اليمين الأوروبي.. أسباب صعودّه وعواقبه الخطيرة
- الانتخابات الأخيرة في السويد وإيطاليا على سبيل المثال أظهرت أن اليمين حقق فوزا
- أسباب عديدة لتنامي اليمين في أوروبا تتراوح ما بين اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية
- إذا ما استمر صعود اليمين الأوروبي مع فوز اليمين الأمريكي فلا بد أن تطورات خطيرة ستقع في أوروبا
ربما كانت مفاجأة أو حتى أكثر من ذلك عندما أعلنت سلطات ألمانيا عن إحباط محاولة انقلابية كان يتزعمها أحد أمراء العائلة الإمبراطورية التي حكمت ألمانيا قبل أكثر من مئة سنة.
فقد شكل الأمير هنرييش الثامن جماعة يمينة متطرفة تحت مسمى “مواطني الرايخ” قامت بتخزين الأسلحة والمتفجرات والتمرن على استخدام السلاح. وكان الهدف من الانقلاب أن يتولى الأمير هنرييش رئاسة البلاد لكي تعود ألمانيا دولة مستقلة صاحبة سيادة كما يقول فهو يراها الآن فاقدة لسيادتها وكرامتها ويسعى لاسترجاع وإحياء الإمبراطورية الألمانية وجند لذلك بعض الأنصار الذين خاضوا الانتخابات نيابة عن جماعته وفازوا بعشرة مقاعد في البرلمان.
استمدت حركة “مواطني الرايخ” توجهاتها من الأجواء الفكرية اليمينية التي تسود ألمانيا وأوروبا بشكل عام. ففي ألمانيا يعتبر حزب البديل اليمني المتطرف من أكبر القوى السياسة.
لم تكن هذه الحركة في الماضي تشكل خطرًا لكنها بعد هذه المحاولة ووفق البيانات الرسمية الألمانية باتت تشكل تهديدا إرهابيا للاستقرار والسلم الأهلي في البلاد. فقد داهمت الشرطة الألمانية مئة وخمسين موقعا لهؤلاء المتطرفين في إحدى عشرة ولاية ألمانية. وما حدث في ألمانيا يوضح المدى الذي وصل إليه الفكر اليميني في أوروبا وما يمكن أن يصل إليه في المستقبل. فلماذا تتحول أوروبا إلى اليمين؟ ما الذي يجري حتى يبتعد الأوروبيون عن التسامح الذي عرف عنهم؟.. لماذا تنتشر بينهم معاداة المهاجرين وخصوصا العرب والمسلمين منهم؟
مشاكل ديموغرافية
التوجه الشعبي الأوروبي نحو اليمين يكاد يعم مختلف الدول الأوروبية. فالمشكلة الديموغرافية في أوروبا ومعها المشكلة الثقافية التي يتسبب بها المهاجرون تثير حفيظة الأوروبيين الذين يريدون المحافظة على نقاء أوروبا وخصوصية هويتها الثقافية والاجتماعية والفكرية وكذلك الدينية ولا يريدون لتراثهم أن يتأثر بالثقافات الأجنبية. فالأمة المقدسة هي الهاجس الأيديولوجي الرئيسي لليمين المتطرف الذي يتجه لفكرة النقاء العرقي برفض موجات الهجرة التي تقصد أوروبا.
وتنامت شعبية الأحزاب اليمينية في أوروبا وتتمثل قوتها في الفوز الذي تحققه في الانتخابات والمكاسب في أعداد المصوتين لها حتى وإن لم توصلها تلك الأعداد إلى الفوز الذي تريده. فقد ارتفعت نسبة المصوتين في الانتخابات من أنصار اليمين المتطرف في فرنسا ألمانيا وبولندا وبلغاريا وهنغاريا واليونان والسويد وإيطاليا. وقد زاد الشعبويون اليمينيون في أوروبا من حصتهم في انتخابات العام الماضي.
فالانتخابات الأخيرة في السويد وإيطاليا على سبيل المثال أظهرت أن اليمين حقق فوزا وكشف عن وجود توجهات شعبية يمينية متطرفة تعادي الأجانب غير الأوروبيين وتعارض الهجرات وخصوصا تلك القادمة من الشرق الأوسط والدول الإسلامية وهذا هو القاسم المشترك لجميع الأحزاب اليمينية الأوروبية. وفوز اليمين في إيطاليا قد يشكل بداية مرحلة جديدة في أوروبا.
فكيف تجذب الأحزاب اليمينية بأفكارها التي يصفها اليسار بالرجعية الناخبين وتحقق الفوز و المكاسب؟ تضرب الأحزاب اليمينية في دعايتها لكسب الأنصار على وتر تشويه وجه أوروبا الحضاري بسبب هؤلاء المهاجرين الذين يشكل أغلبهم عالة على المجتمع الأوروبي.
أسباب تنامي اليمين بأوروبا
أسباب عديدة لتنامي اليمين في أوروبا تتراوح ما بين اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية. ويرى البعض أن ازدياد حجم الفجوة بين الأغنياء والفقراء في أوروبا عززت هذا التوجه ويستغل قادة التيارات اليمينية وجود المهاجرين ليحملوهم وزر هذه المشكلات.
يحمل اليمين الأوروبي تفكيرا قوميا متشددا ومناوئا للتنوير أحيانا ومؤيدا للحكم الشمولي ورافضا لفكرة الاتحاد الأوروبي نفسها. ويقوم هذا الفكر على ثلاث دعامات أبرزها التفرد القومي ومعاداة المهاجرين وشعبوية مناوئة للمؤسسة الحاكمة. لكن أخطر ما في الأمر أن هذا التفكير اليميني المتطرف قد لا يبقى مجرد تفكير بل قد يتجه نحو الفعل من خلال تكوين جماعات مسلحة تحاول تشكيل ميليشيات وتسعى لإطاحة حكومات شرعية ومنتخبة ديموقراطيا مثلما كانت محاولة الأمير هنرييش في ألمانيا.
نجحت الأحزاب اليمينية في أوروبا ببطىء ولكن بثبات ورسوخ ووضعت أقدامها على بداية سلم النهوض السياسي من خلال تحقيق المكاسب الانتخابية فأصبحت جزءً من الحياة السياسية الأوروبية بقوة أصوات الناخبين. ويعتقد كثيرون أن الديموقراطية الأوروبية أصبحت غير قادرة على تلبية الوعود النظرية التي تقدمت بها الأحزاب التقليدية فاندفع الناس نحو أحزاب اليمين التي قدمت وعودا مختلفة بأساليب مختلفة.
معاداة المهاجرين المسلمين هي العامل الأكثر حدة وتأثيرا في توجه الأوروبيين نحو اليمين. فالأحزاب اليمينية تقدم حلولا بسيطة وسهلة ضد وجود المهاجرين بعد أن تصورهم على أنهم السبب في كل مشكلات أوروبا وتتهمهم بمحاولة فرض أجنداتهم الثقافية التي يجلبونها معهم من بلدانهم الأصلية لتغيير وجه أوروبا. فأصبحت الإسلاموفوبيا هي الشرارة التي تشعل نار التطرف اليميني في أوروبا. كما يتهم هؤلاء المهاجرون بأنهم وراء ارتفاع معدلات الجريمة والأمراض والإرهاب.
أعداد المُهاجرين المسلمين
في ثمانية وعشرين دولة من دول الاتحاد الأوروبي يبلغ عدد المهاجرين المسلمين ما بين أربعة وعشرين إلى خمسة وعشرين مليون نسمة. وهذا العدد ليس كثيرا ولا مقلقا ولكنه اصبح كذلك لأن هؤلاء المهاجرين لم يتمكنوا وفي معظم الأحيان لا يريدون الاندماج بالمجتمعات المحلية بالشكل الذي تراه تلك المجتمعات ضروريا وهي ترى أن هؤلاء المهاجرين يريدون نشر أيديولوجيتهم وثقافتهم وعقيدتهم وهذا أمر بدأ يثير الريبة عند المجتمعات الأوروبية وخصوصا منذ تفجيرات نيويورك في سبتمبر ألفين وواحد. وفي السنوات الأخيرة تصاعد الخوف من المهاجرين وثقافتهم بعد الأعمال الإرهابية التي اقترفتها داعش في العراق والشام. منذ تلك العمليات تغير تعامل أوروبا مع المهاجرين إليها وأخذ الأوروبيون يعيشون حالة حذر تزايدت لتصبح فوبيا من الإسلام وثقافته.
وخلال أربعة أيام في الشهر الماضي شهدت أوروبا حادثين عنصريين تمثلا بقيام متطرفين احدهما في السويد والأخر في هولندا بحرق نسختين من القرآن الكريم وما أثار الاستهجان بصورة أكبر هو حماية الشرطة للرجلين اللذين كانا قد حصلا على موافقة حكومية على فعلتيهما.
مثل هذه الأعمال المرفوضة أخلاقيا وإنسانيا كانت ذروة التعبير عن صعود اليمين المتطرف والمتشدد في أوروبا الذي بات يستهدف المهاجرين. يسمي هؤلاء المتطرفون انفسهم بأنهم أوروبيون وطنيون يحاولون لفت الأنظار إلى ما يسمونه مخاطر المهاجرين وتعبيرا عن عدم الترحيب بهم. ويخشى كثيرون أن تصبح معاداة الأجانب وخطاب الكراهية أمرا مألوفا في مختلف أنحاء أوروبا.
وإذا ما استمر صعود اليمين الأوروبي وترافق ذلك مع فوز اليمين الأمريكي في انتخابات الرئاسة القادمة بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب فلا بد أن تطورات خطيرة على المستوى السياسي والاجتماعي في أوروبا ستقع ويكون تأثيرها أبعد بكثير من البلاد الأوروبية.