الكبتاغون على رأس التنازلات المطلوبة من الأسد للتطبيع العربي
يرى بعض المحللين أن الاجتماعات التي عقدها مسؤولون عرب مع رئيس النظام السوري وبعض أركان حكمه تؤكد أن التطبيع مع بشار الأسد بات حتميا نوعا ما بانتظار معرفة التنازلات التي يمكن أن يقدم عليها.
وبحسب صحيفة “الفايننشال تايمز” تشير سلسلة اللقاءات والاجتماعات في الأشهر الأخيرة إلى أن عزلة الأسد الإقليمية التي استمرت 12 عامًا قد تقترب من نهايتها مقابل تنازلات قليلة لاتعوض عن الانتهاكات الوحشية لقواته أثناء سحق الاحتجاجات وتدمير المناطق التي كانت خارج سيطرته.
وكان البيان الختامي الصادر أمس الثلاثاء من اجتماع وزراء الخارجية العربي في دمشق قد أكد على موافقة النظام السوري على العمل مع الأردن والعراق لتحديد مصادر إنتاج المخدرات وتهريبه.
فضلا عن “دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة ووقف التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية”.
“الاستقرار الاستبدادي الإقليمي”
ويقول مسؤولون ومحللون إن الجدل انقتل من ما إذا كانت إعادة تقبل الأسد مقبولة على الإطلاق، إلى التنازلات يمكن الحصول عليها من دمشق، وفي هذا الصدد يقول الخبير السوري في معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا، جوزيف ضاهر، إن التطبيع مع حاكم دمشق “يبدو حتميًا بشكل متزايد”.
وتابع: “قد تكون هناك بعض الاختلافات بين الدول العربية (بشأن التطبيع مع الأسد)، لكن هذه الاختلافات أخذت تتضاءل بشكل كبير، بينما تنامت مصلحتها المشتركة في ترسيخ شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي الإقليمي”.
ولا تزال بعض الدول العربية مترددة بشأن تعويم الأسد مرة أخرى، ومن بين الدول التي امتنعت عن تأييد الخطط التي تقودها السعودية لدعوة رئيس النظام السوري لحضور القمة العربية في الرياض، قطر والكويت.
لكن كبار المسؤولين من عدة دول عربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن والعراق ومصر، بدأوا العمل بشأن قضايا لإثارتها مع نظام دمشق، إذ أوضح أحد الدبلوماسيين للصحيفة البريطانية أن مثل هذه المفاوضات ستختبر ما إذا كان الأسد “جادًا أم لا” بشأن العودة إلى الحاضنة الدبلوماسية العربية.
وقطعت معظم الدول العربية العلاقات مع الأسد في العام 2011 عندما بدأ في شن حربا وصفت بالوحشية ونجم عنها مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد أكثر من 14 مليون شخص داخل وخارج والبلاد.
ورغم خسائره الكبيرة في السنوات الأولى من الصراع، بيد أن الأسد وبدعم عسكري من روسيا وإيران، احتفظ بالسيطرة على العاصمة وعدة مدن رئيسية، وذلك قبل أن يستعيد ما يعادل ثلثي البلاد.
وسرعان ما تبع ذلك محاولات عربية لإعادة التطبيع مع نظام الأسد، بقيادة الإمارات العربية المتحدة التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018 قبل أن تسير البحرين على خطاها.
وقال أندرو تابلر، المسؤول الأمريكي السابق والزميل البارز في السياسة العربية في معهد واشنطن للأبحاث، إن الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، منعت بقية الدول العربية من السير على ذلك النهج وقتها.
مواقف متغيرة
وفي تلك المرحلة، كانت الخلافات بين طهران والرياض على أشدها في المنطقة، لذلك لم تكن هناك رغبة كبيرة في التواصل مرة أخرى مع الأسد، بل أن بعض دول الخليج دعمت معارضي نظام الحكم في دمشق وعارضت الوجود الإيراني المتزايد في سوريا.
ولكن المواقف الخليجية تجاه طهران قد تغيرت، مدفوعة جزئياً بما عده مسؤولون إقليميون “عدم وجود سياسة واضحة من الولايات المتحدة” بشأن الأزمة السورية، ورغبة الإمارات والسعودية في تهدئة التوترات مع إيران ووكلائها.
وقد مهد هذا الطريق لعقد اتفاق خلال الشهر الماضي بين إيران والسعودية بوساطة صينية، دون الكشف عن تفاصيل الصفقة بشكل واضح، ولكن أحد كبار المسؤولين السعوديين أكد لـ”الفايننشال تايمز” أن إعادة التواصل مع سوريا لم يكن “شرطًا” في الاتفاق بين البلدين.
ولكنه شدد أن كلا الأمرين (الاتفاق مع طهران والتواصل مع دمشق) لهما “تأثير على الآخر”، مضيفًا: “لا أعتقد أننا كنا سنتواصل مع سوريا” لولا ذلك الاتفاق.
وحتى تركيا، التي تعد الداعم الرئيسي للمعارضة السورية، أظهرت دلائل أولية على أنها قد تغير موقفها.
وقال تابلر إنه في أعقاب الزلزال الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير ، خففت الولايات المتحدة مؤقتًا من قيود العقوبات لتسهيل تدفق المساعدات إلى سوريا، مما خلق لحظة لبعض القادة العرب للاستفادة منها، مما أثار دهشة المسؤولين الأمريكيين، على حد تعبيره.
وعلى عكس تطورات العام 2018، لم تقابل التحركات الأخيرة برد قوي من واشنطن، وذلك برأي محمد علاء غانم، رئيس السياسة في المجلس السوري الأميركي، وهو جماعة ضغط تعارض الأسد، إذا زعم قائلا: “لم تكن سوريا على رأس أولويات إدارة بايدن”.
وتابع: “الولايات المتحدة انتقلت من مرحلة (إياكم والتطبيع مع الأسد) إلى طور (إذا تواصلت مع الأسد) فتأكد من الحصول على شيء منه “.
وفي الواقع، حتى الرياض، التي قادت المبادرات الدبلوماسية الأخيرة للتقارب العربي مع دمشق، لم تلتزم بعد بالتطبيع الكامل مع الأسد في حال عدم وجود تنازلات من النظام السوري.
وفي هذا السياق، أوضح مسؤول سعودي كبير أن “فتح قناة للنقاش والتواصل دمشق لا يعني أن الأمور عادت إلى طبيعتها”، مشددا إلى أن طريق التفاوض هو السبيل للحصول عى نتائج.
وقال دبلوماسي عربي آخر إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية “ستحتاج إلى جهود” لافتا إلى أن لجنة من مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية والأردن ومصر والعراق قد اجتمعوا على الاتفاق على الخطوات القادمة.
وقال الدبلوماسي العربي: “لقد توصلنا إلى إجماع بشأن القضايا التي يجب التركيز عليها بما في ذلك المخدرات والقضايا الإنسانية واللاجئين”.
وزاد: “هذه قضايا نريد من النظام السوري أن ينجزها”.
“التركيز على الكبتاغون”
واكتسبت المبادرة زخما، عندما التقى وزراء خارجية الأردن والعراق ومصر والسعودية في عمان بحضور وزير الخارجية السوري فيصل مقداد.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية إن الاجتماع كان يهدف إلى مناقشة مبادرة بلاده “للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”.
وبعد تلك المحادثات، قالت وزارة الخارجية الأردنية إن دمشق وافقت على العمل على خطوات “لإنهاء تهريب المخدرات” على الحدود مع الأردن والعراق، ومعالجة ملفات اللاجئين والمفقودين والنازحين داخلياً.
وقد يكون من الصعب إحراز تقدم كبير في تلك القضايا، إذ أوضح خبراء أن الزعماء العرب لن يضغطوا على الأسد بشأن الانتهاكات في زمن الحرب، كما أن ملايين اللاجئين في الخارج، الذين يخشون أن يجبرهم التقارب مع الأسد على العودة إلى بلادهم، سوف تبقى معضلة مستعصية، إذ لا يزال الكثير خائفين من العودة.
ولذا فقد تحول التركيز إلى قضية الكبتاغون، وهو عقار الأمفيتامين الذي يسبب الإدمان بشكل كبير والذي أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لدمشق، حيث تأثرت السعودية والإمارات والأردن بشدة بتهريب المخدرات عبر حدودها.
وقالت كارولين روز، مديرة معهد نيولاينز للأبحاث، التي تبحث في تجارة المخدرات في المنطقة “لقد صعد الكبتاغون الآن إلى قمة جدول الأعمال في مناقشات التطبيع”.
وقالت روز: “لقد استخدم النظام تجارة الكبتاغون كوسيلة ضغط”، مضيفة: “لكن من الغباء التفكير في أنهم (الدول العربية) قادرون على وقفها”.
في غضون ذلك، ليس من الواضح ما الذي ستعنيه إعادة تأهيل الأسد للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بما في ذلك الشمال الغربي، الذي يخضع إما لسيطرة المعارضة أو تركيا، والشمال الشرقي الذي تسيطر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
وترى محللة الشؤون السورية في معهد “كرايسز جروب”، دارين خليفة: “لا تزال القضايا الرئيسية (في الأزمة السورية) معلقة دون معالجة”.
وختمت بالقول: “لقد أثبتت دمشق مرارًا وتكرارًا أنها غير مستعدة للانخراط في حل سياسي، لأنها ليست الطريقة التي يعمل بها الأسد”.