الفساد يسيطر على التعليم العالي في اليمن
- أكثر من 1000 منحة دراسية خلال 5 أعوام ذهبت إلى أقارب المسؤولين
- المنح الدراسية كانت مخصصة لطلاب متفوقين
إلى جانب تبعات الحرب المستعرة في اليمن منذ سبع سنوات، يطل “الفساد الحكومي”، بصورة أكثر بشاعة في غبن المواطن اليمني من الحرب ذاتها، بعد الزوبعة التي أثارت الرأي العام المحلي غداة الكشف عن تقاسم مسؤولين في مناصب عليا في الحكومة اليمنية، لمنح التبادل الثقافي المخصصة للمتفوقين من طلاب اليمن.
في مطلع العام 2021 رفع الدكتور سالم الطاهري – مدير عام البعثات والمنح الدراسية مذكرة إلى الدكتور خالد الوصابي وزير التعليم العالي، مُطالبًا باعتماد منحة دراسية إلى جمهورية مصر العربية، لأحد أبناء أشقائه، من واقع قناعته بكون صلة القرابة معيار الاختيار لمنح التبادل الثقافي، حسب مدلول المذكرة التي كانت مذيلة باسمه وتوقيعه.
بعد أيام من رفع تلك المذكرة، تم اعتماد منحة دراسية للطالب، الذي يُعد ثامن طالب ابتعثهم الطاهري من أسرته على نفقة الحكومة، في فترات متفاوتة، كما تبينه كشوفات المستحقات المالية للطلاب المبتعثين لعام 2021 التي تم تسريبها من وزارة التعليم العالي في عدن.
لم يقتصر أمر المنح الدراسية على ابن شقيق الطاهري فحسب، فقد تبين من خلال الوثائق المُسربة بأن هناك أكثر من 1000 منحة دراسية خلال الخمسة الأعوام الأخيرة، في أكثر من 20 دولة حول العالم، ذهبت إلى أبناء وأقارب شخصيات مسؤولة في الحكومة الشرعية، من ضمنها 3 منح دراسية كانت لأقارب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، كذلك 4 منح دراسية لأبناء يحيى الشعيبي – مدير مكتب رئاسة الجمهورية، وغيرهم الكثير من المسؤولين الحكوميين.
وتنص المادة 36 من قانون البعثات والمنح الدراسية لعام 2003 على أن “الموفد في منحة دراسية على نفقة الحكومة يُدفع له نفقة الإيفاد المقررة”، والتي تتضمن نفقات السفر والإقامة في الدولة المبتعث إليها.
بزنس المنح
المنح الدراسية الحكومية التي تم الاستحواذ عليها من جانب مسؤولين لصالح أقاربهم، كانت في الأصل مخصصة للطلاب المتفوقين الذين أصبحوا عديمي الحيلة في انتزاع حقهم، شأن الطالب محمد الغراب، الحاصل على الترتيب السادس بين أوائل الجمهورية، حيث تمت مصادرة وبيع منحته الدراسية التي كان من المقرر أن تكون إلى روسيا.
لكن بسبب عرقلة صرف مستحقاته المالية وسوء الوضع الاقتصادي لأسرته، اضطر محمد الغراب للتنازل عن حُلمه، ليخرج إلى أحد الأسواق الشعبية في محافظة أب وسط اليمن، للعمل في أحد محلات بيع الخضار، لتذهب منحته الدراسية إلى أحد أبناء مسؤولي السفارة اليمنية في روسيا.
يقول فهمي الباحث الناشط في الحقوق الرقمية إنه تقدم بطلب إلى السفارة اليمنية في تونس للحصول على مقعد دراسي، للدراسة على نفقته الخاصة، خصوصًا أنه يُقيم حاليًا في العاصمة التونسية ولكن السفارة اليمنية، وكذلك وزارة التعليم العالي رفضت طلبه، مع العلم أن الجمهورية التونسية تُخصص سنويًا مقاعد مجانية لليمنيين.
لم يقتصر الفساد على توزيع المنح الدراسية لأبناء المسؤولين الحكوميين فقط، بل أن الكشوفات المُسربة أوردت أسماء أشخاص تم اعتماد مبالغ مالية لهم، كمساعدات مالية للدراسة في الخارج غير أن هذه الأسماء معظمها غير حقيقية أو أن الأشخاص أنفسهم لم يتسلموا أي مبلغ مالي، وهو ما حدث مع الصحفي عبدالكريم العفيري الذي يقول لـ أخبار الآن: “ورد اسمي ضمن كشوفات البعثات باستحقاق قدره (2200) دولار بداية من الربع الأول 2017م حتى الربع الأول 2019م، أي بإجمالي قدره (19800) تسعة عشر ألف وثمانمائة دولار، ولكنني أؤكد أنني لم أستلم دولارا واحدا من هذا المبلغ.
وطالب السفير اليمني بالرباط عز الأصبحي والقنصل على الشريف، والملحق الثقافي عبدالحميد الصلوي، والمساعد المالي بالملحقية عبد القوي السلمي بالإفصاح عن مصير هذا المبلغ”.
استدراك خجول تحت الضغط
على إثر تسريب كشوفات المستحقات المالية للطلاب المبتعثين إلى الخارج، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات استهجان واسعة، أجبرت وزير التعليم العالي الدكتور خالد الوصابي على الخروج إلى الإعلام، والإقرار بوجود ما وصفها بـ “اختلالات في عملية توزيع المنح الدراسية”، متعهدًا بإصلاحها.
الوصابي أقر أيضَا بوجود شخصيات عسكرية وحكومية تعمل على الضغط لأخذ منح دراسية، وامتيازات لأقاربهم، متحججًا بأن ذلك قد تم قبل استلامه الوزارة.
بالتزامن، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي قرار بإلغاء أسماء كافة المبتعثين غير المستحقين من أبناء مسؤولي الدولة بمن فيهم أي شخص من عائلته المقربين من الدرجة الأولى، وتحويلها إلى طلاب مستحقين مستوفين للشروط.
وسخر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من وجود أسماء أكاديميين مبتعثين من قبل جامعة عمران لدراسة اللغة العربية في الهند.
وقال الوزير الوصابي، إن هؤلاء الطلاب هم مبتعثون ذهبوا للدراسة على حسابهم الشخصي، ولكن بعد مرورهم بظروف صعبة اضطرت وزارة التعليم العالي لاعتماد مبالغ مالية لمساعدتهم، كونهم مواطنين يمنيين.
جدوى الإصلاحات الحكومية
عبدالعزيز عبدالغني – أحد الطلاب المبتعثين للدراسة في جمهورية تونس، يرى أن الوعود بالإصلاحات التي أطلقها الوصابي هي فقط للاستهلاك الإعلامي، مضيفًا: “فساد وزارة التعليم العالي مجرد تريند وسوف ينتهي قريبًا، أربع سنوات ونحن نتحدث عن ذلك”، متهما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بالفساد.
الرأي ذاته يتبناه الناشط عبد الواحد ألعوبلي، الذي وصف هذه القرارات والتوجيهات بأنها “عبارة عن مسكن لحظي لمواجهة الغضب الشعبي نتيجة فضيحة الفساد في المنح الدراسية الممولة من خزينة الدولة، لذلك، الحملة مستمرة حتى يتم تنفيذ “التوجيهات” ويتم إلغاء المنح المسروقة ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن ذلك”، مضيفًا أن التوجيهات التي وجه بها العليمي هي فقط توجيهات شفهية ولم يتم تنفيذها حتى اللحظة.
من جهته يقول الدكتور محمد المنصوب: “كان من الأفضل للوزير الوصابي إعلان استقالته من وزارة التعليم العالي على الهواء مباشرة، ويغادر منصبه بكل كرامة وشرف، بدلًا من التبرير للفساد، فعندما يبرر بأن هناك منح دراسية وكشوفات أعدت قبل توليه الوزارة، هذا لا يعفيه من المسؤولية، لأن وجود وجود اسمه وتوقيعه واعتماده لهذه المنح يجعله المسؤول الأول والأخير منطقيًا وقانونيًا”.
الجذير بالذكر أنه ليس فقط أبناء المسؤولين في الحكومة الشرعية من حصلوا على منح دراسية خارج اليمن، بل أن أبناء قيادات ومسؤولي الميليشيات الحوثية كان لها نصيب أيضًا من ذلك، حيث حصل القيادي في جماعة الحوثي عبد القادر الفاتش على منحتين دراسيتين لابنتيه في ألمانيا.
وكذلك منحة إلى ماليزيا لأبن محمد الجنيد وزير المالية في حكومة الحوثي، وذلك على نفقة الحكومة الشرعية، وهو ما يطرح تساؤلات عن التنسيق والعلاقة بين أعضاء في الحكومة الشرعية، وميليشيات الحوثي.