مدينة شيراز]، كانوا صامتين نسبيًا” وختم قائلاً، “لن يظلوا صامتين في الأحداث اللاحقة.”