صراع العولقي وباطرفي يقسم تنظيم القاعدة في اليمن
- باطرفي فضل عدم مواجهة الحوثيين عندما اجتاحوا شبوة، وهو ما قوض من مصداقية التنظيم
- يرى بعض عناصر القاعدة أنهم يدفعون إلى قتال جنود الجيش اليمني الذي تربطهم بهم علاقات قبلية
مثلت محافظة شبوة، جنوب شرقي اليمن، إحدى أهم القواعد الآمنة لتنظيم القاعدة في اليمن منذ العام 2009، ومنها أعلن تنظيم القاعدة في العام 2011 عن أول إمارة إسلامية خاصة به في مديرية عزان شرق محافظة شبوة.
واستمر نفوذ التنظيم الجهادي يتنامى في المحافظة القبلية نتيجة الفراغ الأمني الذي تضاعف، لاسيما عقب الانقلاب الحوثي على السلطة، إضافة إلى ما نسجته قيادة التنظيم من تحالفات محلية وما راكمه من شبكة نفوذ قائمة على المصاهرة واستمالة أبناء القبائل وتوزيع الهبات المالية.
لكن محافظة شبوة تبدو اليوم على النقيض مما كانت عليه، وباتت مثالا حيا للأزمة المركبة التي يعيشها التنظيم في اليمن، لاسيما منذ العام 2017 حينما نجحت قوات النخبة الشبوانية مدعومة بقوات التحالف العربي من إزاحة التنظيم من أهم ملاذاته الآمنة التي كان يتخذها قاعدة للتجنيد والتخطيط للعمليات الداخلية والخارجية، وأجبرته مجددا على التخفي في المناطق الريفية النائية.
وقد انعكس هذا التآكل في شبوة على تماسك القيادة العليا والوسطية للتنظيم الجهادي وولد أزمة قيادية حادة في صفه الأول، وقوض كثيرا من قدرته على تدبير العمليات الجهادية أو شن الحملات العسكرية.
تهميش شبوة
بعد أن خسر تنظيم القاعدة أهم مصادر تمويله نتيجة طرده من أهم المدن الحيوية التي كانت تدر عليه موارد هائلة (مثل مدينة المكلا في حضرموت وكذلك مدينتي جعار وزنجبار في أبين)، اضطرت قيادة القاعدة في اليمن إلى تقليص مبلغ العطاء المالي الذي كانت تقدمه لعناصرها.
وعلى الرغم من أن قرارات التقشف هذه جاءت منذ أيام الريمي، إلا أنها إبان قيادة باطرفي للتنظيم اتخذت شكلا ممنهجا أكثر حدة ضد جهادي بعض المناطق، وتحديدا في محافظة شبوة.
وقد كشف قيادي في التنظيم مقرب من سعد العولقي لـ”أخبار الآن” فقد أدى هذا الإجراء إلى بروز اعتراضات حادة من قبل المجندين العاديين والقيادة الوسطية في شبوة.
وأضاف القيادي : “خلال الأشهر الماضية خذلت القيادة العامة لتنظيم القاعدة في اليمن القيادات والأفراد في محافظة شبوة بعد أن أوقفت صرف العطاء الشهري، وتركتهم بدون أي مصادر دخل، الأمر الذي أجبر بعضهم إلى مغادرة التنظيم والبحث عن مصادر دخل أخرى لتأمين دخل لهم ولأسرهم”.
وأفصح القيادي الجهادي لـ”أخبار الآن” عن أن إجراءات التقشف الأخيرة، ولدت أزمة حادة في الصف الأول من التنظيم لاسيما بين القيادي سعد العولقي من جهة والذي كان يرى أن ثمة توجه عدائي ضد أبناء شبوة من الجهاديين، وبين خالد باطرفي زعيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب والذي تمسك بإجراءاته التقشفية.
وأضح القيادي الجهادي المقرب من العولقي في حديثة لـ”أخبار الآن” على أن المشكلة تجاه شبوة لم تقتصر على الجانب المالي، حيث اشتكت قيادات عديدة بتنظيم القاعدة في اليمن بأن باطرفي قام بتهميش ملف الجهاديين في شبوة بشكل كامل، وهذا اتضح بشكل جلي من خلال تراجع العمليات العسكرية وكذلك الضعف التنظيمي الذي بات يعانيه فرع القاعدة في شبوة نتيجة ضعف التواصل والتنسيق.
وقد بدأت ملامح الأزمة في شبوة بالإيضاح منذ العام الماضي، حينما فضل باطرفي عدم الانخراط في أي معارك لمواجهة الحوثيين عندما قاموا باجتياح المحافظة والسيطرة على بعض مديرياتها، وهو ما قوض من مصداقية التنظيم أمام قواعده المحلية، ودفع كثيرا منهم إلى تركه.
ومن الملاحظ أن إصرار التنظيم على مهاجمة قوات الحكومة الشرعية – وهو ما ظهر من خلال خطاباته الأخيرة – مقابل تنامي التنسيق الأمني مع الحوثيين، قد زاد من وتيرة التعقيدات، إذ يرى بعض عناصر القاعدة انهم يدفعون الى قتال جنود الجيش اليمني الذي تربطهم بهم علاقات قبلية، في مقابل ترك العدو الايدلوجي الأول المتمثل بجماعة الحوثي المدعومة من إيران.
سعد العولقي يعقد اجتماعا طارئا لمعالجة الاختلالات
في أبريل الماضي بدأ القيادي في الصف الأول في تنظيم القاعدة في اليمن سعد بن عاطف العولقي بالتدخل للملمة صفوف التنظيم في شبوة، وفي نفس الشهر عقد العولقي اجتماعا استثنائيا مع أهم القيادات الجهادي المحلية في المحافظة.
وبحسب قيادي جهادي “حضرمي” مطلع تحدث لـ”أخبار الآن” على ما دار في الاجتماع، فقد استمع العولقي الى شكاوى عناصر التنظيم الذين تحدثوا عن عدة مشاكل أبرزها تهميش التنظيم لهم وقطع أعطياتهم الشهرية حتى تلك الأعطيات التي كانت تمنح لأسر من قتلوا في صفوهم. وقد التزم العولقي من جانبه بانه سوف يعمل على حل الأزمة.
لكن وعود باطرفي لم تقابل بأي ثقة من قبل جهاديي شبوة، وهو ما اضطر العولقي لعقد اجتماع آخر مع قيادات شبوة في يوليو المنصرم. وبحسب مصدر جهادي مطلع، فقد جلب العولقي معه هذه المرة كلا من القيادي ابو اسامة الدياني وهو عضو مجلس شورى التنظيم وأحد القيادات المقربة من خالد باطرفي، بالاضافة الى امير التنظيم في شبوة وأبين ابو الهيجاء الحديدي.
ولتعزيز الثقة طلب العولقي من الحاضرين تسليمه كشوفات المجندين والأسر التي تم قطع الأعطيات الشهرية عنهم.
باطرفي يتلاعب بالعولقي
مع بداية العام الجاري بدأ خالد باطرفي يستشعر تأزم الوضع في شبوة وقد وجه العولقي بالتحرك هناك لامتصاص حالة الغضب، لكن باطرفي لم يقدم للعولقي أي شيء فعلي، وظل الوضع يستاء في شبوة طيلة الأشهر الماضي. في سبتمبر الماضي عقد آخر اجتماع عاصف بين باطرفي والعولقي، وبينما كان سعد عاطف يتهم باطرفي بانه يتنصل من كافة وعوده لتسوية وضع الجهاديين في شبوة، رد باطرفي عليه قائلا بأن التنظيم غير قادر على تلبية أي مطالب بسبب العجز المالي الشديد الذي يعانيه.
ويرى المصدر الجهادي “الحضرمي” الذي نقل لنا تفاصيل الاجتماع العاصف، بأن هدف باطرفي الأساسي لم يكن حلحلة الوضع بل انه على الاغلب يسعى الى احراق شخصية العولقي داخل حاضنته الاجتماعية وذلك استباقا لأي دعوات داخلية تدعو الى انتخاب زعيم جديد للتنظيم نتيجة فشل باطرفي الذريع في قيادة تنظيم القاعدة في اليمن، وعلاقته المشبوهة مع سيف العدل المقيم في ايران . وكما هو معروف فان المنافس الأقوى لباطرفي هو سعد العولقي.
وبحسب مصدر جهادي مقرب من العولقي، فإن الأخير أبلغ عددا من المقربين منه، بانه ينوي عقد اجتماع موسع لجميع قيادات وعناصر التنظيم من ابناء شبوة ليكشف لهم حقيقة التناقضات لدى القيادة العامة وتراجعها عن الوعود التي قدمتها لهم. ولكن حتى الآن لم يجتمع سعد بالعناصر.
ولم يكن العولقي الضحية الوحيدة لتلاعب زعيم تنظيم القاعدة في اليمن، اذ سبق وان وجه باطرفي وعودا كاذبة لكل من أبو هيجاء الحديدي أمير التنظيم في أبين وشبوة، وكذلك أمير تنظيم القاعدة في البيضاء، الا ان باطرفي تعمد إحراج العولقي بصورة أكبر لأسباب تتعلق بالتنافس الداخلي على قيادة التنظيم في اليمن.
لكن سلوك باطرفي قد يكون سلاحاً ذو حدين، فقد أدى ذلك الى خلق حالة أكبر من التعاطف والتأييد في صفوف القيادة العليا للتنظيم مع سعد العولقي، وفي مقدمة الشخصيات هذه كان خبيب السوداني الذي هاجم سلوك باطرفي وأوصى العولقي بمواصلة جهوده في لملمة فرع التنظيم في شبوة.
وقد قال قيادي مقرب من القيادة العامة وأحد أعضاء مجلس شورى التنظيم في حديث حصري لـ”أخبار الآن” بان خبيب السوداني اعتبر سلوك باطرفي ينم عن ضعف في القيادة وليس دهاء في السياسة، وأن هذه الإجراءات تضعف التنظيم في معاقله التاريخية والتي كانت أهم نقاط قوته، وهو أحوج ما يكون إليها في الوقت الحالي.