الأمثال الشعبية.. معظمها درب من الخيال
- حان الوقت لتغير أمثالنا الشعبية للتماشي مع عصرنا
الأمثال الشعبية من التراث القديم، ولكنها تبقى معنا كعادة وتقليد، وخصوصا بين الأمهات والجدات اللاتي استخدموها كوسيلة لنقل المعلومة أو النصيحة بطريقة “على رأي المثل”.
ودور الأبناء كان غالبًا الاستماع، ولكن مع تطورات السنين والعصور، وتبدل الحقائق، أصبح المثل الشعبي جُملة لا يتم استخدامها سوى في المسلسلات والأفلام، ومن وجهة نظري يقل رونق تلك الأمثال المتعارف عليها، لأنها لم تعد مقنعة أصلًا، ولم يعد الكثير منا يصدقها لأن معظمها درب من الخيال وتحتاج لإعادة النظر في الشكل والقوافي والمضمون.
من وجهه نظري المتواضعة كذلك، أنه حان الوقت لتغير أمثالنا الشعبية للتماشي مع عصرنا المبهرج.
وعلى رأي المثل: “لا تعايرني ولا أعايرك “دين الكريدت كارت” طايلني وطايلك، وأصلها “الهم طايلني وطايلك”.
ويمكننا أن نقول أن الجنازة حارة والميت صرصار، على اعتبار أن الاستهانة بالكلب وتحقيره في المثل سوف يجعلنا تحت طائلة جمعيات حقوق الحيوان!
والباب اللي يجيلك منه الريح. كلم مهندس الديكور، واللي ما يشوفش من الغربال يعمل ليزك، وهنا سوف يتضح دور العلم الحديث مع المثل، لأننا لو حاولنا تفسير المثل بأن الذي لا يرى من الغربال سوف يكون أعمى، فسوف نسأل أنفسنا فورًا لماذا ينظر أصلا من الغربال؟ طالما هو أعمى بطبيعة الحال، ولماذا يُجهد نفسه بهذا التحدي الغريب؟
البيت بيت أبونا بس سيبناه، وهذا المعنى أكثر تحضرًا وأقل عنفًا من فكرة إن “الغرب يطردونا!
“اجري يابن آدم جري الوحوش بس المترو هيفوتك لأن له مواعيد، بره وجوه فرشتلك وأنت موبايلك مقفول، يا فرعون إيه فرعنك قاله الفلوس والمجوهرات، يا واخد القرد عيب مش مقامك، يا داخل بين البصلة وقشرتها. اعتقد ده مستحيل يحصل أصلا! أنا وأخويا على اليخت، وأنا وابن عمى يختي عليه. أبعد عن الشر وغنى مهرجانات، الأدب فضلوه عن قله الأدب، أخطب لبنتك عاوزين نحضر فرح، أربط الحمار في أي داهية ما هو مش هتفرق معاه أصلا لأنه حمار وريح دماغنا. ابن الوز أكيد وز زيه، اللي اتلسع من الشوربة يستنى لما تبرد، اللي معاه قرش محيره يشتري دهب!
اللي بيته من إزاز يشترى ” ملمع زجاج” كتير، يا خبر النهاردة بفلوس بكره في كل المواقع ببلاش”.
القرد في عين أمه؛ أكيد قرد برضو، اللي يتكسف من بنت عمه يبقى شاب محترم!
ولو استمرت الكتابة عن المنطقية في الأمثال الشعبية لن نتوقف، لأن الأمثال لن تنتهي ولن نستطع جمعها في مكان واحد، لأنها فن يصعب دراسته أو تحليله رغم أن هناك من حاول ذلك عدة مرات واضطر بعضهم إلى اعتبار أن الأمثال الشعبية المصرية جاءت من الحضارة المصرية القديمة التي كانت لغتها الهيروغليفية ثم كتبت بعد ذلك بالخطين الهيروطيقي والدوجماطيقي، ومن العهد القبطي الذي كانت لغته القبطية، في حين أن كل ما يوجد لدينا الآن هي الأمثلة التي وردت باللهجة العامية المصرية، وهذه مرتبطة بانتشار العربية الفصحى في مصر بدءًا من منتصف القرن السابع الميلادي فقط.
ولهذا يميل معظم الدارسين لفن الأمثال الشعبية إلى أن جزءا كبيرا منها تسربت من حكمة المصريين القدماء وفلسفتهم يسبق في نشأته وتطوره ما وجد بعد ذلك لدى البابليين، والعبرانيين، والإغريق، مع الاحتفاظ لكل منهم بتميزه في تعدد الموضوعات، وتنوع الأساليب، فعلي سبيل المثال يقول الحكيم بتاح محب:
“لا تقس قلبك حين القسمة، ولا تبتغ ما لا يخصك، ولا توغر قلبك إزاء أقاربك، وإنه لتافه ذلك الذي يستأسد بين أهله، وهو محروم من حصائد الحكمة، والشيء الطفيف الذي يطمع فيه. يولد البغضاء حتى في صاحب الطبيعة الباردة”
ولنقارن الجزء الأخير بالمثل الشعبي اللقم تمنع النقم.. أطعم الفم تستحى العين وسوف نكتشف التشابه الكبير في تلك الحكمة.
كما يقول الفلاح الفصيح في شكواه : “إن لسان الرجل قد يكون سبب تلفه”. وهو المعنى الموجود في المثل الشعبي القائل لسانك حصانك إن صنته صانك ، وإن خنته خانك!
في النهاية لا بدَّ أن نتعامل مع الأمثال الشعبية على أنها فن احترفه العرب والمصريون وربما يخجل الدارسون من اعتبارها نظريات فلسفية وأخلاقية لا تقل عمقًا وأصالة عما توصل إليه كبار الفلاسفة فقط لأنها فقط باللغة العامية، ولم يتم رصدها في كتب ومدونات علمية ذات منهجية واضحة وبهذا يتغاضون عن كون الحكمة الشعبية تعد أعمق تأثيرا في حياة الشعوب العربية من تلك الفلسفة النظرية التي كان ينتجها كبار الفلاسفة، ويتناقشون وأحيانًا يتصارعون حولها في دوائر تكاد تكون خاصة بهم وحدهم، دون أن يسمع بهم الكثير من الناس.
ولهذا لا بدَّ أن ندعو للاجتهاد من جديد في تاريخ طويل من الأمثال الشعبية وتطويره بما يتناسب مع نظريات العلم الحديث وإيقاع الحياة المتطورة بشكل مستمر ربما ينتج في النهاية كتب فلسفية وحكم تضاهي في قوتها نظريات ارسطو ورسائل أفلاطون و “ديستويفسكي”.