لم تترك جماعة الشباب الإرهابية أرضاً في الصومال إلّا وعبثت بها… هدفها في نشر الفوضى والتخريب في القرن الأفريقي لم يوفّر قطاعاً، ويأتي قطاع التربية في المقدمة، إذ أنَّ أكثر العمليات دمويةً التي نفذتها الجماعة داخل الصومال وخارجه، طالت صروحاً تعليمية. وبداية العمليات الإرهابية التي ما زالت في ذاكرة الصوماليين، كانت أيضاً في حفل تخرّج في العام 2009، وكانت تلك العملية أوّل عملية إرهابية لجماعة الشباب في مقديشو.
طلاب الصومال.. طموح مستمر رغم الترهيب
“أخبار الآن” زارت إحدى المدارس في العاصمة حيث التقت طلاباً تحدّثوا عن آمالهم في بلد آمن ومستقر، وعن خطط مستقبلية يتطلعون إلى تحقيقها سعياً لتحسين مستوى حياتهم. فماذا وجدت هناك، وكيف عبّرت الطالبة في الثالنوية دانا الجيلاني عن واقعها ومستقبلها؟
لمحة سريعة عن هجمات الشباب على مراكز القطاع التربوي
في 3 ديسمبر العام 2009، نفَّذت جماعة الشباب أوّل عملية إرهابية لها داخل مقديشو مستهدفةً حفل تخريج طلاب من كلية الطب في جامعة بنادير. الهجوم الانتحاري ذلك قتل 26 شخصاً أبرزهم متخرّجون وأساتذة جامعيون، وضمنهم 3 مسؤولين حكوميين. وحصل ذلك الهجوم عندما كانت جماعة الشباب تسيطر على معظم ضواحي العاصمة مقديشو، وقد فتح العين على حقيقة تلك الجماعة وبدأت الشكوك حول رؤيتها للتعليم ونظرتها للشباب.
في 4 أكتوبر العام 2011، قتل تفجير انتحاري عبر شاحنة مفخَّخة 100 طالب وطالبة تواجدوا أمام وزارة التربية والتعليم العالي، في تقاطع زوبي الشهير الذي زارته “أخبار الآن” خلال جولتها في مقديشو. كان ذلك التفجير مأساةً حقيقة إذ أتى في وقت تجمَّع فيه آلاف الطلبة من مختلف أنحاء الصومال أمام وزارة التربية للحصول على شهاداتهم وطلب الحصول على منح تعليمية خارج البلاد.
في 2 أبريل العام 2015، نفَّذت جماعة الشباب مجزرة داخل جامعة غاريسا شرق كينيا راح ضحيتها 148 شخصاً، معظمهم طلبة. كان ذلك الهجوم هو الأعنف في تاريخ كينيا، وقد تبنت جماعة الشباب فورا، مبررةً تلك المجزرة التي استهدفت شبَّان وشابات داخل حرم جامعتهم، بأنَّها ردّ على كينيا وعموم الدول الأفريقية التي تدعم الجيش الصومالي وتدربه في حربه ضدَّ الجماعة. تفجير جامعة غاريسا خلق موجة دولية من الاستهجان والغضب زعزَّز من الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأفريقي إلى الدولة الصومالية بغية القضاء على إرهاب جماعة الشباب.
في 30 أكتوبر العام 2022، استهدفت جماعة الشباب مرةً أخرى مبنى وزارة التربية والتعليم في تقاطع زوبي الشهير الذي يشكل عصب الدولة الصومالية. التفجير ذلك أتى في يوم مخصص لتسليم 35,000 طالب وطالبة شهادات نجاحهم في الثانوية العامة. وقد راح ضحيته أكثر من 120 شخصاً معظمهم طلبة أيضاً.
كيف تبرّر جماعة الشباب قتل الطلاب؟
بعد تفجير أكتوبر العام 2022، كان لا بدَّ لجماعة الشباب أن تبرّر إجرامها تجاه الطلبة، لذلك نشرت عبر إعلام القاعدة على تطبيق تلغرام، تصريحات لمهاد كاراتي، أحد الناطقين باسم الجماعة، يبرر فيها القتل الممنهج ضدّ طلاب الصومال. يقول كاراتي إنَّ “مشاريع وزارة التربية والتعليم ومناهجها تهدف للنيل من تعاليمنا”، ويعتبرها، “مُضلِلة تستخدم من قبل العدو ضمن حربه النفسية ضدَّنا”.
لا تريد جماعة الشباب للفتية والفتيات أن يتعلّموا. تلحق بهم إلى مدارسهم لقتلهم وقتل الطاقم التعليمي. تستفزها مشاهد الفتيات وهنَّ يتعلمن. فهي أصلاً لا تؤمن بضرورة تعلّم الفتيات. ومنهجها الخاص الذي تحاول تطبيقه في المناطق التي مازالت تقبع في عتمتها، يرى في التعليم مدخلاً للتجنيد. إذ تؤكّد مصادر “أخبار الآن” من منشقّين عن الجماعة، أنّه وبعد توفير الجماعة سنتين من التعليم البدائي تختار الجماعة 10 فتيان لاستكمال تحصيلهم العلمي، فيما تنقل الآخرين إلى معسكرات التدريب.
أخبار الآن تزور مدارس مقديشو الشاهدة على تفجيرات الشباب
“أخبار الآن” زارت عدداً من المدارس والثانويات، بعضها كان ضحية تفجيرات الجماعة، إلّا أنَّها لم تتوقف عن آداء دورها التعليمي رغم الاعتداءات وتبعاتها على البشر والحجر. إصرار الطلبة على التعلّم واضح جدّاً، كذلك تمسّك الأسرة التربوية باستمرارية الصفوف أياً كانت الظروف. حاورنا الأسرة التعليمية في المدارس التي زرناها واحترمنا رغبتهم وتوصيتهم بعدم نشر مقاطع لهم وهم يصفون لنا ماذا فعلت جماعة الشباب بقطاع التعليم والمدارس، وذلك كي لا تكرر الجماعة استهدافهم، خصوصاً وأنَّها ترى متعة في تفجير صروح تعليمية وفق ما يبيّن تاريخها الدموي.
“لا مخرج من الأزمة إلّا بالتعليم”
محمود صلاد علي، مدير قسم التعليم في أحد مدارس العاصمة قال لـ”أخبار الآن“: “قد مررنا بظروف صعبة وكدنا نفقد الأمل، لكن تشبَّثنا بآمالنا واستجمعنا قوتنا وقمنا بإعادة بناء ما دُمّر، مدركين كمؤسسة أنَّ ما من مخرج للظروف التي تمر بها البلاد إلا عبر التربية والتعليم”. وأكمل : “الآن تأكَّدنا أنَّ لا عودة إلى الوراء ولم يعد هناك كخاوف بانقطاع تلك الخدمة الرئيسية في البلاد، ونحن كمؤسسة تعليمية نتطلَّع للتقدّم وسنمشي إلى الأمام برسالتنا ونتحدَّى الظروف كلها”.
دانا الجيلاني، هي طالبة في الثانوية، وجهت رسائل قوية للفتيات الصوماليات اللواتي لا يستطعن التعلم، وقد أرادت عبر أخبار الآن تحدّي منطق جماعة الشباب وسياستها تجاه تعليم الفتيات. قالت: “التعليم مهم جدّاً للأسرة وللفتيات خصوصاً، وأنا أتعلم كي أفيد عائلتي، وكي أقول للجميع إنّ المرأة تستطيع أن تحقق طموحاتها، وتستطيع أن تصل إلى أماكن لم يصلها الرجال من قبل، فمن غير الصحيح اختصار دور المرأة بتحضير الطعام والزواج والإنجاب… وبالتالي على الجميع أن يعرف أنّ وراء كلّ رجل عظيم إمرأة عظيمة أيضاً”. وأضافت دانا: “أقول للفتيات اللواتي مُنعن من التعليم، لا للاستسلام، كنَّ قويات وإنْ لم تستطعن الذهاب إلى المدرسة، تعلّمن بمفردكنّ”.
تطمح دانا أن تفتح بعد تخرجها مركزاً يأوي الأيتام ويقدّم لهم الرعاية اللازمة. وقد أشارت لـ”أخبار الآن” إلى أنّ بلدها سيتعافى من الارهاب وسيعود الأمن إليه، “فهو يستحق الأمن والأمان وأن تزوره الناس من كل أنحاء العالم”.
جهود داخلية ودولية تضمن استمرار التعليم
لا تسطيع وزارة التربية الصومالية أن تؤمن مستلزمات فتح المدارس في البلاد، فهي ما إنْ تتعافى من تفجير لجماعة الشباب يطال مركزها الرئيسي في قلب العاصمة، يأتيها عمل إرهابي جديد ليُدمّر كل شيء مرة جديدة. لذلك، تتعاون وزارة التربية مع جهات خارجية ومنظمات مانحة، تأتي في طليعتها منظمة اليونيسف التي تعمل في الصومال من أجل الأطفال منذ العام 1972.
“أخبار الآن” التقت مديرة مكتب يونيسف في الصومال وفاء سعيد عبداللطيف (Wafaa Saeed) في المقر الرئيسي للمنظمة داخل مقديشو، حيث تحدَّثت عن المهمّات التي تقوم بها المنظمة بالتنسيق مع الجهات الحكومية خصوصاً في المناطق المحرّرة حديثاً من جماعة الشباب حيث الوضع كارثي.
بحسب سعيد، يوجد الآن في الصومال أكثر من 4.8 ملايين طفل خارج المدرسة، وذلك بسبب ارهاب جماعة الشباب والجفاف الذي تعانيه الصومال بعد دخولها في موسم شتوي خامس جاف. واليوم، تسعى يونيسف بالتعاون مع وزارة التربية على ضمان بقاء الذين تسجلوا سابقاً في المدارس على مقاعد الدراسة، لأنَّ نسبة الأطفال المسجلين في المدارس هي أصلاً لا تتعدى عتبة الـ30% من العدد الإجمالي لأطفال الصومال. وتابعت أنَّ وزارة التربية واليونيسف تحاولان تعليم ما يصل إلى 150,000 طفل كانوا قد فرّوا من مناطقهم بسبب الاقتتال والتغييرات المناخية.
مناطق جماعة الشباب جحيم للأطفال
وشرحت سعيد لـ”أخبار الآن” ما وثقته اليونيسف في مناطق سيطرة جماعة الشباب، كاشفةً حجم الكوارث هناك لأنّ أكثر الأطفال المحتاجين لدعم سريع ومتعدد الأوجه، هم أطفال يعيشون في مناطق الشباب. وقد وثَّقت اليونيسف وجود عدد كبير من الأطفال غير المصحوبين بذويهم، وأيضاً رصدت حالات كثيرة من الزواج المكبر. كذلك وثَّقت المنظمة وجود حالات عديدة لعمالة الأطفال في المناطق التي تشهد مواجهات مع جماعة الشباب، مؤكّدةً أنَّ المنظمة تسعى للتوعية حول مخاطر تلك العمالة والزواج المبكر وعدم إيواء المشرَّدين.
جماعة الشباب التي لا تؤمن بالتعليم ولا تراه حاجة إلّا إذا اقترن بتجهيز مقاتلين في صفوفها، تترك القسم الأكبر من أطفالها من دون مدرسة ومن دون أدنى مقوّمات الحياة مثل الوصول إلى مياه نظيفة للشرب. وأوضحت سعيد أنَّ الأطفال في مناطق جماعة الشباب غير مُطعَّمين وغير معلَّمين، وتسعى يونيسف جاهدةً للوصول إليهم لتزويدهم بالمأكل والمشرب وتعليمهم.
اصرار أطفال الصومال على التعليم يعطي أملا بالانتصار على جماعة الشباب
أخبار الآن عاينت عن قرب إصرار الصوماليين على التعلّم رغم الأوضاع الكارثية في البلاد، بسبب تفجيرات جماعة الشباب وحقدها على كلّ من ينتمي إلى قطاع التعليم. كذلك، وثَّقت اليونيسف ذلك الأمر في أماكن النزاع وحيث تتواجد جماعة الشباب، إذ شرحت سعيد كيف يأتي أطفال من فئات عمرية مختلفة لحضور الحصص التعليمية التي تُعطى في مناطق النزاع لفئة كبيرة بأعمار مختلفة، لم تتلقَ التعليم من قبل على الإطلاق.
شاهدوا أيضا: قتلت رفيقيه وتنتظر فرصة اغتياله.. رئيس علماء الصومال في مواجهة جماعة الشباب