من آسيا إلى القارة السمراء.. فاغنر تمددت في ما لا يقل عن 10 بلدان إفريقية
- “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة”: فاغنر تهدم الاقتصاد والمجتمعات والمؤسسات الحكومية
- “مرصد الأزهر”: الإرهابيون يجندون الشباب الباحثين عن فرص العمل في 5 دول إفريقية
يمكن لكل إفريقي “كسب دخل عادل، والعيش حياة صحية، والمساهمة في المجتمع”، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، وتمكين الشباب والنساء في المنطقة، بحسب منظمة الأمم المتحدة.
إذ أن الاستثمار في النساء والشباب “سيضع قارة إفريقيا على المسار الصحيح لتحقيق خطة عام 2030 وأهدافها التنموية الخاصة، فضلاً عن التطلعات والأهداف التي تم تبنيها في أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063”.
وعلى الرغم من كونها “غنية بالموارد البشرية والطبيعية والإمكانات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة غير المستغلة” لا تزال قارة أفريقيا تواجه تحديات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفقاً لتقرير للأمم المتحدة صدر في شباط/ فبراير 2022، بالمقارنة مع أهداف عام 2021 لأجندة 2063، فإن إفريقيا ككل تسير على الطريق الصحيح بنسبة51%.
وفي الوقت الذي تواجه فيه إفريقيا تحديات عالمية، مثل تغير المناخ، وارتفاع أسعار الوقود، وعدم المساواة، تتضاعف أزمات القارة مع تدخلات مرتزقة فاغنر في عديد الدول، ما يهدد مستقبل التنمية، وتمكين الشباب.
وتمثل فاغنر خطورة كبيرة على القارة الإفريقية، بالإضافة إلى “تأثيرها المزعزع للاستقرار في البلدان التي تنشط فيها”، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لفرض عدد من العقوبات عليهاـ كان أخرها في نهاية فبراير 2023.
وتظهر المجموعة الإرهابية الروسية “فاغنر” المقربة من الكرملين، في إفريقيا كمزود للخدمات الأمنية بلا رحمة. ولكن يبدو الآن أن أنشطة المجموعة تتجاوز ذلك بكثير. فماذا يفعل مرتزقة فاغنر من إفريقيا؟ وما هي أهدافهم؟ وكيف يؤثر ذالك على مستقبل القارة؟
أنشطة إجرامية
تحت عنوان “المنطقة الرمادية“، نُشر تحليل جديد لأنشطة فاغنر أجرته المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
والعنوان الفرعي للتقرير هو “أنشطة روسيا العسكرية والإجرامية وعلى أيدي المرتزقة في إفريقيا”، ويحلل عمليات مرتزقة فاغنر في عدة بلدان إفريقية وشركاتها ومشاريعها غير المشروعة وغير القانونية. التي تهدد تمكين الشباب وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة.
وجاء في التقرير: “في ضوء التأثير الهدام لعمليات فاغنر على حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، فهي وبال على أمن إفريقيا في المستقبل”.
ويقول معدو التقرير: “مجموعة فاغنر فريدة من نوعها كتنظيم من حيث اتساع أنشطتها وحجمها وجرأتها؛ ويمكن تشبيهها – كما هي عليه اليوم – بخصائص الجريمة المنظمة الروسية وأنشطتها في الخارج”.
تنطلق فاغنر من الدول التي تتمركز بها، أمثال جمهورية إفريقيا الوسطى، لغرس جذور جديدة لها في بقاع أخرى من القارة.
ومنذ وصولها إلى السودان لأول مرة في عام 2017 بناءً على طلب من عمر البشير، سارعت بتوسيع وجودها في جنبات القارة من خلال مزيج من الأنشطة العسكرية والاقتصادية والسياسية. وأينما تولي وجهها، تتبعها شركاتها التابعة لها (أمثال مروي غولد وكروما ماينينغ ولوباي إنفست)، لاستخراج الثروة المعدنية وإرسالها إلى موسكو. بحسب المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
وفضلاً عن إفريقيا الوسطى والسودان، تعيث فاغنر فساداً الآن في ليبيا ومالي، ومولت حملات سياسية في مدغشقر، وطالت أنشطتها السياسية كلاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية وجنوب إفريقيا وزيمبابوي، وانسحبت من موزمبيق بعد أن تكبدت خسائر فادحة خلال قتال المتطرفين في محافظة كابو ديلجادو.
ويفيد بحث “المبادرة العالمية” أن “فاغنر تسلط أعينها على الكثير من البلدان الإفريقية الأخرى، إذ توددت إلى الطبقة العسكرية التي تحكم بوركينا فاسو، رابع أكبر منتج للذهب في إفريقيا، لتقديم مساعدات عسكرية لمكافحة المتطرفين الإسلاميين المنتشرين فيها.
وكانت قد قدمت عرضاً مشابهاً لمالي، لكنه فشل حتى الآن في القضاء على المتطرفين وأسفر عن وقوع مجزرة للمدنيين في قرية مورا العام الماضي.
وكشف بحث أجرته مجلة “أفريكا ريبورت” أنَّ فاغنر تتحكم في شركة تسمى “إنترناشيونال جلوبال لوجستكس” بالكاميرون، وهي الشركة التي تتولى نقل المواد ذات الصلة بفاغنر عبر الموانئ من إفريقيا الوسطى وإليها.
وكانت فاغنر قد بدأت في التعامل معها كأحد عملائها، وإذا بها تمسك بزمام إدارتها الآن.
ولم تسلم الكاميرون من استغلال “فاغنر” لها انطلاقاً من قواعدها بمنطقة دوالا الكاميرونية، ففي عام 2022، وقع الرئيس الكاميروني بول بيا، الذي يواجه تمرداً في المناطق الناطقة بالإنجليزية ببلاده، اتفاقية للتدريب وتبادل المعلومات مع الحكومة الروسية خلال زيارة موسكو.
وتسببت “فاغنر” مع انتشارها في تأجيج أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وحملات التضليل التي تدعم الحكم الاستبدادي والتوسع في تهريب الموارد الطبيعية كالذهب والألماس.
ومن المعهود أنَّ أنشطتها تخدم قادة الدولة التي تتواجد بها على حساب مواطنيها والجهود المؤيدة للديمقراطية، والتنمية.
فلها في السودان، بحسب المبادرة العالمية، علاقات وطيدة مع أعضاء الطبقة الحاكمة، وتهرب الذهب إلى خارج البلاد وتشن حملات تضليل. وتحتل قواتها في ليبيا قاعدة عسكرية، وتدعم بعض الفصائل المسلحة.
ويقول التقرير إنَّ إفريقيا الوسطى تمثل الاستراتيجية الروسية في إفريقيا في ذروتها، إذ يعمل أفرادها مستشارين وحراس شخصيين للرئيس فوستين أرشانج تواديرا، وارتكبوا أعمال عنف صادمة بحق المدنيين خلال مطاردة المتمردين المرتبطين بالرئيس السابق فرانسوا بوزيزي.
وفي الوقت ذاته، لا تكف الشركات التابعة لها (أمثال بوا روج ولوباي إنفست) عن قطع الأشجار واستخراج الثروة المعدنية لصالح موسكو.
وتجسد فاغنر النموذج الروسي المتمثل في الاستعانة بالتنظيمات الإجرامية لتحقيق أجندتها في الخارج، لا سيما في إفريقيا. وانتهى التقرير إلى أنَّ وجود فاغنر في إفريقيا يعد معول هدم للاقتصادات والمجتمعات والمؤسسات الحكومية.
تجنيد الشباب
كشف تقرير صادر عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في كانون الثاني/يناير 2023 أنَّ مرتزقة فاغنر يجندون المقاتلين الشباب الباحثين عن فرص العمل في كلٍ من بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي ونيجيريا والصومال؛ وهي بلاد كانت اقتصاداتها تعاني بالفعل جرَّاء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وأزمات أخرى.
ويقول المحللون إنَّ أنشطة مرتزقة فاغنر الروسية في إفريقيا لا تثمن ولا تغني من جوع، ففاغنر تروج لنفسها على أنها تنظيم معني بمكافحة الإرهاب، لكنها تتسبب في زعزعة استقرار لا استتباب الأمن.
وتلاحقها اتهامات بنهب الموارد الطبيعية وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ما يحمل بعض المدنيين على الوقوف في صف الجماعات الإرهابية.
ما دفع السيد جيمس كاريوكي، نائب السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة، لمجلس الأمن الدولي ليقول في كانون الثاني/يناير: “إنهم جزء من المشكلة لا جزء من الحل”.
وجاء في تقرير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف: “أن عدم استعداد بعض جيوش تلك الدول لمواجهة التنظيمات الإرهابية بمفردها يَعنى سيطرة أكبرَ لتلك التنظيمات على بعض الدول الإفريقية، لتغلغلها بشكل يؤثر بالسلب على أمن تلك الدول واستقرارها، ما يجعلها عرضة للاضطرابات السياسية”.
وكشف المرصد أنَّ الكثير من التنظيمات الإرهابية في القارة تجند مقاتلين جدد في المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وللحرب الروسية في أوكرانيا دور في هذه المشكلة. فيهاجمون المستضعَفين من السكان في تلك المناطق ويجبرونهم على الانضمام إلى صفوفهم مقابل إطعامهم.
ويوجد توافق كبير بين النتائج التي توصل إليها تقرير مرصد الأزهر وبين النتائج التي توصل إليها تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إذ وصف منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بأنها باتت بؤرة جديدة لأعمال العنف على أيدي الجماعات المتطرفة.
وتوصل التقرير الأممي إلى أنَّ معظم المنضمين إلى التنظيمات المتطرفة إنما يفعلون ذلك بسبب نقص فرص العمل، وينضم البعض الآخر بسبب ضغط الأقران من الأهل أو الأصدقاء أو بسبب قناعتهم لأسباب دينية.
ووجد أنَّ الكثير من هؤلاء المجندين لا يثقون بقوات الدولة.
ويأتي معظم المجندين الجدد من المناطق الريفية ولم ينالوا حظاً وافراً من التعليم. واستدل التقرير الأممي باستراتيجية بوكو حرام في نيجيريا لاستهداف شباب من خلفيات اجتماعية واقتصادية فقيرة ولم يتلقوا إلا قدراً محدوداً من التعليم الرسمي.
وهذا يساهم في تفسير جاذبيتها في ولايتي برنو ويوبي اللتين تسجلان أدنى معدَّلات الإلمام بمبادئ القراءة والكتابة في البلاد.
وقال السيد أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: “في عدة بلدان… يعد نقص الدخل وفرص العمل وسبل الرزق واليأس ما يدفع الناس بالأساس إلى اغتنام الفرصة مع أي كيان يقدمها لهم”.