العنف في مالي يتصاعد.. فاغنر والجماعات الجهادية يتوحشون
في وقتٍ يتصاعد خلاله العُنف في مالي رُغم محاولات التفاوض مع الجماعات الإرهابية، فشلت البعثة الفرنسية برخان وبعثة الأمم المُتحدة مينوسما في مساعدة الحكومة المالية على خفض وتخفيف من ضغوطات الهجمات الإرهابية.
ويحاوط الإرهاب مالي، فمن جهة أقرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة في الساحل والصحراء الإفريقية الكبرى، بمقتل نحو 30 من مقاتليها في اشتباكات مع الفرع المحلي لداعش في مالي، داعية القبائل المالية لمناصرة الجماعة بعد إعلانها الحرب ضد داعش.
وأصدرت مؤسسة الزلاقة، الذراع الإعلامية الرسمية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بيانًا رسميًا الثلاثاء، تطرقت فيه إلى الاشتباكات بين الجماعة وتنظيم داعش في مالي، قائلةً إن “نصرة الإسلام والمسلمين” شنت حملة عسكرية يوم 27 أكتوبر الماضي على مواقع لتنظيم داعش في منطقتي “أماكرا” و“أينيكر” (شمال شرقي مالي)، وأسفرت تلك الحملة عن مقتل 10 من عناصر داعش، وعللت الجماعة الحملة بأنها انتقام للسكان المحليين الذين سفك داعش دمائهم، على حد قولها.
وفي الوقت ذاته، تتواصل جرائم مجموعة فاغنر في مالي، حيث اُتهم المرتزقة الروس بارتكاب مجزرة جديدة بحق المدنيين في مالي عقب عملية عسكرية كبيرة في وسط البلد الذي يحوطه الإرهاب.
فقد لقي ما لا يقل عن 13 مدنيًا مصرعهم يوم الأحد الماضي في منطقة موبتي على يد القوات المالية المدعومة من قبل ”جنود بيض“ ، بحسب ما قاله مسؤولون محليون ومسؤول في جمعية مجتمعية لوكالة الأنباء الفرنسية.
وحدثت تلك المجزرة خلال عملية جوية واسعة النطاق في منطقة معروفة بأنها معقل للجماعات المتطرفة.
وقالت مصادر محلية إن الضربات الجوية أعقبها هجوم بري شنته القوات المالية ومقاتلون من مرتزقة فاغنر على إحدى القرى بالقرب من بلدة تينينكو.
وازداد العُنف ضد المدنيين منذ وصول مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر في ديسمبر من عام 2021. والتي شنت سلسلة من الغارات في الفترة من فبراير لأوائل مارس، رفقة القوات المسلحة المالية “FAMa”، في منطقة سيغو، وخلفت أكثر من 50 مدنيًا في عدادِ المفقودين والقتلى.
وخلال الربع الأول من عام 2022، زاد عدد الضحايا المدنيين مقارنة مما كان عليه في 2021 بأكمله. حيث وقع الحدث الأكثر إثارة للصدمة في الفترة ما بين 27 و31 مارس، عندما قتل الجيش الفيدرالي مع فاغنر أكثر من 300 مدني. وذلك في بلدة مورا بوسط مالي، الواقعة في منطقة موبتي، خلال ما يُسمى بعملية مكافحة الإرهاب والتي استمرت على مدار 4 أيام.
وبحسب بيانات (ACLED) ، – المعنية برصدِ العنف السياسي حول العالم -، لقي 456 مدنيًا مصرعهم في 9 حوادث تورطت فيها القوات المالية وفاغنر، بين يناير ومنتصف أبريل من العام الجاري، وبشكل عام فإن ٧١٪ من العنف السياسي الذي مارسه فاغنر في مالي كان ضد المدنيين.
ومع هذه العمليات العنيفة، فاقمت القوات المسلحة المالية وفاغنر الوضع المعقد بالفعل في البلاد. لذا يميل المدنيون، عند مواجهة هذه المواقف، إلى الاقتراب من بعض المجموعات “الجهادية” من أجل توفير الأمن والخدمات الأساسية. ومع ذلك، فإن الجماعات الإرهابية مثل (نصرة الإسلام والمسلمين)، قد ارتكبت ولا تزال ترتكب أعمال عنف مماثلة ضد المدنيين، فضلاً عن وضعها لفرضيات ذات طبيعة متطرفة مختلفة.
حضور فاغنر
بدأت قوات المرتزقة الروسية التابعة للفاغنر العمل في مالي في ديسمبر 2021. وقد أشارت الحكومة المالية في هذا الصدد إلى أن وجودهم في البلاد هو كمدربين للجيش وليس كمجموعة مقاولات أمنية خاصة.
وإلى ذلك اتُهمت مجموعة فاغنر بارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين في مناطق موبتي وسيغو وتومبوكتو وكوليكورو، وهي مناطق العمليات الرئيسية للجماعة الإرهابية الرئيسية في البلاد (نصرة الإسلام والمسلمين) التابعة لتنظيم القاعدة.
من جانبها، نفت القوات القوات الحكومية المالية والسلطات الانتقالية المالية مزاعم العنف والإساءة للمدنيين، ووصفتها بأنها كاذبة وجزء من حرب التضليل الإعلامي ضد مالي، وبدلاً من ذلك زعمت أن المناطق التي تعرّضت للهجوم والضحايا، تعرّضت لذلك جراء ممارسات وانتهاكات الجماعات الإرهابية.
كان للفاغنر تأثيرًا كبيرًا بالفعل على بيئة الصراع المعقدة في مالي، حيث كان لعملياتها مساهمة وتأثير سلبي للغاية على ديناميكيات الصراع، ولا سيما على أمن المدنيين. وأدى انتشار فاغنر في مالي إلى زيادة الفظائع والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة، بالإضافة إلى النهب وزرع الألغام كأسلوب لمكافحة التمرد.
علاوة على ذلك، بدأت فاغنر منذ مايو 2022 في شن هجمات ضد المدنيين أو القيام بعمليات عسكرية بشكل مستقل عن قوات الدولة المالية، كما أنشأت قواعد ووجودًا دائمًا في العديد من المناطق الوسطى والشمالية من البلاد.
استهدفت الهجمات التي شنتها مجموعة فاغنر ضد المدنيين مجتمعات الفولاني بشكل أساسي بسبب صلاتها متصورة مع الجماعات الجهادية المسلحة، جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، المكونة من فصيلتي ماسينا وسيرما.
هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة
في حين أن مجموعة فاغنر بعنفها تضايق السكان الماليين بطرق مختلفة ومناطق مختلفة من وسط وشمال مالي، في جميع مناطق عمليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، تشكل الأحداث العنيفة المنسوبة إليها أكثر من 64%من جميع حوادث العنف في منطقة الساحل من 2017 إلى 2021.
وتسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، لتفادي العنف والقيود التي تمارسها، لمحاولة إضفاء مظهر غير عنيف على الجماعة، وتحاول في كثير من الأحيان تقديم الخدمات للسكان المحليين، مثل الحماية من الجريمة وتنظيم الأسعار ومراقبة الجودة في الأسواق الريفية، وتوفير الرعاية الصحية والخدمات البيطرية ومياه الشرب والأغذية.
لكن في الوقت نفسه، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في المناطق التي تعمل فيها أو تتمركز فيها ، قواعد سلوك صارمة، خاصة على النساء، مثل قواعد اللباس، وحظر الاختلاط بين الجنسين في وسائل النقل العام مثل سيارات الأجرة والقوارب.
وفي وسط مالي، دأب مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بشكل متكرر على جلد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب أو النقاب. كما استغلت المجموعة القاعدية بشكل استراتيجي الاختلافات بين الطوائف، ودفعت للتجنيد بوسائل متعددة، تشمل الإكراه والتخويف. حيث تلجأ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في كثير من الأحيان إلى العقاب الفردي أو الجماعي لمن يقاومون حكمهم وقوانينهم، وعرقلة حركة الأشخاص والبضائع، وقطع الوصول إلى المزارع. كما أغلقت الجماعة مئات المدارس الحكومية لأنها تعارض وجهة نظرها في الشريعة، مما أجبر السكان على إلحاق أطفالهم بالمدارس القرآنية.
وفي هذا السياق، تجمع (نصرة الإسلام والمسلمين) أيضًا الزكاة التي تستخدمها إلى حد كبير لتمويل أنشطتها، كما أنها كانت مسؤولة عن قتل أو اضطهاد الوجهاء المحليين الذين قاوموها. وداخل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يبدو أن الجماعة الأكثر عنفًا وفتكًا هي جبهة تحرير ماسينا، المؤلفة من مقاتلين من عرقية الفولاني، بقيادة أمادو كوفا.
كتيبة ماسينا (MLF)، تحاول الإطاحة بالسلطات التقليدية القائمة، ونشر رؤيتها للشريعة في وسط مالي. كما امتدت أنشطتها ونفوذها إلى شمال بوركينا فاسو من خلال روابط مع جماعة أنصار الإسلام، وهي جماعة إسلامية بوركينية متشددة أسسها إبراهيم ديكو ، أحد أتباع كوفا.
وعمل كوفا من خلال “كتيبة ماسينا” وبمعاونة أبو جليل الفولاني زعيم “كتيبة سيرما” على تشجيع التطرف لتأجيج التوترات العرقية داخل المجتمع المالي، مما أدى إلى الوصم والانتقام على أساس عرقي، وهو ما استغله كوفا لزيادة تجنيد الكثيرين. وفرضت “كتيبة ماسينا” في المناطق التي تسيطر عليها قواعد تعتمد على تفسيرهم الخاص للشريعة، لحل النزاعات وابتزاز السكان المحليين بحجة الضرائب وفرض قواعد سلوك صارمة، وخاصة على النساء، في عشرات القرى الواقعة بوسط مالي.
كما اتبعت “كتيبة ماسينا” طريقة عمل مماثلة في جميع أنحاء شمال بوركينا فاسو، فيما استهدفت “كتيبة ماسينا” المدنيين أكثر من أي جماعة أخرى منتمية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين. وتستهدف “كتيبة ماسينا” السكان المدنيين في وسط مالي، وشمال بوركينا فاسو ، وخصوصا قتل الأئمة المحليين والقادة المحليين الذين لا يتماشون مع أفكار جماعة كوفا أو فرضياتها.
وقادت (كتيبة ماسينا) مؤخرًا توسعًا عسكريًا في غرب وجنوب مالي، حتى باتت قادرة على تهديد العاصمة باماكو، مستغلة الخلافات بين الطوائف. فيما اكتسبت الدعم المحلي من خلال عدد من الإجراءات مثل حظر رسوم الرعي وتكرار مظالم الرعاة الشباب ضد نظام حيازة الأراضي الذي تم إنشاؤه في وسط مالي.
الخلاصة
ولدت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام 2017 من اندماج 4 كيانات جهادية. وتعمل الجماعة بشكل أساسي من خلال أقوى وأهم مكونين لها، وهما أنصار الدين وكتيبة ماسينا. وتولى قيادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين زعيم جماعة أنصار الدين، إياد أغ غالي ، الذي أثبت أنه عنصر سياسي متمكن في شمال مالي، ويحافظ على العلاقات مع القادة العلمانيين ويستخدم هذه العلاقات للحفاظ على أمنه وسياسته.
أمادو كوفا، هو رسميًا نائب أياد أغ غالي، وعضو بارز في مجلس شورى في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
من جانبها تمكنت (نصرة الإسلام والمسلمين) من تنمية مجموعة واسعة من الحلفاء المحليين ونسج علاقات استراتيجية مع السياسيين المحليين. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو جماعة أنصار الدين، التي سمحت للسياسيين المحليين باحتلال مكانة مهمة في التمرد ولعب دور بارز في مفاوضات ما بعد التمرد. وتُظهر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كيف أن تجاربها قد أشعلت صراعات سياسية محلية واسعة، وتحديد التغييرات التشغيلية للتشكيلات الإرهابية، وأن الأزمات تدفع بعض الجهات الفاعلة إلى التخلي عن تحالفاتها الرسمية.
أيضًا تمكنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من استغلال استياء السكان من الوجود الأجنبي في البلاد ، والعمل ضد الفرنسيين وجيش مينوسما، والآن ضد مرتزقة فاغنر الروس. ولقد ركزت الدعاية الأخيرة لـ “مؤسسة الزلاقة الإعلامية” – الذراع الدعائية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين فرع تنظيم القاعدة في الصحراء الإفريقية الكبرى -، على أن تكون ضد المرتزقة الروس على وجه التحديد، متوعدة قواتها بالانتقام.
تعكس أنماط العنف المختلفة في شمال ووسط مالي الهياكل المتعددة للتحالفات الإرهابية في تلك المناطق. إذ تسيطر على الشمال قيادة وعمليات زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين غالي، والتي ركزت استراتيجيتها على استهداف القوات الأجنبية وعقد صفقات مع شخصيات مهمة مثل قادة الميليشيات والسياسيين ورجال الدين. ومع ذلك، يعمل أمادو كوفا في وسط مالي، كقائد ميداني وإمام لحركة نصرة الإسلام والمسلمين، وكمهندس لنوع مختلف من الاستراتيجية التي تستمد الدعم من الأقليات العرقية، مما أدى إشعال الصراع.
يعمل هيكل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كاتحاد للجماعات الجهادية التي ليس لها هيكل قيادة وسيطرة موحد. فيما تمتلك قواعد عملياتية متعددة وتسلسلات هرمية عملياتية مختلفة ومجموعات مقاتلة عديدة، مما يجعل من الصعب على قوات الأمن استهداف المجموعة. ويعكس تكوين الجماعات التي تتكون منها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (الطوارق والفولاني وعرب الساحل) تكوين قادتها، ويسمح للجماعة بتمثيل مناطق مختلفة.
وجعل هذا الاتساع في التمثيل العرقي والجغرافي المجموعة قوية، وخلق تصورًا للوحدة والتأثير والتوسع. وعلى الرغم من أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تقدم نفسها كجبهة موحدة في المناطق المختلفة التي تعمل فيها بالساحل، إلا أن عمل مجموعاتها يكون مدفوعا دائما بطرق محلية. ويتم تسهيل عمليات (نصرة الإسلام والمسلمين) في مالي من خلال وجود العديد من الأقليات، بعضها منتشر خارج مالي، مما يسمح للمجموعة بالوصول إلى شبكة واسعة من التعاون واستهداف مناطق أخرى، مثل بوركينا فاسو.
ولقد ادعى إياد أغ غالي مرارًا وتكرارًا أن هدف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هو “إضعاف العدو من خلال استهدافهم أينما كانوا” ولكن أيضًا “السعي لكسب التأييد الشعبي”. فيما تُظهر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قدرتها على تنظيم عمليات وهجمات متطورة بشكل متزايد، والقدرة على الضرب دون صعوبة في العديد من المناطق وتنفيذ هجمات ناجحة وقاتلة ضد القوات المسلحة المالية والميليشيات الموالية للحكومة وفاغنر وجيش بوركينا فاسو.
ووفقًا لمصادر عديدة، يبدو أن قادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين غالي وكوفا على استعداد للدخول في مفاوضات مع حكومات المناطق التي يعملون فيها ومع السلطات المحلية لوقف القتال. ويبدو أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تريد أن تتبع، بدعم من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، نفس الخط الذي اتبعته حركة طالبان في أفغانستان.
وما هو مؤكد هو أن تبعات كل هذا الوضع المعقد والعنيف بين الجماعات المسلحة (ناهيك عن وجود ولاية الدولة الإسلامية في الساحل) والمرتزقة الروس فاغنر الذين يدعمون القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هم المدنيون حصرا، والذي لا يوجد لديهم بديل حقيقي إلا أن يكونوا ضحايا للمضايقات والوحشية المنتشرة.