المشروع الأغلى في تاريخ مونتينيغرو جزء من طريق بار بولغار السريع بطول 41 كيلومتراً، ينتهي أخيراً بعد 6 سنوات…
نعم تمّ الإنتهاء من العمل لكنّ القرض الممنوح من بنك التصدير والإستيراد الصيني (EXIM) بقيمة مليار دولار، باقٍ للسنوات الـ 14 القادمة. سدّدت مونتينيغرو القسط الأوّل من القرض في 20 يوليو، 27.79 مليون يورو من رأس المال والفائدة، ودفعت البنوك من ترتيب الإحتياط للدولة 37.44 مليون دولار من أصل وفوائد، وتمّ تحولها إلى البنك الصيني.
- قراءة علمية ومالية تؤكّد أن الخطر على مونتينيغرو قائم وقوي بسبب القرض الصيني لبناء الطريق السريع
- وفق بنود الاتفاق، فالمصرف الصيني أمّن نفسه ليأخذ احتياطات مونتينيغرو ما لم تتمكن من سداد القرض
- “نادي باريس” لا يضع رهناً على أيّ ممتلكات في مونتينيغرو كما حصل في العقد بين الصين ومونتينيغرو
- ليس بوسع مونتينيغرو اليوم تغيير بنود الإتفاق المبرم مع الصين، فالإلتزامات صارمة وقوية وتشكل خطراً كبيراً
يشير الخبراء إلى أنّ الصين قد أوقعت مونتينيغرو في “فخ الديون”، الذي سيسمح لها بالتأثير على سياسات مونتينيغرو والسيطرة على أراضيها أو بنيتها التحتية. فالعقد بين البلدين يفيد بأنّه في حال عدم تمكّن مونتينيغرو من سداد أقساط القرض، فقد تطالب الصين بالحصول على ممتلكات في مونتينغرو، وقد يطالب بنك الدولة الصينية على الفور بدفع القرض بالكامل مع الفائدة، إذا ما وجد أنّ هناك تغييرات كبيرة في المشروع، أو أنّ الدولة قد تواجه مشاكل في سداد القرض.
ثمّة نقطة مهمّة، إنّ استكمال بناء القسم الأوّل من الطريق السريع تأخّر مرّات عديدة، وفي تلك الحالة قبلت حكومة مونتينيغرو السابقة أن يتمّ تفسير الإتفاقية وفقاً للقانون الصيني، وأن يتمّ إجراء التحكيم المحتمل في بكين.
وأفاد الخبراء الماليون على مرّ السنين بأنّ مونتينيغرو وضعت نفسها في فخ الديون، وبأنّ القرض يمثل عبئاً ثقيلاً على اقتصاد ذلك البلد الصغير.
“خطر فقدان الممتلكات حاضر دائماً”
وفي هذا السياق، قالت ميلا كاساليتسا، الخبيرة المالية ووزيرة الدولة السابقة في وزارة المالية، في حديث لـ”أخبار الآن“، إنّ خطر فقدان الممتلكات حاضر دائماً، لكنّ مونتينيغرو تتمتع بمعدل ائتمان جيّد في كلّ أنحاء العالم. وأضافت أنّ القرض يعتبر قرضاً كبيراً لمسافة 41 كيلومتراً فقط من الطريق السريع. وتابعت أنّ ذلك كان أحد نقاط الضعف الأولى في المشروع، لأنّ دولة مونتينيغرو أخذت قرضاً من دون وجود مشروع متكامل ولكن مجرّد فكرة بناء طريق سريع.
اليوم وبعد مرور 6 سنوات من بداية الإعمار، لا يزال الطريق السريع مقفل أمام حركة المرور، وتُجرى اختبارات في الوقت الراهن للتأكّد من جودة البناء. لكن في الحقيقة، ذلك ليس النهاية، إذ مازالت هناك مرحلتان لانتهاء الطريق السريع، أحدهما يؤدّي إلى الحدود مع صربيا، والآخر إلى جنوب مونتينيغرو حيث تتواجد الموارد الإقتصادية الرئيسية للبلاد، فموسم الصيف يؤمن نحو 25 % من الناتج المحلّي الإجمالي للدولة، وفق ما قالت كاساليتسا، التي حذّرت من أنّ خطر ذلك القرض ما زال كبيراً بغض النظر عن أنّ الدائن الرئيسي هو الصين، إنّما أيضاً لأنّه مجرّد جزء صغير من الطريق السريع.
لقد كلّف الكيلومتر الواحد من ذلك الطريق 26 مليون يورو، واليوم لا يمكننا العودة إلى العام 2014 عندما وقعنا العقد، تقول كاساليتسا، التي أوضحت أنّه إذا ما نظرنا إلى الوضع الإقتصادي ككل والوضع المالي العام، نرى أنّ مونتينيغرو ليست في دائرة الخطر لسبب مهم، هو أنّ مونتينيغرو مدين ملتزم يدفع مستحقاته في موعدها، من العام 2011 وحتى الآن. ولكن هناك مخاطر حيث يتعين على مونتينيغرو سداد الديون في السنوات الـ 14 المقبلة، وجزء من المخاطر متوازن هذا العام بتوقيع قرض التحوط خصوصاً بسبب سعر صرف الدولار بالنسبة لليورو للسنتين المقبلتين.
“مصرف التصدير والإستيراد الصيني أمّن نفسه بموجب المادتين 7 و 8 من الإتفاقية، ليأخذ احتياطات مونتينيغرو في حال لم تتمكن الدولة من سداد القرض”
وتابعت كاساليتسا: كان للقرض الصيني منذ البداية معدل فائدة 2 % فقط سنوياً، لكنّ الخطر يكمن في سعر صرف الدولار واليورو في العامين المقبلين وسداد القرض على مدى الأعوام القادمة. وأشارت إلى أنّ مصرف التصدير والإستيراد الصيني أمّن نفسه بموجب المادتين 7 و 8 من الإتفاقية، ليأخذ احتياطات مونتينيغرو في حال لم تتمكن الدولة من سداد القرض.
وقالت الخبيرة المالية إنّ هناك خطراً كبيراً خصوصاً مع الأخذ في الإعتبار أنّ الشرط في المادة 8 من الإتفاقية، هو أن تكون الموازنة الصينية محدّدة من قبل بنك الصين والسلطات الصينية، وذلك يعرض مونتينيغرو للخطر في حال التحكيم إنطلاقاً من تلك النقطة. من هنا يتعيّن على سلطات مونتينيغرو أن تأخذ بعين الإعتبار أنّ الأصول معرّضة للخطر سنوياً، وهناك قسطان عليها أن تدفعهما في يوليو وديسمبر، وهنا يجب التأكيد على أنّه لا يمكن لمونتينيغرو أن تتأخر في الدفع الآن لأيّ مقرض.
“ثمّة مخاطرة من أن تفرض بكين المزيد من التكاليف”
عندما قررت سلطات مونتينيغرو في العام 2014 بناء طريق سريع، لم تكن أي حكومة غربية مهتمة بالإستثمار. وأعلنت وزارة الاستثمار الرأسمالي الحالية عن 3 دراسات جدوى، ولم تعطِ كلّ تلك الدراسات مداخلات تفيد بأنّ الإستثمار في الطرق السريع سيكون مربحاً خلال الـ30 عاماً الأولى. وهي تحدد فترة 3 عقود لتحقق ذلك الطريق ربحاً.
اقترحت الحكومات الغربية مشاريع استثمار من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف للإستثمار في إنشاء عدة طرق سريعة وليس طريقاً سريعاً واحداً. ومع ذلك، صوّت برلمان مونتينيغرو على قبول العرض ووقع عقدين مع مصرف التصدير و الاستيراد الصيني, و شركة الطرق والجسور الصينية. وأشارت كاساليتسا إنّ الوضع في اللحظة الحالية عندما سيتمّ سداد أوّل دفعة في يوليو، مونتينيغرو ليست في وضع يسمح لها العودة إلى عقد اتفاقات مع دائني “نادي باريس”، لأنّ الصين ليست عضواً في نادي باريس، فهناك مخاطرة أن تفرض الصين المزيد من التكاليف، وبالتالي فالآن لا يمكن حصول أيّ اتفاقات إلّا بين الصين ومونتينيغرو.
السفارة الصينية في مونتينيغرو ترفض التعليق على المخاوف
“نادي باريس” هو نادٍ لديه إجراءات محدّدة بدأ عمله في العام 1970 عندما حدثت أزمات في العديد من البلدان لاسيما النامية. ذلك النادي يضم دولًا غربية في الغالب وروسيا، وبعض الدول النامية من الشرق الأوسط إضافةً إلى مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنوك التنمية الأخرى.
مهام ذلك النادي محدّدة جدّاً.. قضية جمهورية يوغوسلافيا السابقة معروفة جدّاً، فقد تمّت إعادة هيكلة ديون يوغوسلافيا في العام 2001 وتمّ شطب 66 % من ذلك الدين.
تقول كاساليتسا إنّ نادي باريس لا يضع أيّ رهن عقاري على أيّ عقارات أو موارد في مونتينغرو، وهو يعمل عن كثب مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى، وبالتالي ليس هناك من مخاطرة بمواردنا في هذه الحالة، لكن حينها ستكون الأموال والإصلاحات بيد نادي باريس أو صندوق النقد الدولي. وبالتالي وخلصت إذا عقدنا أيّ اتفاق مع نادي باريس، فلن نخسر أيّ عقارات وكن يمكننا الإنتهاء من قائمة صارمة للغاية من الإصلاحات التي يتعيّن علينا تنفيذها.
ليس بوسع مونتينيغرو اليوم تغيير أيّ شيء في بنود الإتفاق مع الصين ما لم تتمكن من دفع ما عليها من موجبات لمصرف التصدير و الإستيراد الصيني
تبلغ ديون مونتينيغرو ما يقارب 4.5 مليار، و 30 % ديون محلية، و 70 % لدائنين دوليين، ويشكّل القرض من مصرف التصدير و الإستيراد الصيني فقط 10%، أمّا الباقي فيصل تقريباً إلى مليارين من الدائنين الغربيين. وفي حال حصول أيّ نوع من إعادة هيكلة الديون، فلن يكون هناك مشكلة في السنوات الـ 3 القادمة، إلّا إذا استمر وباء كوفيد الذي أثر بشكل كبير على اقتصاد مونتينيغرو العام الماضي.
وقالت كاساليتسا إنّه إذا لم تتمكن مونتينيغرو من دفع ما عليها من موجبات لمصرف التصدير و الإستيراد الصيني، فليس بوسعها القيام بأيّ شيء لأنّه لا يمكن تغيير بنود الإتفاق المبرم، مشيرةً إلى أنّ الإلتزامات صارمة وقوية وتشكل خطراً كبيراً على سلطات مونتينيغرو والمواطنين.
“أخبار الآن” طلبت من السفارة الصينية في مونتينيغرو التعليق على تحذير الخبراء من احتمال تعرّض مونتينيغرو لخطر فقدان بعض الممتلكات في حال العجز عن سداد الديون، لكنّنا لم نحصل على إجابة. لكنّ السفير الصيني في مونتينيغرو ليو جين كان علّق في سبتمبر على قرض الطريق السريع لبوابة مونتينيغرو بورتال أناليتيكا، وقال إنّ قضايا القرض الصيني “مسيسة تماماً”.
مونتينيغرو تلجأ إلى “التحوّط”
تجدر الإشارة إلى أنّ مونتينيغرو كانت وقّعت في يوليو، قبل الدفعة الأولى، اتفاقية للتحوط من نحو مليار يورو (1.2 مليار دولار) من الديون المستحقة لمصرف التصدير والإستيراد الصيني لبناء طريق بار بولغار السريع. من خلال عملية التحوط، تمكّنت مونتينيغرو من خفض سعر الفائدة على القرض إلى 0.88 % باليورو، من 2 % بالدولار الأمريكي، وستكون قادرة على توفير نحو 8 ملايين يورو سنوياً.
“لو لم يتم التحوط، لكانت هذه الـ27.79 مليون يورو ستصل إلى 31.71 مليون يورو. أيضاً كانت الفائدة وحدها ستصل إلى 6.9 مليون يورو، وليس 3.06 مليون يورو التي دفعناها، وفق ما أوضح حينها ميلوخو سبايتش، وهو وزير المالية.
وكانت “أخبار الآن” أجرت لقاءً مع نائب رئيس ورزاء مونتنيغرو دريتان أبازوفيتش، الذي قال إنّه ثمّة مشكلة مالية في مونتينيغرو مع الصين، معتبراً أنّ ذلك الطريق هو واحد من أغلى الطرق السريعة في العالم. مشيراً إلى أنّ كل ما تمّ القيام به بشأن ذلك الطريق في تلك الفترة، كان ينقصه الشفافية، مرجعاً ذلك الخطأ الكبير إلى الحكومة والسلطات السابقة. وقال إنّ الطريق السريع يؤدّي إلى لا مكان، لدينا المزيد من العقود اللامنطقية، لكنّ ذلك العقد هو الأكبر من الناحية المادية، لذا نحن بدأنا بمحاربة الفساد في قضايا أخرى أيضاً.