حتّى الآن، مازالت مئات الآلاف من النازحين الباكستانيين بسبب الفيضانات يعيشون في العراء، وقد أدّت مياه الفيضانات الراكدة على مسافة تُقدّر بمئات الكيلومترات، والتي قد يستغرق انحسارها من شهرين إلى 6 أشهر، إلى انتشار حالات أنواع مختلفة من الأمراض، وفي ذلك الصدد، حذّرت الأمم المتحدة من أنّ حالات الملاريا والتيفود والإسهال تنتشر بسرعة كبيرة، مضيفة أنّه تمّ تسجيل 44 ألف حالة إصابة بالملاريا ذلك الأسبوع في المناطق الجنوبية. لكن ما الأسباب التي فاقمت أضرر تلك الفيضانات، وكذلك ساهمت في انتشارها بالدرجة الأولى؟
- الباكستانيون مازالوا يعانون من تداعيات الفيضانات التي شهدتها باكستان مؤخّراً، ومئات الآلاف منهم يبيتون بالعراء
- السيناتور نومان وزير لأخبار الآن : مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ضاعف سرعة الفيضانات في باكستان
- رئيس اللجنة الدائمة في مشروع الممر الصيني الباكستاني لأخبار الآن: مشروع الممر نفذ أشغالاً زادت من عنف نهر إندوس
- حالات الإصابة بمرض الملاريا تتفشى في المناطق التي اجتاحتها الفيضانات وعدد الوفيات بسبب الأمراض وصل أكثر من 324
لم تغمر الفيضانات المدمّرة ثلث مساحة باكستان فحسب، بل ألحقت أضراراً جسيمة بمشروع “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” الذي تنفذه الصين، بسبب انهيار عدّة شبكات رئيسية للطرقات التي تربط بين مشاريع ذات تمويل صيني، يستحيل سلوكها بعد الآن.
من الجدير ذكره أنّ الصين وباكستان الواقعتين جنوب آسيا، تحاولان جاهدتين تحقيق مشروع “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني”، الذي يعتبر حلماً بالنسبة إليهما، إلّا أنّ الإضطرابات مستمرّة في باكستان وتعزى تلك المرّة إلى الأحوال المناخية وأيضاً الجوانب الأمنية. فقد تسببت الفيضانات الغزيرة بتفتيت ذلك الحلم، وما زاد الطين بلةً دخول حركة “تحريك طالبان باكستان” إلى بعض المناطق الهادئة.
استثمارات الصين تتلقى ضربة قاضية
كما أنّ الإستثمارات الصينية في باكستان قد تلقت ضربة قاضية بسبب هطول الأمطار الغزيرة وذوبان الجبال الجليدية في المناطق الشمالية من البلاد، والتي صنّفت على من الأسباب الرئيسية للطوفان الحالي، ناهيك عن إعادة بروز “حركة طالبان الباكستانية” في مناطق سوات وملكند وكوهستان.
فقد أدّى ازدياد النشاطات الإرهابية التي تنفذها “حركة تحريك طالبان باكستان” إلى تباطؤ وتيرة تقدّم المشاريع. وعلى سبيل المثال، يوم الثلثاء الذي صادف 13 سبتمبر/ أيلول من العام الجاري، هاجمت الحركة المذكورة عملاق الإتصالات الصيني “تيلينور”، وقامت بخطف 7 من العاملين فيه من منطقة شوبريال ماتا في مقاطعة سوات في خيبر باختونخوا.
كما تلقى مكتب الشركة الرئيسي اتصالاً هاتفياً من أفغانستان مطالباً بفدية بقيمة 100 مليون روبية باكستانية، أي ما يوازي 1.6 مليون درهم مقابل إطلاق سراح العمال. وأصدرت حركة “تحريك طالبان باكستان” في وقت لاحق صورة للمخطوف الرئيسي المدعو يوسف شاه – يظهر في الصورة المرفقة – وهو محتجز من قبل مقاتلين مسلّحين تابعين للحركة المذكورة.
لقد حضر الوضع الأمني في باكستان على طاولة اجتماع منظمة تعاون شانغهاي الذي عقد في سمرقند، والذي التقى فيه الرئيس الصيني تشي جين بينغ برئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على هامش المؤتمر، وعبّر عن قلقه إزاء الوضع الأمني وقال إنّ الصين تأمل أنّ تؤمن باكستان حماية قوية لأمن المواطنين الصينيين والمؤسسات الصينية العاملة في باكستان، بالإضافة إلى حماية حقوق الشركات الصينية ومصالحها المشروعة.
إلى ذلك، ألحقت الفيضانات أضراراً بعدد كبير من معامل توليد الطاقة والطرقات وشبكات السكك الحديدية التي بنيت بفضل الإستثمارات الصينية. كما دمّر تدفق المياه الغزيرة أسس المشاريع الصينية التي تنفّذ ضمن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ما أوقع الحكومة الباكستانية في ورطة لجهة تأمين الأموال الضرورية لتسديد القروض الصينية الممنوحة ضمن مشروع الممر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأمطار الغزيرة التي انهمرت في مقاطعتي السند وبلوشستان اللتين تعدّان القلب النابض لمشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، قد تسببت بفيضانات قوية وسيول جارفة وانهيارات للتربة، أدّى كلّها إلى وقف العمل بالمشاريع.
وفاة ما يزيد على 1500 شخص وأضرّت بـ33 مليون آخرين
في ذلك السياق، قدّرت السلطات الباكستانية حجم الخسائر الإقتصادية بـ30 مليار دولار، ما يسدّد ضربة موجعة لإسلام أباد التي ترزح تحت كاهل ديون تزيد على 250 مليار دولار، في ظل جمود الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدر بـ347 مليار دولار بالرغم من تسجيله معدل نمو بسيط قدره 0.4 بالمئة سنوياً .
تجدر الإشارة إلى أنّ الأمطار المتواصلة والتي انهمرت ضمن 8 جولات والتي تخطّت المعدل السنوي للمتساقطات بمعدل 3 أضعاف، تسببت بوفاة ما يزيد على 1500 شخص وأضرّت بـ33 مليون آخرين خسروا منازلهم وبناهم التحتية، التي بحسب تقدير الخبراء قد تستلزم سنوات طوال لإعادة إعمارها. وقد غمرت المياه ثلث الأراضي الباكستانية المزروعة، وتسببت بنفوق 300 ألف رأس ماشية علماً بأنّ ذلك القطاع يشكل مصدر الرزق الوحيد للعديد من الباكستانيين. ومع انحسار المياه، تخشى باكستان من بروز أوبئة وحصول مجاعة واضطرابات اجتماعية في ظلّ فقدان المواطنين كل ما يملكونه.
في حديث لـ”أخبار الآن“، صرح المهندس نومان وزير، وهو سيناتور في كتلة “تحريك إنصاف باكستان” وهي الحركة الباكستانية من أجل العدالة إلى جانب كونه صناعي ذائع الصيت، بأنّ “الفيضانات ستدمر اقتصاد باكستان المتعثّر أصلاً، والذي لا يكفيه احتياطي العملات الأجنبية الضئيل لتغطية السلع المستوردة إلّا لمدة 6 أسابيع فقط”، مضيفاً أنّ “غالبية الديون يجب تسديدها للصين لأنّ 35 % من إجمالي القروض المترتبة على باكستان تعود إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وغيره”.
وتابع إنّ “البنى التحتية التابعة لمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لا تولّد مردوداً على الإستثمار، ما أصاب باكستان بخيبة أمل تجاه الممر، إذ تمّ حلّ الهئية الإدارية التابعة له مؤخراً لأنّ باكستان منغمسة جدّاً في المشروع لدرجة أنّها باتت مضطرة لأن تطلب قروضاً إضافية من الصين من أجل تسديد القروض القديمة، وهكذا تكون قد وقعت في فخ الديون الذي لا نهاية له ولا مجال للخروج منه”.
الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني زاد من سرعة الفيضانات.. كيف؟
وأضاف السيناتور نومان: “في الحقيقة، بسبب رغبة باكستان بالمحافظة على علاقاتها الوثيقة مع الصين وتحقيق حلمها بتحسين أحوال البلاد، وافقت على مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، إلّا أنّ حلمها قد تلقى ضربة موجعة، فذلك المشروع لم يضعف باكستان مالياً وحسب، بل زاد من سرعة الفيضانات”. وأوضح أنّ “كلّ موقع يملك كيانه الجغرافي الخاص به ونظامه البيئي الإيكولوجي ودوره البيئي، وأنّ الأنهار التي تمر في باكستان تملك مجاريها المحدّدة، وأنّه عندما يتمّ التعدي على تدفق الأنهار الطبيعي تأخذ الطبيعة ثأرها، وذلك ما حلّ تحديداً في باكستان. على مستوى الأرقام، لقد ألحقت الفيضانات ازدياداً في حجم الأضرار يزيد على 700 % بالمقارنة مع الفيضانات الماضية، ما يدق ناقوس الخطر لباكستان”.
الأسبوع الماضي تبلّغت الهيئة الوطنية الباكستانية أنّ الحكومة ستطلب من الجهات المانحة الثنائية والمتعدّدة الأطراف، بما فيها الصين وصندوق النقد الدولي، تقديم الدعم لها بعد الإنتهاء من مسح الأضرار الناجمة عن الفيضانات. وقد تبلّغت اللجنة أيضاً أنّه يرجح أن يكون الأثر الإقتصادي الناتج عن الفيضانات الحالية مرتفعاً جدّاً مع تراجع تصدير الأرز واستيراد القطن بقيمة تتراوح بين 3 و 4 مليارات. وأبلغ وزير الدولة للشؤون المالية أييشا غوس باشا اللجنة بأنّه بعد تقييم الأضرار التي ألحقتها الفيضانات، ستقام مفاوضات مع منظمات دولية ثنائية ومتعدّدة الأطراف بغية طلب المساعدة وإعادة تمويل الديون.
في ذلك الإطار، سبق أن قدمت الصين وصندوق النقد الدولي الدعم لباكستان. فقد سدّد صندوق النقد الدولي الدفعة السابعة والثامنة من القرض الذي تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار بموجب خطة إنقاذ طرحها الصندوق. كما قامت الصين بإعادة تمويل ودائع بالعملات الأجنبية التابعة لإدارات الدولة، وقد استحقت الوديعة الأولى بقيمة 500 مليون دولار في 27 يونيو/ حزيران من العام 2022، والوديعة الثانية بقيمة 500 مليون دولار في 29 يوينو/ حزيران من العام 2022، والوديعة الثالية بقيمة مليار دولار في 23 يوليو/ تموز من العام 2022. كما تمّت إعادة تسديد مبلغ آخر بقيمة ملياري دولار لسنة واحدة.
الدمار جراء الفيضانات يظهر جلياً أكثر في مناطق مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني
إنْ أمعنا النظر جيّداً، نلاحظ أنّ الدمار الناجم عن الفيضانات يظهر جلياً أكثر في المناطق التي تمرّ فيها مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، خصوصاً في منطقة خيبر باختونخوا ومناطق غيلغيت – بلتستان ومقاطعة البنجاب وبعض مناطق بلوشستان. وإنْ قمنا بتحليل حجم الأضرار، نرى أنّ الفيضانات أحدثت خراباً كبيراً في السند وبلوشستان لأنّ المناطق الأخرى تقع في المرتفعات، وبالتالي بقيت بمنأى عن الفيضانات، ولذلك السبب لا يظهر أثر الفيضانات جلياً هناك.
وبحسب ما قال مقبول أفريدي، رئيس اللجنة الدائمة في مشروع الرواق الاقتصادي الصيني الباكستاني في اتحاد غرف الصناعة والتجارة في باكستان، لـ”أخبار الآن“، فإنّ “الوضع ليس سيئاً جدّاً في المناطق الساحلية في بلوشستان خصوصاً في منطقة مرفأ غوادار”. وأعلن أنّ “سبب حصول الفيضان السريع يعزى إلى ارتفاع منسوب المياه في نهر إندوس لأنّ مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني نفذ أشغالاً زادت من عنف النهر، وبسبب بناء الممر، تأثر تدفق المياه في نهر إندوس بشكل مباشر وغير مباشر، وبالتالي رأينا جميعاً الأثر الذي خلفه ذلك”.
فقط في المناطق الجنوبية لمقاطعة خيبر باختونخوا، غمرت الفيضانات 260 كيلومتراً من الطرقات الرئيسية و70 كيلومتراً من الطرقات الفرعية التي تربط بين مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. لقد زعمت إدارة المقاطعة يوم السبت الفائت أنّها قامت بإعادة فتح بعض الطرقات في الشبكة المذكورة، لكن شهود عيان صرحوا بأنّ معظم الطرقات السريعة مازالت مغمورة بمياه الفيضانات. وتشمل تلك الطرقات الطريق التي تربط بين ديرا اسماعيل خان وتانك، الطريق بين ديرا اسماعيل خان وبانو، الطريق بين ديرا اسماعيل خان وإسلام أباد، الطريق بين ديرا اسماعيل خان وشاشما، الطريق بين حثالا وكالاشي، طريق ساتا بالوشان، الطريق بين راماك وشاه جمال والطريق بين بروفا وماكار.
أما طريق كاراكورام السريع وهو طريق وطني بطول 1300 كلم ويمتد بين حسن أبدال في مقاطعة البنجاب الباكستانية ومعبر خونجيراب في غيلغيت – بلتيستان ويصل إلى الطريق السريع الوطني الصيني، فقد تعرّض لأضرار جسيمة في جزء كبير منه بسبب انهيار التربة.
وتعدّ منطقة غيلغيت – بلتيستان الجبلية الباكستانية وهي من المناطق المحرومة الواقعة في إقليم كشمير، بوابة عبور للرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني في ظلّ امتلاكها قدرة هائلة لتوليد الطاقة الكهرمائية. وقد أعلنت المنطقة أنّها تعرّضت منذ الأول من يوليو/ تموز لـ106 فيضانات مفاجئة ألحقت أضراراَ بـ510 منازل و50 جسراً و22 محطة لتوليد الطاقة. كما اشتكى سكان أقاليم أخرى بما فيها سكاردو وهونزا من تعرّضهم لأسوأ انقطاع في التيار الكهربائي إثر اجتياح المياه لمحطات الطاقة التي بناها الصينيون.
الملاريا تتفشى
في جانب آخر، كانت أعلنت باكستان أنّ حالات الإصابة بالملاريا تتفشى في المناطق التي اجتاحتها الفيضانات في البلاد، إذ وصل عدد الوفيات بسبب الأمراض إلى 324، مضيفة أنّ الوضع قد يخرج عن السيطرة، ما لم تصل المساعدات المطلوبة قريباً.
وهناك حاجة إلى مزيد من المساعدة الفورية للأسر النازحة التي تعاني بسبب أسراب البعوض ومخاطر أخرى، مثل لدغات الثعابين وعضات الكلاب. وهؤلاء في حاجة ماسة إلى الإمدادات الغذائية والمأوى والمساعدات الطبية والأدوية، ويشكو الكثير من عدم وصول تلك المساعدات إليهم رغم جهود الحكومة ومنظمات الإغاثة.
وتعتزم فرنسا استضافة مؤتمر دولي قبل نهاية العام، بشأن إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الفيضانات في باكستان. وجاء الإعلان بعد اجتماع ثنائي بين رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الباكستانية.
ومع ضعف النظام الصحي في باكستان ونقص الدعم، شكت الأسر النازحة من أنّها أصبحت مضطرة لاستخدام مياه غير صالحة في الشرب والطهي. وقالت حكومة إقليم السند، إنّ المرافق الصحية الموقتة والخيام المتنقلة في المناطق الغارقة، عالجت أكثر من 78 ألف مريض في الساعات الـ 24 الماضية، وأكثر من مليوني شخص منذ الأول من يوليو/ تموز الماضي، توفي ستة منهم.