امتدت الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران إلى أكثر من 15 مدينة جديدة خلال الأيام الأخيرة، ليرتفع عدد المدن التي تشهد تظاهرات غاضبة بعد مقتل مهسا أميني إلى أكثر من 80 مدينة في أنحاء البلاد، على الرّغم من تصعيد السلطات لحملة القمع التي قتل فيها عشرات الأشخاص، وتمّ اعتقال ناشطين وصحافيين بارزين.
وقد استمر تعطيل الوصول إلى الإنترنت، خصوصاً على تطبيقات الهواتف المحمولة، أو تمّ حظره بالكامل، ما أثر على قدرة الإيرانيين على التواصل مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي. وتجدّدت الاحتجاجات وسط حضور نسائي بارز في مناطق عديدة من العاصمة طهران ومدن إيرانية أخرى، بعد ساعات قليلة على خروج مسيرات نظمتها السلطات الإيرانية وطالب المشاركون في المسيرات المؤيّدة للحكام بـ”إعدام المحتجين”.
وأوقفت السلطات الإيرانية 18 صحافياً منذ اندلاع الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني أثناء توقيفها لدى “شرطة الأخلاق”، بحسب ما أعلنت “لجنة حماية الصحافيين. كذلك أوقف عدد كبير من الناشطين بينهم الناشط في مجال حرية التعبير حسين روناغي.
بين الصحافيين الـ18 الموقوفين، بحسب لجنة حماية الصحافيين ومنظمة “مراسلون بلا حدود”، المصوّرة الصحافية يلدا موييري التي عُرفت عالمياً بسبب صورة رمزية لتظاهرات 2019، ونيلوفر حامدي التي توجّهت إلى المستشفى حيث كانت ترقد مهسا أميني في غيبوبة وساهمت في تنبيه الرأي العام العالمي على مصيرها.
النخبة الإيرانية تنضم إلى الإحتجاجات العارمة في إيران
واتسعت رقعة الاحتجاجات لتضم في صفوفها داعمين لها من كتّاب وصحافيين ورياضيين ومؤخراً السينمائيين، فخرج المزيد من المشاهير والممثلين والرياضيين الإيرانيين علناً لدعم المتظاهرين، مطالبين الدولة بالتراجع والإستماع إليهم. وقد أصدر عدد من السينمائيين الإيرانيين بياناً موجهاً لقوات الأمن الإيرانية، يحمل عنوان “ألقوا بنادقكم أرضاً”، مطالبين قوات الأمن بعدم استخدام العنف ضدّ المتظاهرين. كما أوضحوا أنّ “تلك البنادق التي سُلمت للأمن، تمّ شراؤها بأموال الشعب للدفاع عنه”، مطالبين بعدم توجيهها إلى المحتجين.
تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 100 سينمائي من ممثلة وممثل ومخرجة ومخرج وقعوا على البيان، بينهم منيجة حكمت، وزهراء أمير إبراهيمي، وبجاه آهنغراني، وبرويز كيمياوي، وعبد الرضا كاهاني، ومصطفى عزيزي. وأثار دعم الفنانين والشخصيات المشهورة للاحتجاجات غضب السلطات الحكومية التي ردّت بشعارات مناهضة لهم على هامش صلاة الجمعة في طهران، والتي تقام من قبل السلطات الرسمية.
وعليه، تمّ حظر فيديو وصور الممثل السينمائي الإيراني شهاب حسيني (Shahab Hosseini)، الفائز بمهرجان كان السينمائي لدعمه مهسا أميني. وأيضاً الممثل حامد بغداد (Hamed Behdad) الذي دعا وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني إلى البحث عن الوظيفة الجديدة بعد نشر بعض الصور والفيديوهات لبعض الممثلات الإيرانيات بسبب وفاة مهسا أميني.
كذلك ثمّة ممثلات مثل كطايون الرياحي (Katayoun Riahi) التي خلعت حجابها علانية تضامناً مع الإيرانيات. حتى المشاهير الذين كان يُنظر إليهم على أنّهم مخلصون ومقرّبون من المؤسسة الإيرانية، انضموا إلى صفوف أولئك الذين يطالبون بإنهاء حملة القمع العنيفة.
أيضاً لاعب كرة القدم السابق علي كريمي (Ali Karimi)، الذي انتقد السلطة على تويتر وإنستغرام تعليقاً على قطع الإنترنت من قبل النظام الإيراني، قال: “العام 1979، لم يكن هناك إنترنت مثل الآن، لكن كل الناس كانوا متّحدين مثل اليوم، فسقط النظام”.
ساردار آزمون (Sardar Azmoon) لاعب منتخب إيران لكرة القدم عبّر عن غضبه من قتل مهسا أميني، فيما قام فريق كرة القدم الوطني الإيراني وبعد وقتٍ قصير بمسح كل صوره ومنشوراته على حسابه. وذكرت وسائل إعلام أن سادار آزمون عاد إلى صفوف المنتخب الوطني نتيجة ضغوط الجماهير على الاتحاد الإيراني لكرة القدم، ومن المقرر أن يلعب مباراة ودية ضدّ السنغال.
قوات الأمن تتوعد المتظاهرين
ومع استمرار الاحتجاجات، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي المزيد من أسماء وصور شبان وشابات زُعم أنّهم قتلوا، بما في ذلك صورة على حساب الممثلة الإيرانية باراستو صالحي على إنستغرام. وتمّ إغلاق شبكات بيانات الهاتف المحمول وتصفية معظم وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أنّ الإيرانيين تعلموا قبل سنوات كيفية التحايل على قيود الإنترنت، إلاّ أنّ الاحتمال الوشيك للانقطاع الكامل للتعتيم قد أثار قلق الكثيرين، خصوصاً بعد اعتقال عشرات الناشطين والطلبة والشخصيات السياسية بشكل استباقي، بناءً على أوامر من رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني.
وحذّر المدير الإداري لصحيفة “كيهان” وهي الصحيفة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرشد الأعلى، في وقت سابق من الأسبوع الجاري، من أنّ قوات الأمن ستستعيد الشوارع قريباً، فيما أصدر فيلق الحرس الثوري بياناً تعهّد فيه بهزيمة ما أسماها “مؤامرة العدو”. وتحدّثت تقارير عن تصاعد أعمال العنف واستخدام قوات الأمن معدات أكثر فتكاً أسفرت عن تزايد أعداد القتلى، خصوصاً في إقليم كردستان الغربي.
يذكر أنّ الاحتجاجات اندلعت في 16 سبتمبر في إيران، يوم وفاة مهسا أميني بعد 3 أيام من توقيفها في طهران بتهمة “ارتداء ملابس غير لائقة” وخرقها قواعد لباس المرأة الصارمة في إيران. وامتدت الاحتجاجات إلى مدن عدة عبر البلاد حيث هتف المتظاهرون بشعارات مناهضة للسلطة على ما ذكرت وسائل إعلام محلية. وتلك الاحتجاجات هي الأوسع منذ تظاهرات تشرين الثاني 2019 التي نجمت من ارتفاع أسعار البنزين في خضم الأزمة الاقتصادية، وشملت حينها حوالي مئة مدينة إيرانية وتعرضت لقمع شديد 230 قتيلاً بحسب الحصيلة الرسمية، وأكثر من 300 حسب منظمة العفو الدولية.
شاهدوا أيضاً: سيف العدل.. كيف شق”الرجل الثاني” صفوف القاعدة؟ | متلازمة طهران 2