“الأربعاء الأحمر”.. إيزيديو العراق يحتفلون بعيد رأس السنة
مع غروب الشمس عن ساحة معبد لالش بشمال العراق، يُشعل مئات الإيزيديين، وقد ازدانوا بملابس جميلة، قناديلهم احتفالاً بحلول عامهم الجديد، لكن، على غرار عمر سنان، هم يحتفلون “وفي القلب غصّة تأبى أن تغادر!” منذ الأهوال التي تعرّضت لها هذه الأقلية على أيدي الجهاديين قبل سنوات.
سنان (37 عاماً) الذي أتى مع أسرته للاحتفال بعيد رأس السنة الأيزيدية يعمل مدرّس رياضيات في قرية إيسان الواقعة بين شيخان وباعذرا.
منذ اجتاحت جحافل تنظيم داعش معقل هذه الأقليّة في جبل سنجار بشمال العراق في 2014 وقتلت رجالها وسبَت نساءها وأطفالها لم يعد عيد رأس السنة، ولا سواه من الأعياد، مناسبة سعيدة تزرع الفرح في قلوب هذه الأقلية الناطقة بالكردية.
بين العامين 2014 و2017 سيطر التنظيم الإرهابي على معظم المناطق التي يقطنها الإيزيديون في شمال العراق. وفي هذه السنوات الثلاث قتل داعش آلافاً من الإيزيديين وارتكبوا أهوالاً شتّى بحقّ من بقي منهم على قيد الحياة.
“غصّة في قلوبنا”
يقول سنان لوكالة فرانس برس وقد وضع يديه على رؤوس أطفاله الصغار “منذ عملية الإبادة التي حلّت بنا وبأهلنا في سنجار ولحدّ هذه اللحظة، هناك غصّة في قلوبنا تأبى أن تغادر. هذه الغصّة سترافقنا إلى الأبد ولكنّنا رغم ذلك مستمرّون بتأدية طقوسنا الدينية المقدّسة”.
ويضيف عشية رأس السنة الإيزيدية الذي يصادف هذا العام الأربعاء “في السابق فرحتنا كانت أكبر وأوسع ولكنها حاليا مكسورة في داخلنا بسبب ما حصل لنا.. يصعب علينا نسيان الأحداث التي مرّت على الإيزيديين” بسبب تنظيم داعش
ورأس السنة الإيزيدية الذي يطلق عليه اسم عيد “سري صالي” هو من الأعياد المقدّسة عند الإيزيديين.
في هذا العيد، يرتدي الإيزيديون أجمل ما عندهم من ملابس، ويزّينون أبواب منازلهم بأزهار شقائق النعمان التي يسمّونها “زهرة نيسان”، ويلوّنون 12 بيضة مسلوقة بألوان تشير لفصول السنة، أحمر وأخضر وأصفر وأبيض.
كذلك، يتعيّن على ربّ كل منزل إيزيدي أن يذبح في هذا العيد خروفاً، يحتفظ بقسم من لحمه لأسرته ويوزّع القسم الباقي على الفقراء.
وفي هذا العيد يزور الإيزيديون أيضاً قبور موتاهم.
أما في معبد لالش الذي يقع في محافظة دهوك بإقليم كردستان على بُعد حوالى 12 كلم شمال غرب مركز قضاء شيخان، فيأتي في عيد رأس السنة الإيزيديون مع عوائلهم حفاة للصلاة وإشعال 365 قنديلاً، بعدد أيام السنة، مستخدمين في ذلك زيت الزيتون النقيّ الذي يعصره الرجال والنساء في المعبد قبل العيد.
“نهضوا مثل الزرع”
والثلاثاء، قرّر مجلس الوزراء العراقي “اعتبار أول يوم أربعاء في شهر نيسان/أبريل من كلّ عام، عطلة رسمية للمكوّن الإيزيدي”.
ويقول فالح حسن جمعة (60 عاما) الذي جاء إلى المعبد مع زوجته وأبنائه الثلاثة لفرانس برس إنّ “الإيزيديين تعرّضوا لـ74 عملية إبادة على مرّ التاريخ، لكنّهم نهضوا في كل مرّة مثل الزرع الذي يخرج من باطن الأرض كي تستمر الحياة”.
ويضيف جمعة الذي فضّل البقاء في العراق خلافاً لإخوته الأربعة الذين هاجروا مع عوائلهم إلى ألمانيا بعد استيلاء تنظيم داهش الإرهابي على مناطقهم “نحن أقلية ضعيفة، وقع علينا ظلم ولكنّنا نهضنا من جديد لأنّنا نحبّ الحياة ونحبّ العيش بسلام مع بقية المكوّنات في هذا البلد”.
ويتابع مدرّس اللغة العربية السابق الذي ارتدى زياً أبيض، رمز السلام في المعتقد الإيزيدي، وكوفية حمراء “نحن على يقين من أنّه إذا لم ينصفنا قانون الأرض فهناك ربّ في السماء هو الذي سينصفنا في آخر المطاف ومهما حصل لن ينجح مسعى الظالم في هذه الحياة”.
وفي أيار/مايو 2021، أعلن فريق تحقيق خاص من الأمم المتّحدة أنّه جمع “أدلّة واضحة ودامغة” على ارتكاب الجهاديين إبادة جماعية بحق الأيزيديين.
“لا يمكن أن ننساهن”
وأكّد رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني مساء الثلاثاء أنّ منطقة سنجار ما زالت تنتظر “ترتيبات سياسية وأمنية” لتهيئة عودة 200 ألف نازح غادروها بشكل رئيسي إلى إقليم كردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي.
وكانت الحكومة خصّصت في آذار/مارس 38.5 مليون دولار لصندوق جديد تم انشاؤه لإعادة إعمار سنجار وسهل نينوى بعد الدمار الذي حلّ بهذه المنطقة من جرّاء المعارك.
وفي آب/أغسطس 2022، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أنّ تنظيم داعش دمّر نحو 80 بالمئة من البنى التحتية و70% من مساكن المدنيين في مدينة سنجار ومحيطها.
وحتى اليوم يتم اكتشاف مقابر جماعية في سنجار.
ولا يزال أكثر من 2700 شخص في عداد المفقودين، بينهم أشخاص كانوا معتقلين لدى تنظيم داعش، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
وتقول خولة عبدو (67 عاماً) التي ارتدت ملابس العيد المميّزة وجلست على سلّم بين شابات ارتدين الزيّ التقليدي الأبيض وغطاء رأس زيّن بـ”ليرات” من الفضّة أو مسكوكات ذهبية “لقد أتينا الى هنا لندعو الله في هذا اليوم المقدّس لكلّ بناتنا اللواتي ما زلن أسيرات بيد عدوّنا”.
وتضيف وقد رفعت يديها الى السماء “ندعو الله أن يحرّرهم وأن يحقّق لنا هذه الأمنية لأنّه لا يمكننا أن ننساهنّ أو أن ننسى ما حصل في سنجار أبداً”.
وتوضح هذه المسنّة أنّها فرّت إلى ألمانيا مع زوجها وأبنائها وبناتها الثمانية بعد هجوم الجهاديين لكنّها أصرّت على المجيء من بافاريا للاحتفال بالعيد.
وتقول “نأمل أن يزول هذا الهمّ والحزن عن قلوبنا، وأن يعود كلّ من تهجّر إلى بيته، بين أهله وناسه، وأن يعمّ السلام في ربوع هذا البلد”.