على مدى 20 عاماً، كانت المرأة الأفغانية تنضالُ كي تستعيدَ شيئاً من حريتِها، وكلَّ ما من شأنه أن يساعدَها في ممارسةِ حياتِها بحريةٍ وبشكلٍ طبيعي، بعدما حاولت طالبان طمس هويتها.
- باشتانا دوراني تختبىء في أفغانستان حفاظاً على سلامة عائلتها والعاملين معها
- الناشطة الأفغانية تصرّ على البقاء بأفغانستان وتعليم الفتيات ولو حتى سرّاً ورغماً عن أنف طالبان
- طالبان لم تكن متسامحة في السابق وهي لن تكون في المستقبل
- لماذا علينا أن نتخلى عن كل ما اكتسبناه فقط لأن ساكني القصر الرئاسي تغيّروا؟
- لن أثق بحركة طالبان وقد طفح كيل الأفغان والعالم يعشق التدخّل في سياسة بلدنا
- حان الوقت كي تعي طالبان ضرورة وقف سفك الدماء وعمليات الثأر الشخصية
- لا أودّ أن أكون إمرأة تحمل السلاح والسلام لا يأتي عن طريق السلاح
وفي هذه السنوات الماضية، تمكّنت المرأة الأفغانية من تحقيق مكاسب لافتةً، بدءاً من التعلّم وصولاً إلى دخولها معتركَ الحياةِ السياسية والقضائية وغيرِ ذلك، بمعنى آخر أنّها انخرطت في الشأن العام.
هذه المرأة خبُرت جيّداً بطش طالبان، لذلك تجدُها تفرُّ سعياً للحفاظِ على حدٍّ أدنى من الحرية، والعيشِ في ظل ظروفٍ تؤمن لها حياةً كريمة طبيعية، فهي تخاف الإطباقَ عليها من جديد.
الناشطة باشتانا دوراني، تعمل في مجال تعليم الفتيات الأفغانيتات، وهي واحدة من النساء اللواتي ما زالن يناضلن رفضاً لسياسية طالبان. تعيش هذه السيّدة الأفغانية قصةُ تحدٍ، هي متوارية نعم، لكنّها لم تهرب من أفغانستان حيث تصر على البقاء والنضال.
“لماذا علينا أن نتخلى عن كل ما اكتسبناه فقط لأن ساكني القصر الرئاسي تغيّروا؟”
تقول باشتانا لـ”أخبار الآن“: “في الواقع أنا لا أهرب من شيء، بل أختبىء كرمى لعائلتي وللأشخاص الذين عملوا معي. وفي الوقت نفسه لا أريد أن يُستهدفوا بسببي قبل أن يعود الوضع إلى طبيعته، وقبل أن أحصل على ضمانات ليتمكّنوا من العمل. فهذا ما نحتاج إليه في الوقت الراهن، وهذا ما أريد أن أراه لأنّ القصة هي أنّني لست خائفة بل تتعلق بسلامة الأفغان”.
وتابعت: “لقد انخرط نصف أفراد عائلتي في الجيش الأفغاني كما عمل نصفهم أيضاً مع الحكومة إلى جانب المدنيين، وكذلك غالبية العاملين إلى جانبي الذين عملوا على مساعدة المواطنين والمدارس الرسمية، لذلك قد يكونون مستهدفين الآن، وأنا لا أريد أن أعرّضهم للخطر”.
تؤكّد باشتانا أنّ ليس هدف الأفغان اليوم الضغط على طالبان لأنّهم بحسب المنطق لن يكونوا متسامحين جدّاً. كما أنّ العفو العام لا ينفع في كلّ مكان وكانوا يرتكبون أعمالاً ثأرية، لكن الأهم هو أنّ الرأي العام عليه أن يفهم أنّ حركة طالبان لم تكن متسامحة في الماضي، فهي لو كانت كذلك، لما كنا نختبىء اليوم”.
وسألت: “هل يقبل أي شخص حي لديه جذوره وهويته ويعيش في بلده بهذا الوضع؟ لا، لن يستسلم له، فهناك أجيال من عائلتي عاشت كلاجئين، وهناك أجيال من أقاربي قد هربت أيضاً. لماذا كلّما يكون هناك حكومة جديدة، يضطر المدنيون إلى الفرار أو الخضوع كلّ حياتهم. لماذا علينا أن نتخلى عن كل ما اكتسبناه في بلدنا فقط لأن ساكني القصر الرئاسي قد تغيروا؟ لا أريد أن أقبل بهذا الواقع كل حياتي وأضطر أن أهرب وأصبح لاجئة من جديد. ثانياً والأهم هو أنّ الوضع السياسي يتغير أحياناً، ولكن لا يجب أن يؤثر على حياة المدنيين ولا على السياسات القائمة ولا على المواطنين العاديين، ولا يجب أن تحصل أزمة إنسانية كلما تغيّر الرئيس أو باتت هناك حكومة جديدة أو قيادة جديدة”.
وأضافت باشتانا لـ “أخبار الآن“: “لا يجب على الفتيات أن يقلقن لأنّ حاكماً آخر بات يسكن القصر الرئاسي، فقد طفح الكيل. أولاً لا يجب على أي رجل أن يأخذ قراراً عني، وإنْ كان في موقع سلطة، لا يجب أن يعتقد أن لا أحد يحق له أن يجادله، وأن لا أحد يحق له أن يقول له إنّه أخطأ في قرار ما”.
وتابعت: “بوجود طالبان أو بغيابهم، يستمر تعليم الأفغانيات. هذا أمر لا يجب إطلاقاً أن نقدّم تنازلات بشأنه. أودّ أن أشدّد مرة أخرى على أنّه لا يجب تقديم أي تنازلات بشأن تعليم الأفغانيات. تلك كانت النقطة الأولى. أمّا الثانية فهي إنْ قبلوا، يمكننا أن نمضي قدماً ونبدأ العمل على المدارس الرسمية لأن الحرب قد انتهت في المناطق الريفية وعليهم أن يبنوا المدارس في المناطق الريفية التي تشكل معظم الأراضي الأفغانية، لكن إن لم يحدث ذلك، نحن لدينا أصلاً شبكة التعليم الخاصة بالفتيات التي أمّنت التعليم الرقمي وبالتالي نواصل تعليمهم في السر وعن بعد”.
“حان الوقت للشعب الأفغاني أن يقرر مصيره بدلاً من أن تقرر حكومة أخرى ذلك”
لا تعتبر باشتانا أنّ دول العالم تخلّت عن الأفغان، قائلةً: “للمرة الأولى أمّنت بعض الدول عمليات إجلاء للشعب الأفغاني. هنا أتحدث بكل صدق وحتى لو أرسلوا مساعدات إغاثة، حان الوقت للشعب الأفغاني أن يقرر مصيره بدلاً من أن تقرر حكومة أخرى عنّا وتقرر مَن هم قادتنا، هذه هي النقطة الأهم. كان العالم يقرر عنا سياساتنا منذ 20 عاماً عندما أوصلوا كرزاي إلى الحكم، وبعد 20 عاماً أتى بغاني، فبرأيي العالم لم يتخلّ عنا أبداً لأنّه يعشق التدخل في سياستنا”.
وأشارت إلى أنه “إنْ كانت الأسرة الدولية تدّعي حقاً أنّها تدعم حقوق الإنسان وحقوق التربية وحقوق المرأة، عليها أن تدعم كلّ هذه المجالات، لكن أكرر مجدداً أن كل شيء رهن بالسياسة. هل تسمح لهم سياساتهم بذلك؟ وإنْ سمحت، وكانوا يدّعون حقيقة الأمور، فعليهم أن يدفعوا باتجاه سياسات من شأنها أن تساعد الأفغان والفتيات الأفغانيات على الحصول على التربية، وتخوّل النساء الأفغانيات دخول المعترك السياسي لأنّ كل هذه النقاط مهمة”.
وأردفت أن “طالبان أتت بالقوة وقيل لها أن تحتفل بكل شيء وبكل فوز تحققه، وفي الوقت عينه ذلك يعني لها أنّها فازت بالحرب المقدسة لكنهم في الحقيقة يجعلون المدنيين يعانون. هذه هي حركة طالبان. أعتقد أنه حان الوقت أن يعوا ضرورة وقف سفك الدماء وعمليات الثأر الشخصية التي تظهر ليلاً نهاراً على وسائل الإعلام الدولية. كفى! عليهم أن يبدأوا بالتركيز على البلاد وأن يتوقفوا عن الكلام ولو لمرة واحدة، ويبدأوا بالتركيز على إعادة بناء البلاد إنْ كانوا حقاً يريدون وقف العداوة والوصول إلى الحكم، القرار بيدهم اليوم. فلننتقل إلى حقبة السلام ونركّز على الشعب ونساعد اليد العاملة القادرة، ونوقف هجرة الأدمغة ونفتح عدداً أكبر من المدارس والمؤسسات العامة، ونطوّر أكثر البنية السياسية. ليس علينا أن نكون مستعمرة لأيّ دول إقليمية، يجب أن نكون دولة مستقلة تحكم ذاتها”.
“دعوا الفتيات يذهبن للمدارس، ودعوا النساء يدخلن مكان العمل، دعوا المدنيين يعيشون بسلام”
وقالت: “هل أثق بهم إنْ قالوا شيئاً وفعلوا شيئاً آخر؟ لا أعتقد. حالياً يتكلمون كثيراً ولا ينفّذون شيئاً إطلاقاً. لو كانوا قد عيّنوا وزيرة أو إمراة في صفوف قيادة طالبان، لكنت قلت إنّهم تغيروا وبالتالي لنتحدث معهم. أنا مستعدة للعمل من أجل بلدي، لا أرغب بالعمل مع مجموعة سياسية، لكنني أرغب بالعمل من خلالها فهناك فرق. أنا مستعدة للبقاء مكاني وأن أركّز على قطاع التعليم وقطاع المرأة، لكن عدا عن ذلك لا أريد الدخول في السياسة للتفكير في هوية من يتبوأ المناصب وماذا يفعل كل واحد. كل مفاوضاتي جارية وكل مطالبي هي نفسها ولم تتغير. هي نفسها التي أطلبها من طالبان وقادة العالم وكل المسؤولين في أفغانستان. دعوا الفتيات يذهبن إلى المدارس، ودعوا النساء يدخلن مكان العمل، دعوا المدنيين يعيشون بسلام، فالبنية السياسية يمكن تحديدها في ما بعد”.
ولفتت إلى أنّ “حركة طالبان منفتحة كثيراً على الإعلام الدولي وتعشق التحدث إليه، فلربّما يسأله الإعلام بالنيابة عنّي، ما هي مشكلة طالبان مع النساء الأفغانيات لأنّ النساء محترمات في مجتمعنا ويُحتفى بهنّ، فنحن جزء لا يتجزأ من المجتمع، وبأي حال إن مجتمعنا فعّال وأصلاً ليس لديّ أدنى فكرة عن مشكلة طالبان”.
وتابعت:” أعتقد أنّ كلّ النساء الأفغانيات لديهن المطالب نفسها، ونحن بحاجة إلى آلية دعم. للنساء الأفغانيات شقيقاتي أقول شيئاً واحداً، سنبقى في مكاننا وسنساعد بعضنا البعض، وسنعمل بتضامن. أنا لا أتحدث عن مطلب واحد، صحيح أنّنا مررنا بأزمات كثيرة لكننا متحدون وقد وقفنا بوجه العالم بأسره وقدنا معركة، لكن في صفوف الأفغان والمدنيين هناك أزمات كثيرة وقد مررنا بظروف أسوأ لذلك آمل أن نخرج منها أحياء”.
“لا أودّ أن أكون إمرأة تحمل السلاح للسبب نفسه الذي دفع الآخرين على حمله”
وتابعت: “إنْ اخترت فرقاً بيني وبين طالبان أقول إنّهم خاضوا حرباً. صحيح أنّهم ربحوا من الناحية العملية لكن بعد 100 عام ماذا سيكون الفارق بيني وبينهم. لا يجب أن أربح البلد كي أرضي غروري، بل أنا أتحدث عن صنع التاريخ والتراث. لا أودّ أن أكون إمرأة تحمل السلاح للسبب نفسه الذي دفع الآخرين على حمله، لا أود أن أفعل ذلك. أنا ناشطة في مجال حقوق الإنسان من اللاعنفيين. أريد السلام في بلدي والسلام لا يأتي عن طريق السلاح”.
وختمت باشتانا: “لن أقول إنّني سأثق بهم، لكن من أجل تعبيد الطريق من أجل بلدٍ أكثر استدامةً، عليهم أن يبدأوا بتعيين نساء أفغانيات أكثر صدقاً تجاه القضية الأفغانية، وأيضاً أن يفتحوا في الوقت نفسه مدارس حتى الصف الثاني عشر، وأن يدعوا النساء اللواتي يشكلن 30% من القوى العاملة للعودة إلى عملهن، وأن يقبلوا الدفاع عن البلاد ويقبلوا النساء، وأن تبقى أفغانستان في المقدمة. هكذا يكون الطريق مفتوحاً لنا جميعاً لننسى الماضي ونمضي قدماً، لكن من أجل تحقيق ذلك الهدف عليهم أن يبدوا نية حسنة ويربحوا ثقة الشعب، وهذا ما لا يحصل حالياً”.