التفاعلات الرقمية على الصراعات بين داعش وطالبان
نستأنف في هذه المقالة التوقف عند معالم التفاعلات الصادرة عن الحسابات الرقمية المحسوبة على المرجعية الإسلامية الحركية في نسختها الجهادية بالتحديد، أو التي تنتمي إلى المرجعية نفسها، وذلك انطلاقاً من الانخراط في بعض النقاشات مع هذه الحسابات، سواء تعلق الأمر بالنقاشات والتفاعلات التي جرت في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أو في موقع “يوتيوب”.
صحيح أن هناك بعض القواسم المشتركة بخصوص تفاعل هذا التيار الإسلامي الحركي، مع باقي التيارات الدعوية والسياسية، لكن الأولوية هنا تهم التفاعل مع أتباع المرجعية الجهادية، والتي تفيد العديد من مؤشرات الساحة العربية على الأقل، فالأحرى الساحة الإفريقية في دول الساحل، أن هناك عدة محددات أو طروف تساهم في تغذية الظاهرة واستمرارها وتشعب فروعها، وبالتالي من منظور استشرافي صرف، تصب تلك المؤشرات في ارتفاع أسهم الظاهرة عوض أن نعاين عكس ذلك، وليس هذا مقام التفصيل في مجمل الأسباب التي تقف وراء انتشار الظاهرة وتشعبها.
يهم موضوع هذه المقالة التفاعلات الخاصة بالمشهد الأفغاني، والخلافات أو الصراعات القائمة بين المرجعية الداعشية والمرجعية الطالبانية، انطلاقاً من التفاعلات التي تهم بعض الروابط الرقمية على موقع “يوتيوب”، ويتعلق الأمر برابطين اثنين على الأقل، الأول بعنوان “أفغانستان بين داعش خراسان وطالبان.. جحيم مُتوارث والعالم بين خيارين أحلاهما مُر”، والثاني بعنوان قبضة أفغانستان في يدهم.. شبكة حقاني الوجه الأسود لطالبان”.
كما سلف الذكر في المقال السابق، فإن مضامين هذه القراءة أقرب أو مقدمة للتوصل إلى خلاصات أولية، لأنه لا يمكن التوصل إلى خلاصات نهائية من وحي تأمل هذه التفاعلات، ما دامنا نتحدث عن نماذج أو عينة محدودة من الحسابات الرقمية المعنية بالتفاعل، والحال أن الكتائب الإلكترونية المحسوبة على المرجعية الجهادية لا حصر لها في شبكة الإنترنت، بل ازدادت كماً ونوعاً مقارنة مع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي ومن ذلك ما يُشبه فورة في التطبيقات الرقمية. هذا عن الكتائب الإلكترونية، أما في المنصات الرقمية الداعشية، بما فيها المجلات الصادرة عن المرجعية نفسها، فإننا نعاين صدور عدة منابر بالعديد من اللغات، بشكل يضاهي أو يتوافق مع ما يصدر عن العديد من المؤسسات الدينية في المنطقة العربية، والمعنية بالتصدي النظري لخطاب المشاريع الداعشية، وهذه جزئية غائبة هي الأخرى في أغلب ما يصدر من أبحاث ودراسات حول الموضوع.
نعاين عدة اتجاهات على الأقل في تفاعل هذه الحسابات الجهادية، وهي تقرأ تفاعلات المشهد الأفغاني في حقبة عودة حركة طالبان للحكم، وبيان ذلك كالآتي:
1 ــ هناك اتجاه صريح في حصر نمط الحكم السائد في الساحة الأفغانية بعد عودة حركة طالبان باعتباره حكم “دولة إسلامية”، يسمو بالضرورة على أنماط الحكم السياسية، أياً كانت طبيعة الحكم، بما في ذلك التجارب السياسية المنخرطة في الخيار الديمقراطي، كما تلخص ذلك مجموعة تفاعلات دالة في هذا السياق، منها تفاعل يدعو بأن “ينصر الله حركة طالبان على الديمقراطية الكاذبة”، مضيفاً أننا “سوف نرى أفغانستان دولة إسلامية”؛ أو تفاعل آخر اعتبر بشكل صريح أن “طالبان أصحاب أول إمارة إسلامية في العصر الحديث. إنهم أبطال الإسلام”.
لا تختلف نبرة اليقين الصادرة في هذه التفاعلات عن تلك السائدة في الخطاب الإيديولوجي الإسلاموي الذي يدعو إلى إقامة “الدولة الإسلامية” أو “الإمارة الإسلامية” أو “دولة الخلافة” حسب بعض الأدبيات، من قبيل أدبيات جماعة “العدل والإحسان” المغربية التي تدعو إلى “الخلافة على منهاج النبوة”، بالرغم من أن مُجمل الدول العربية فالأحرى دول العالم الإسلامي، أي دول محور طنجة ــ جاكارتا، أصبحت دولاً وطنية حديثة، سواء تعلق الأمر بحالة ملكيات (المملكة المغربية، المملكة العربية السعودية، المملكة الأردنية.. إلخ) أو إمارات (الإمارات العربية المتحدة، إمارة الكويت… إلخ)، أو جمهوريات (الجمهورية المصرية، الجمهورية السورية… إلخ).
2 ــ هناك اتجاه مغاير، ينهل من عقلية المؤامرة، ويعجز عن قراءة تطورات الساحة الأفغانية التي تتداخل فيها عدة محددات استراتيجية وأمنية وثقافية وغيرها، ومن ذلك الحديث عن أن “أمريكا في أفغانستان منذ 20 سنة ولم تقض على طالبان”، بما يُفيد حسب صاحب التفاعل أن “طالبان متعاونة مع أمريكا”، أو قراءة تفاعل لأحدهم جاء فيه، ضمن السياق نفسه، أي السياق المؤامراتي بأن “وصول طالبان إلى الحكم كان بخطة استخبارية لكي يمهدوا الطريق لشبكة حقاني للوصول إلى الحكم لاحقا، وهذه الشبكة سوف تعمل لإسقاط طالبان من الحكم”.
عقلية المؤامرة إجمالاً، سائدة لدى أغلب إيديولوجيات الساحة، دينية كانت أو مادية، مع فارق أنها في الحالة الإسلاموية، هناك مؤشر التبجيل [الأقرب إلى القداسة] السائد في خطاب هذه الجماعات، بما يُساهم في تثوير أو تضخيم من مؤشر خطاب المؤامرة.
على صعيد آخر، غالباً ما تكون فترة الأزمات التنظيمية محطة مغذية لتفشي وانتشار خطاب المؤامرة، وفي بعض المناسبات يكون هذا الخطاب مانعاً نظرياً لتوقف أتباع هذه الجماعات عن الخوض في الأزمات النظرية التي يمر منها خطاب هذه الجماعات، خاصة أن فتح باب تقييم هذه الأزمات النظرية قد يكون سبباً وراء انسحاب أو انفصال نسبة من الأتباع عن المشروع.
3 ــ نأتي لاتجاه تفاعلي ثالث ميزته أنه لم يحسم في طبيعة علاقة شبكة حقاني بحركة طالبان، بين تفاعلات من طينة التفاعل الوارد في الاتجاه الثاني [المؤامراتي] والتي تضع الشبكة والحركة في خانتين متعارضتين، وتفاعلات مغايرة ترى عكس ذلك، ولا تفرق بين الشبكة والحركة بالصيغة التي يُلخصها تفاعل جاء فيه أن “شبكة حقاني هي نفسها حركة طالبان، ولا فرق بينمهما، ووحده الإعلام الغربي الذي يُقسم بينهما”.
تفسير هذا التباين لا يخرج عن تواضع المتابعة الإخبارية فالأحرى تواضع المتابعة البحثية للأوضاع في أفغانستان، بصرف النظر عن المرجعية الإيديولوجية لأصحاب التفاعلات الخاصة بهذا الاتجاه، ونضيف أيضاً مقتضى “قانون القرب” السائد في المنابر الإعلامية، ويُفيد هذا القانون أو العُرْف حسب السائد في العمل الإعلامي أنه بالنسبة للقارئ المحلي في أي مجال مجتمعي ما، الأخبار التي تتناول قضايا إقامته تحظى بأولوية في الاهتمام مقارنة مع القضايا التي تهم قضايا وطنية فالأحرى قضايا قارية وعالمية، وهذا عينُ ما ينطبق على الحالة الأفغانية، حيث إن ثقل أو محدد البعد الجغرافي عن دول المنطقة العربية، يجعل من قضايا تلك المنطقة متواضعة التناول الإعلامي عند العديد من منابر الساحة، الورقية والفضائية والرقمية.
4 ــ وأخيراً، هناك اتجاه عنوانه تخوين الأنظمة العربية والإعلام العربي هذا إن لم نتحدث عن تكفير الأنظمة العربية، وهو معطى يكاد يكون تحصيل حاصل في بعض التفاعلات، إلى درجة اللجوء إلى الدعاء لتأكيد ذلك، من قبيل التفاعلات التالية: “تحية لطالبان وموتو بغيظكم”؛ “الله ينصر أفغانستان وطالبان، الله ينصر إمارة أفغانستان”؛ “تحية طالبان التي ركعت سيدكم الأمريكي”، “اللهم انصر الإسلام والمسلمين ضداً في “الناعقين والمنافقين والكاذبين”؛ “طالبان قوية رغم أنف الإعلام العربي المنافق”.
هذا الاتجاه سائد بكثرة، بمقتضى مساحة الحرية التي توفرها المنصات الرقمية، مع الإشارة إلى أن نسبة الحسابات الوهمية أو المزيفة في هذا الاتجاه أكبر بكثير من نسبة الحسابات الحقيقية.
ويبقى الوجه الآخر لهذا الخطاب أنه يكشف عن وجوده بالنسبة للباحثين مثلاً أو بالنسبة لصناع القرار أو بالنسبة للمؤسسات الدينية المعنية كما سلف الذكر أعلاه، ضمن مؤسسات أخرى في مواجهة هذا الخطاب الديني المتطرف.